قبل الاغتراب خارج الوطن لا يستطيع المرء أن يتخيل كيف يمكن أن يمر شهر رمضان المبارك على المسلمين في بلدان غير إسلامية.. وعندما يجري الحديث عن اليمنيين في الولاياتالمتحدة، كنا نتساءل: يا ترى كيف يستقبلون رمضان؟ وكيف يصومون؟ وهل يتلذذون مثلنا بأيامه المباركة!؟ لكن عندما شددنا الرحال إلى المهجر الأمريكي كان رمضان هو الحضن الأدفأ، والأجمل، والفياضاً بالرحمة والتآخي، الذي يستقبله المسلمون هنا بسرور بالغ ليس له نظير.. فالكل واثق أن دلالات هذا الشهر تجعله متميزاً عن بقية الأشهر، ف فيه نزل القرآن الكريم، وفضّل الله على عباده بالرحمة والمغفرة، والعتق من النار.. مع الأيام الأولى لرمضان توجهت "نبأ نيوز" إلى أبناء الجالية الكريمة في "ديربورن" لتلتقي الزميل حكيم عبد الله المسمري- نائب رئيس تحرير صحيفة "سبأ" الأمريكية- لتستشف منه تفاصيل الجو الرمضاني عند أبناء الجالية المسلمة، وحياة المغتربين خلال هذه الأيام المباركة، فكان لنا الحوار التالي: حاوره: منير الذرحاني – مدير تحرير "نبأ نيوز" * بدءً، هل لكم من كلمة للجالية الكريمة بهذه المناسبة؟ -- يسر صحيفة "سبأ" الأمريكية أن ترفع للجالية الكريمة أحر التهاني القلبية وأجمل الأماني وأسمى آيات التبريكات بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك أعاده المولى علينا وعليكم بالخير واليمن والبركات وعلى الأمة الإسلامية. * أخي حكيم، ما هو الانطباع الذي يتولد لدى أبناء الجالية بحلول شهر رمضان المبارك؟ -- كما تعودنا في مثل هذه المناسبة العظيمة عند كل المسلمون نشعر بفرح كبير بحلولها ونستقبل الشهر الكريم بالحب والحنان والتراحم والعطف والإخاء والنصيحة والابتسامة الطيبة في كل أوقاتنا. ونعتبر شهر رمضان بمثابة محطة خيرية نتزود منها بالخير والبركة والمغفرة والأمن والسلامة والنجاة من النار وبحلول هذا الشهر تحل الخيرات والبركات على المسلمين في أنحاء المعمورة.. كما يحلو لنا أن نتذكر ونحن في المهجر أشياء من عادات وتقاليد الوطن التي تعود عليها المسلمون في مثل هذه الأيام من أهمها زيارة الأقرباء والأرحام، والإنفاق في الخيرات، وتفقد أحوال المحتاجين، والتقرب أكثر من هموم ومعاناة الأيتام والمساكين. * هل من أثر ايجابي تعكسه أيام شهر رمضان على حياة المغترب؟ -- بالطبع لهذه الأيام تأثير كبير في النفوس ويلاحظ في مثل هذه الأيام إقبال كبير على أعمال الخير والتسامح والتخلق بالأخلاق الحسنة، والإقبال والتوبة والاستغفار، وأيضاُ نلاحظ عندنا في ولاية متشغان- التي تعتبر من أكثر الولايات التي يتواجد فيها المسلمين، وفيها عدد من أكبر وأقدم مساجد المسلمين في أمريكا- إقبال كبير في عدد المصليين من أبناء الجالية اليمنية والعربية والمسلمة الأمريكية خلال أيام رمضان بالتحديد، رغم ظروف ساعات العمل الطويلة، والانشغال الكبير بالأعمال أو حتى الغربة نفسها تولد بعض البعد بين الناس، أو التجافي إلاّ أن أبناء الجالية اليمنية، والجاليات العربية المسلمة في أمريكا يجدون في المناسبة هذه ما يجمع شملهم، ويوحدهم، ويغرس في نفوسهم إحساس بالأسرة المسلمة الواحدة. * يعني يمكن القول أن أبناء الجالية متأثرين بشهر رمضان أكثر من غيره من أشهر السنة؟ -- هذا أمر معروف، المسلمين في أنحاء العالم سواء في الدول الإسلامية أو غيرها لهم شعور خاص بهذا الشهر الكريم وإقبال كبير على فعل الخيرات فيه، فترى بينهم التسامح، والتراحم، والتعاطف والمودة، وتراهم أيضاُ يتلمسون أحوال بعضهم البعض طيلة فترة الشهر المبارك.. ونحن أيضاُ أبناء الجاليات المسلمة في أمريكا نتأثر بأيام رمضان ونتعلم منها السلوك الحسن، وحسن التعامل مع المجتمع من حولنا.. في هذا الشهر حكمة بالغة عندما يمتنع المسلم عن الطعام والشراب، فهذا يعلمنا الصبر والتحمل ويزرع في قلوبنا الحنان والعطف والشفقة على الفقراء والمحتاجين- وخاصة- الجالية في ولاية متشغان كبيرة، وقد اعتادت أن تتميز عن سواها في استعداداتها لاستقبال شهر رمضان، فهم يستقبلونه كما قلت لك بفيض من البشاشة، وإشراقات الوجوه، والاستعداد النفسي لزيادة التقرب إلى الله تعالى، وسؤاله المغفرة والرحمة. * ما مدى تأثير بعض العادات والتقاليد الرمضانية في أرض الوطن الغالي على أبناء الجالية هنا في أمريكا؟ -- طبعاُ يتأثر الشخص بعادات وتقاليد وطنه ومجتمعه، ولكن ليس الجميع يتأثرون بكل الحالات، هناك فرق بين أن يتأثر الشخص بتقاليد طيبة ومفيدة وأخرى لا فائدة منها بل تجلب لصاحبها الضياع والندامة.. وللأسف أصبح شهر رمضان في أذهان البعض مناسبة للسهر والنوم والاهتمام بمتابعة الفضائيات، ومشاهدة المسلسلات؛ وكذلك التبذير من خلال المبالغة في الأطعمة والمأكولات.. وهذه مشكلة ظلت تلازم المسلمين أينما ذهبوا، رغم أن حدتها قد تختلف من بلد مسلم لآخر.. لكن في الجانب الآخر من الممارسات اليومية الرمضانية فإن نمط الحياة يتبدل حيث أننا هذه الأيام في "ديربورن" و"هامترامك" و"ديترويت" نجد أن المسلمين يتوافدون على المساجد في أوقات الفرائض بكثافة كبيرة، ويلتقون ويتبادلون التهاني برمضان، ويسترجع البعض ذكرياته حول رمضان مع الأهل في أرض الوطن، وأحياناً يستحضرون الأحاديث والقصص الدينية، والسنن النبوية وقصص الأنبياء محمد "ص" وإبراهيم وعيسى وموسى وأدم عليهم السلام. * ما هي المتاعب التي يمكن أن يواجهها الصائمون في بلد غير إسلامي كأمريكا مثلاً؟ -- بعض أبناء الجالية يواجهون صعوبة في الصيام نظراً لكونهم يقضون ساعات طويلة في أعمال شاقة، ومرهقة، وطيلة فترة النهار الأمر الذي يجعل الصيام عليهم صعباً جداً، ورغم ذلك فإنهم لا يتأثرون كثيراً بسبب العمل والإرهاق، وقد لا يعلم البعض إن ساعات الصيام قد تختلف من بلد إلى آخر تبعاً لطول ساعات النهار أو قصرها، ففي الولاياتالمتحدة تصل ساعات الصيام اليومي إلى حوالي (15) ساعة، ولكن رغم امتداد وقت ساعات الصيام تجد أن المسلمين لديهم عزيمة، بل ويستمتعون بالصيام جداً.
* هنا في مسجد ديربورن "ديكس" الذي يعد واحداً من أقدم وأشهر المساجد في أمريكا، وهو أيضاً مركز الجمعية الإسلامية الأمريكية في المنطقة، ما طبيعة الأنشطة التي تمارس في هذا الشهر الكريم؟ -- هنا يتجمع العدد الأكبر من اليمنيين في الولاية، وتقوم الجمعية الإسلامية الأمريكية بالكثير من الأنشطة والخدمات الخيرية التي تكرسها لبرنامج شهر رمضان المبارك.. فخلال هذا العام هناك برنامج حافل يتضمن: • إفطار وعشاء الصائم بعد صلاة المغرب يومياُ. • واحة إيمانية بعد صلاة الفجر يومياً، ومحاضرات عامة يومي السبت والأحد بعد صلاة الظهر، ودروس بقية أيام الأسبوع يلقيها ضيوف مميزون. • مسابقات القرآن الكريم لطلاب مدرسة ابن العباس كل سبت وأحد بعد صلاة العصر. • خواطر لطلاب مدرسة ابن العباس بقية أيام الأسبوع ، وخواطر عامة بين صلاة التراويح. • برنامج للمعتكفين في العشر الأواخر من رمضان. • تكريم حفاظ كتاب الله القرآن الكريم في محيط مدينة ديترويت وما حولها يوم الأحد 25 رمضان، بالإضافة إلى مسابقة ثقافية عامة يجيب عليها جميع أبناء الجالية المسلمة. • حفل العيد، ويتم خلاله تكريم كل الفائزين في المسابقات القرآنية والمسابقة الثقافية العامة وتوزيع الهدايا على أطفال الجالية يوم العيد المبارك إن شاء الله تعالى. من المؤكد أن أبناء الجاليات اليمنية والعربية المسلمة في الولاياتالمتحدة مثلهم مثل باقي المسلمين في أوروبا واسيا وأفريقيا وكل بقاع الأرض، ينتظرون مثل هذه الشعائر الدينية بكل شغف، ومنهم من يرحبون به ستة أشهر ويودعونه طيلة الأشهر الباقية من كل عام.. فالحقيقة التي يمكن قولها أن العالم مهما اختلفت بلدانه، وتباينت تضاريسه، وتعددت لغاته، يبقى فيه شهر رمضان هو الأمر الوحيد الذي لا يختلف في تقاليده، وقيمه الأخلاقية، وعقائده الدينية، وانبعاثاته الروحية التي تنعش القلوب بذكر الله، وبمشاعر الحب، والمودة، والسلام- حتى أن المرء ليقول: ليت الأيام كلها تتحول رمضاناً لتنعم البشرية بسلام أبدي.. المسلمون المهاجرون لا يختلفون عن سواهم، فهم معنيون بشعائر الدين والإسلام والتقرب إلى الله سبحانه وتعالى.. واليمنيون هنا ربما يكونون الأكثر دعاءً لأهلهم وشعبهم ووطنهم بأن ينعمون بالأمن، والسلام، وهناء العيش.. فقد أكرمهم الله بأن "الإيمان يمان، والحكمة يمانية"..