أبو عبدالله النعماني خريج احد كتاتيب القرية بوادي رخية تعلم عل يد السيد / محمد حسن الحبشي من سيئون لم يتخصص في العلوم السياسية ولم يقطع أية بطاقة حزبية لكنه عندما يخوض في غمار السياسية تجده طرازا فريدا من نوعه كيف لا ونحن في زمن لم تعد فيه السياسية حكرا على الساسة فقط بل أصبح كل مواطن يدلوا بدلوه في كل شان سياسي ، مايميز صاحبنا هذا عن غيره هو امتلاكه حدسا صادقا لايكاد يكذب لا ندري هل هو نتاج تجربة أكتسبها من مدرسة الحياة أم انه الإلهام والتوفيق الرباني . فمثلا في أواخر عام 1985م عاد أبو عبدالله من غربته إلى البلاد لزيارة ألأهل والأولاد ، كان أكبر هم يراوده وقتئذ هو تزويج ابنه البكر … موعد عودته إلى السعودية كان مقرر له أن يكون في شهر فبراير من العام القادم 1986م غير أن صاحبنا قرر قطع زيارته والعودة قبل حلول يناير وعندما سأله بعض أقربائه عن سر الاستعجال قال لهم : أشوف أن يناير لن يمر بسلام هذه المرة ف( الرفاق ) لن يتعدوا شهر يناير … شد صاحبنا رحالة وسافر غير أن تكهناته وللأسف الشديد قد صدقت ، فاندلعت حرب 86 بين الرفاق في عدن وراح ضحيتها الآلاف من القتلى ومثلهم من الجرحى والمختفيين إلى الأبد … عام 1990م تحققت الوحدة اليمنية فهلل لها الجميع وصفق غير أن أبا عبد الله من القلائل الذين لم تكن لديهم الصورة بتلك الرومانسية الزايدة فكان القلق والترقب الحذر مسيطرا عليه مبشرا بأيام سود ستعقب شهر العسل بين شركاء الوحدة آنذاك ( علي صالح وعلي البيض ) لم نكن وقتها نرى للتشاؤم مكانا فالعرس الوحدوي كان صاخبا وطاغيا على ما سواه ولا مكان للتشاؤم ولا للمتشائمين فالفرحة بالوحدة كانت لا توصف والنشوة في ذروتها ، غير أننا لم نصحوا من فرحتنا ونشوتنا تلك إلا على أصوات المدافع وأزيز الطائرات في حرب صيف 94م حينها قلنا وهذه الثانية صدقت فيها يا أبا عبدالله فقال في قصيدة له حينها : يالله الحمد لك رويتني شوف يعجب ظهرت الشمس من بعد الليول الظليمة العصابات راحت والسفيه المحبب شلهم سيل من مقدم نجوم الحميمة مرت الأيام وجاءت انتخابات 2006م فخرجنا نخوضها دعما لابن حضرموت مرشح أحزاب اللقاء المشترك المهندس فيصل بن شملان ، ولم يكن ينقصنا وقتها الحماس بل كان الأمل المدجج بقدر هائل من الحماس يملأ النفوس بعيدا عن إدراك كثيرا من الحقائق المرة المتأصلة في المشهد والتي تعيق أي أمل في التغيير عبر الصندوق وقتئذ .. وفي واحد أيام الحملة الانتخابية الحامية وفي زحمة الحشد الجماهيري مررنا على أبي عبد الله وطلبنا منه التفاعل معنا – فنحن نعلم كم هي مكانته في القرية وفي القرى المجاورة بشكل عام- حاول أن يتملص هذه المرة من الحضور وبكل ما أوتي من قوة غير أننا وبحماس الشباب قد سددنا عليه كل الطرقات ولم ندع له فرصة للهروب فوافق للخروج معنا على مضض وبينما هو يجهز نفسه للخروج راضخا لمطلبنا التفت إلينا قائلا : وهل تتوقعون أن علي صالح بايسلم الحكم عبر الأوراق اللي ( باتحشكونها) داخل هذه الصناديق . وأردف قائلا : مساكين يا عيالي ، علي صالح لن يتنازل عن الحكم إلا إذا سالت الدماء في صنعاء إلى الركب . لم نعر كلام هذا الشيبة أي اهتمام ورأينا فيه مجرد شخص عامي يتأثر بما يسمع من المشككين والمثبطين الذين يهدفون إلى تحطيم عزائم الناس وزعزعت ثقة المجتمع في التغير السلمي الديمقراطي والسعي إلى الزج بالبلاد في أتون فتنه وحرب تأكل الاخضر واليابس على الرغم من ان الطريق الديمقراطي متاح ومشروع وهو الطريق الآمن الوحيد لإصلاح الأوضاع كما كنا نعتقد ، مرت الأيام وحصل ما حصل في الانتخابات … وأخيرا جاء الربيع العربي وثارت ثائرة شباب التغيير في اليمن وسال الدم في صنعاء وكان أول ما سال بغزارة في جمعة الكرامة وما بعدها وبطريقة لم يتخيلها أي إنسان وتحت وقع الصدمة وحينها فقط تذكرت كلمات ذلكم الشيخ الجليل فذهبت لأزوره في بيته بمدينة سيئون حيث انتقل للعيش هناك وذكرته بما كان قد توقع حدوثه كثمن لترحيل علي صالح فتذكر وقال الآن سيرحل… وأخيرا ذات يوم بينما أنا كغيري من أبناء الجنوب منشغل بهمنا الأكبر هذه الأيام بالقضية الجنوبية وتداعياتها خطرت لي فكرة لماذا لا اذهب إلى ذلكم الحكيم وارى ما هو رأيه فيما يجري بخصوص قضية الجنوب فربما يصدق حدسه وضنه هذه المرة كالعادة ، لم انتظر كثيرا وتوجهت إليه وزرته في بيته وفي أثناء كلامي معه دسست له هذا السؤال : ايش رأيك يا عم في من يطالب بفك الارتباط (علي سالم البيض وأصحابه ) فنظر إلي نظرة أضنها صفراء إذا كانت أيضا للنظرات ألوان ونفض يده وقال : إذا قامت ناقة صالح المعقورة !!! أترك منك الكلام الفاضي ثم غير موضوع حديثنا . لم أحاول أن أزعجه بكثرة الأسئلة وترديد نفس الكلام والغوص في التفاصيل ، غير أني قد تملكتني الدهشة هذه المرة أيضا من نضرته السطحية لهذا الامر الذي بات هاجس ينام عليه الكثير ويصحو لكني قد تعلمت من الماضي أن لا استخف كثيرا بكلام هذا الرجل وليبقى الزمن هو الحكم فيما بني وبينه .