تشهد بعض البلاد العربية كمصر وسوريا والعراق وليبيا وغيرها وإن كانت بدرجات أقل وجلها من دول الربيع العربي تحديات كبيرة بعد أن أخذت الصراعات الداخلية فيها أبعاداً إقليمية ودولية تلاقت فيها مصالح أطراف مختلفة سواءً كانت أصيلة أم بالوكالة لحساب الغير مستغلين مزاج الربيع العربي لتلك الشعوب وتوظيفه بما يحقق مصالحها أملاً في تفكيك الهوية العربية لصالح هويات ضيقة ، وهي صراعات سلمت الشعوب العربية في تلك البلدان ثمناً باهظاً الأمر الذي جعل البعض يصف ما حدث بالخريف العربي . وحظي تطور الأوضاع في تلك البلدان منذ بداية هبة الربيع العربي حتى يومنا هذا بتفاعل عربي ودولي واسعين . ومع أن ثورة شعب الجنوب ضد الاحتلال اليمني كانت سباقة في هبة الشعوب العربية إلا أنها لم تحظ باهتمام سياسي وإعلامي كما هو الأمر مع دول الربيع العربي حيث تم تجاهلها إقليميا وعربياً ودولياً لاعتبارات المصالح . مع أن شعب الجنوب كان ومازال واحداً من أكثر الشعوب معاناة منذ وقع تحت الاحتلال اليمني عليه بعد حرب 1994م بدعوى حماية الوحدة المزعومة وهي حرب استباح فيها غزاة اليمن أرض الجنوب وما لحقه من ممارسات شنيعة كالتنكيل والقتل وامتهان للكرامة و تدمير للبيئة والإنسان ونهب الثروات . ومع كل تلك الممارسات ظل شعب الجنوب مناضلاً صلباً في وجه المحتل بكل جبروته معلناً للملا رفضه التام العيش تحت مظلة التهميش والإذلال على قاعدة أما العيش بكرامة أو الموت بشرف لذلك كانت تلك التضحيات الجسام التي قدمها عبر رحلته النضالية السلمية منذ العام 1997م حتى يومنا مواجهين آلة الموت بصدور عارية مقدمين الشهيد تلو الشهيد كي ينبلج فجر الحرية والاستقلال . كل ذلك جرى ومازال يجري وربما بوحشية تصاعدية وما مجزرة الضالع سوى نموذج لما أسلفناه في مقابل شعب لا يتخذ سوى النضال السلمي وسيلة لبلوغ أهدافه في التحرير والاستقلال . ومع ذلك نرى الصمت والتجاهل المقصود إعلامياً وسياسياً و حتى حقوقياً إزاء كل تلك الجرائم التي يرتكبها المحتل بحق شعبنا وهي مؤشر على خساسة الضمير الدولي في عالم اليوم الذي لا يعرف إلا مبدأ القوة والمصالح وهو أمر أكدنا عليه في أكثر من مقال وهذا التواطؤ يتساوى فيه العجم مع أشقائنا العرب ويندرج معهم كثر ممن أعناهم حين كانت لنا دولة حيث كافؤنا باستدارة ظهورهم لنا بعد أن أصبحنا في وضع لا نُحسد عليه . ويعود هذا الصمت والتجاهل في جزء كبير منه إلى إصرار كثير من النخب الثورية الجنوبية في الإبقاء على خيار الثورة السلمية باعتباره الخيار الأمثل لبلوغ أهدافنا من خلال إقناع العالم الخارجي بعدالة قضيتنا مع ما صاحبه من غياب التقييم الحقيقي للتجربة النضالية السلمية وفاعليتها لبلوغ الأهداف في ظل التعاطي العربي والدولي مع قضيتنا . وهو خيار لم يعد موفقاً في حدود قناعاتي القائمة على أن العالم لا يسمع إلا صدى القوة والمصالح فقط . وعليه فأن الخيارات البديلة كانت خيارات ضرورية منذ ما قبل اليوم وهي مع ذلك أيضاً امتداداً للتقاليد النضالية لشعبنا خلال تاريخه الكفاحي ضد الغزاة عبر مراحل تاريخه المختلفة على قاعدة لا يفل الحديد إلا الحديد . وهو أمر لا يتعارض مع الطبيعة الحضارية والمدنية لشعبنا في الجنوب لأن الوعي بقيمة الحرية والنضال من اجلها بكل السبل هو موقف حضاري أصيل . أقول ذلك ليس من منطلق القلق على نجاعة الخيار السلمي بالمطلق بل القلق على جنوبنا في ظل ما يعتمل من تسويات إقليمية قد يترتب عليه تحويل جنوبنا إلى ملجأ للجماعات غير المرغوب فيها كي يتم التخلص منهم وقد يأتي مثل ذلك وفق صفقات ترتب من أطراف محلية وإقليمية ودولية كما هي صفقة جعل الجنوب ملتقى لجماعات القاعدة في الجزيرة العربية بهدف تنظيف بلدان الخليج منهم وكي يبقى العدو الوهمي الذي تتذرع به الولاياتالمتحدة . وهو ما قد يزيد من تعقيدات المشهد الجنوبي لا سمح الله وحدث وعليه لن يعوق مثل تلك الصفقات سوى وجود مقاومة صلبة غير سلمية وهي مقاومة تستطيع في الوقت نفسه أن تجعل العالم يستمع لصوتها .