عندما يتعلق الأمر بالتعيين في بعض الوظائف كثير من الناس يحلو له التصنيف وفقا لأهوائه ومن واقع نظرته الضيقة، حيث ينصب البعض أنفسهم مشرعين للقوانين واللوائح والنظم ، وبناءا عليه يتداول الآخرون آراء هؤلاء وكأنها فعلا قانون أو كما نقول دوما "فرمان ملكي". فمنذ أن عرفت المرأة طريقها لميادين العمل والإنتاج وتلك الاجتهادات تلاحقها .. حتى في ظل توجهات الدولة ممثله بفخامة الأخ/ رئيس الجمهورية نحو تعزيز مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص فما زال البعض يمارس عقده ويغذي مركبات النقص لديه في إيجاد المفارقات بين المرأة والرجل ورغم ذلك فالمراه اليمنية بالتأكيد تمتلك إراده لا تقهر فقد اقتحمت المراه اليمنية ميادين شتى كانت موصدة في وجهها ورثن العزيمة والإصرار والثقة من الجدة بلقيس والأم أروى لم يضعن ورثهن واثبتن بجداره وصمود ليتبوأن مناصب قيادية لكم داعبت أحلام الكثير من الرجال للوصول إليها ، ولكن مجالا بعينه خاضته وبكل جداره. في مجال غير مسبوق للمرأة خاضته منى ناصر العنسي ، بالتأكيد حلم به وسعى إليه الكثير ولكن لم تفكر إحداهن للارتقاء بشغله سواها.. فقد علمت مسبقا بتعيين الأخت منى العنسي مديرا للخطوط الجوية اليمنية لمنطقه دمشق، ولكن أن تسمع عن أمر ما شيء وان ترى بعينك ذلك الأمر شيئا آخر. ففي منتصف الشهر الماضي يونيو تم ترشيحي من جهة عملي لحضور دورة تدريبية في التنمية القيادية بدمشق وعند وصولنا لمطار دمشق، وما أن فتحت أبواب الطائرة وأذن للركاب بالنزول- وكنت إحداهم- فما أن خرجت من باب الطائرة حتى رأيت أسفل السلم وجهاً بشوشاً بابتسامة رقيقة لوجه ملائكي لفت نظري.. انه لامرأة محجبة بزي الخطوط الجوية اليمنية، تمسك جهاز المناداة بيد، وتومئ للركاب بالنزول مرحبة بهم، وداعية إياهم لصعود الباص- ولكم أن تتخيلوا مشاعر الفخر والاعتزاز التي غمرتني فهذه بالتأكيد منى العنسي تستقبل أهلها القادمون من ربوع الوطن إلى ارض الشام. اتجه الركاب للباص قاصدين كبينات الجوازات وانصرف الكل لشأنه.. وأثناء العودة توافد المغادرون للأراضي السورية استعدادا للعودة لأرض الوطن الحبيب حاملين بين خلجاتهم شوقا عظيما للأهل والوطن الذي لا يعرف غلاه الآن كل من يغادره ويردد قول الشاعر: "بلادي وإن جارت علي عزيزة".. لحظات وبدت منى العنسي في كامل الحيوية والنشاط تتفقد الكاونترات آمرة موظفيها بالبدء بعملية وزن الأمتعة، طالبة من المسافرين الالتزام بالانضباط والهدوء والوقوف بنظام لتسهيل إجراءات مغادرتهم.. سمعت احدهم يهمس "ما قدروا عليها الرجال عاد آخرها النسوان"!! اقتربت منه وسألته مالفرق في تلك المهنة بين الرجل والمرأة رد وعلامات الاستغراب بادية على ملامحه اقصد أن المسافرين دائما يتزاحمون لينجزوا معاملاتهم وقد صادفت أكثر من مرة أن يكون مدراء المناطق موجودين فيفقدون السيطرة ويصرخون على الموظفين والركاب. فقلت له: هل رأيت امرأة من قبل في مثل هذا العمل؟ قال: لا .. هذه أول مرة. فقلت: انتظر ولا تستبق الأحداث ولا تحكم دون دليل فانا مثلك رأيت الكثير من الرجال وأول مرة أرى امرأة في هذا المنصب، وقد كنت في قرارة نفسي أقول أتمنى أن تثبت هذه المرأة جدارتها لأني اسر كثيرا لنجاح أي امرأة! تبسم الأخ وبدا يراقب الوضع وأنا أراقب ملامحه تارة وأخرى أتابع ما تقوم به منى العنسي ولن تصدقوا إن قلت لكم أن المعاملات تمت بأسرع مما كنا نتوقع، وكانت منى العنسي تنتقل من كاونتر إلى آخر، وبين الركاب في الرحلات المغادرة إلى صنعاء عبر الخطوط اليمنية. فالتقاني الأخ الذي بيني وبينه الحديث وقال لي: فعلا انتم النساء إذا أتيحت لكن الفرصة ما تضيعوها، وأنا فخور أن بنت بلدي أفضل بكثير من الرجال! سررت كثيرا لرأيه الذي كنت أتمنى من أعماقي أن يكون كذلك لان نجاح امرأة في أي عمل كان حكرا على الرجال هو نجاح لكل النساء، وكم هناك من الرجال الذين يقدرون قيمة عمل المرأة ويساهمون في تمكينها لمواقع قيادية وعلمية فلهؤلاء أقول: إن نجاح منى العنسي وغيرها هو شهادة تقدير منا لكم. فمزيدا من الدعم للمرأة لابد أن يصنع مجتمعا متوازنا بعيدا عن التمييز خاليا من العثرات التي تقف حائلا في طريق عجلة التطور والتنمية.. فألف مبروك نجاحك منى العنسي وتحية إجلال وتقدير لك ولكل امرأة مثابرة ومجدة.