بقلم/ محمد سالم بن ثعلب في أروقة المستشفى، ذهبت الأقدام إلى الدكتور المعالج، تطلب منه الإسراع فالمريض في قسم الطوارئ والذي قد تجاوز الستين عاما ً يتأوه، نبضه خافت يتنفس بصعوبة، ويكاد أن يختنق، وبعد اتصالات طويلة لإقناع الاختصاصي بالحضور من مكتب عيادته الخاصة..لأن الحالة بحاجة إلى تدخل جراحي سريع.!! حضر الاختصاصي بعد أكثر من ساعة ليرى المريض!!.. فوضع السماعة على صدره، وجس نبضه، ثم رفع الدكتور حاجبيه بكل هدوء وهو يتمتم لقد توفى!!.. صرخت في وجهه،أحببتُ أن أنتف ذقنه،أخذني البعض وهم يزمجرون ألا تخاف من أن يتصل بأمن المستشفى ( فينهالوا ) عليك ضربا ً بالهراوات..ولكني لم أبالي..وهذا ما حصل بالفعل!! فقد شجعت جنازة أبي وأنا مضمد الأطراف كأنني كنت مع والدي في الحادث. ( يرحمك الله يا أبا خالد .. قالها خالد وهو يعتصر ألماً عندما حكى لي قصة إسعاف والده بعد تعرضه لحادث مروري، وقد نقلت لكم أهم جزئية في الواقعة كما جاء على لسان خالد.) إن بعضاً من هؤلاء الأطباء قد تم تعيينهم ، وليس لديهم مادة للرفق،وكأنهم يتعاملون مع حيوانات، عندما يتألم المريض كأنه يعلن انقلاباً على الطبيب، وعندما يتقلب المريض ألماً في فراشه يسعفه الطبيب بتكشيرة ترعبه!! بدلاً ً من جلب الحياة له بابتسامة. المريض في بلادي لا قيمة له، فالموت بالمجان، وهو أقرب الطرق للوصول إلى الحياة الآخرة، وعلى الإنسان في بلادي أن يصبر على موته، ويصبر على مرضه، ويصبر على وصفة الدواء(المشفرة) التي كثيراً ما يخطئ الصيدلاني في صرفها. وعليه أن يموت بهدوء في بيته كي لا يزعج الأطباء، وعندما يتطاول عليه الوجع،أو يحصل له حادث مفاجئ.. لابد أن يستقل أقدامه وأن يذهب للمستشفى بدون سيارة إسعاف. أو.. ينتظر طويلاً حتى تأتي إليه(مصفحة) من الصبر وهو يئن ويئن وربما تأتي إليه حالة من الهستيريا في انتظار الرحمة العاجلة من ذوي القلوب الصلبة،وعندما يصل إلى المستشفى بعد طول عناء، تكون الإمكانات المصنفة له حسب الوضع بالمستشفى لا حسب حاجة المرض !! الواسطة داخل أسوار مستشفياتنا كالواسطة لاعتلاء وظيفة تماماً،عندما يعرفك بعض الأطباء أو العاملين في المستشفى تلغى القوانين.. ويتم السماح لك بالدخول إلى أنف المريض..لا ضوابط..لا مهنية..المريض في مستشفياتنا يسير إلى الخلف، إما أن يموت فيكتب اسمه في سجل الوفيات (المتوفى رقم ألف) وأما أن ينقل بنقاله إلى الخارج، وعندما يحيى يموت بالإرادة، وعندما ينتقد يموت من العقل.. وعندما يصيبك الغضب وتفقد أعصابك سرعان ما تصنف من ضمن الأفراد الخارجين عن الشرعية، وليس لهم سوى علاجك بالهراوة أو الصفع أو تكسير الأسنان. في الدول الراقية يكون من حسن الطالع وجميل المقابلة أن يبتسم الطبيب للمريض، وهذه البسمة هي إعلان مبدئي على التصالح المعنوي، وعلى الوفاق الاجتماعي، وعلى إخفاء العداوة حتى لو كان بين الطبيب والمريض ثأر سابق، واعتداء صارخ. والطب هو مهنة أخلاقية وتعلق المريض بالطبيب كتعلقه بحبل النجاة، فتكون ابتسامة الطبيب هي الترياق الأول لاستقرار النبض المتهالك للمريض. أعتقد أن الإهمال في الطب هو الحلال المعقود في وطني، وهنا لا أستثني أحداً، فالكل يدور حول نفسه، حتى المريض في غرفة العناية الفائقة لا يسلم من الإهمال..أخجل أن أقول مثل هدا الكلام..وأنا في قمة السخط على هكذا وضع !!.. ولكن ما الفائدة من السخط سوى أن نرميها على الظروف والواقع وعدم الإمكانات، وهي الشماعة التي تخفف وطأة الإحساس بالذنب وليس العودة للصواب ولا التبصر، ولا نعمة الضمير، نسأل الله العفو والعافية.