ظل الفساد ينتشر بشكل عشوائي في كافة المؤسسات الحكومية منذ سنوات مضت، بل أصبح منتشراً في عقول البشر. فظاهرة الفساد يمكن أن نعتبرها ظاهرة اجتماعية مقيتة لأنها من صنع الإنسان نفسه، يتذرع الحجج لتبرير أفعاله بإصدار القرارات الإدارية بعد تكيفها لمصلحة أقرانه. فأن قضية مكافحة الفساد هي قضية على درجة كبيرة من الأهمية حيث أن لها تأثير مدمر على كافة الأصعدة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وبالأخص عندما تتحول من ظاهرة مؤلمة لها صفة استثنائية إلى ظاهرة عامة تنخرعظام النظام الاقتصادي والاجتماعي والسياسي لبلدنا الحبيبة، حيث إننا يجب أن نقف بكل قوة ضد المفسدين والفاسدين لأنهم في النهاية يأكلون أموال شعبنا بشكل فرادى وكان يلزم أن يستفيد منها الشعب اليمنى بكافة فئاته. كما أن هناك ضرر بالغ يقع على عاتق المواطن اليمنى البسيط في حياته اليومية من جراء الفساد، والأهم من ذلك أن الفساد يؤدى إلى تخريب ( النظام السياسي ) للدولة حيث يسمح الفساد بسيطرة المفسدين على الحياة السياسية ومتخدي القرار، ويؤدي أيضا إلى ارتفاع تكلفة المشروعات الاستثمارية وذلك عن طريق تكاليف الفساد من رشاوى وعمولات الخ. كان المجتمع الدولي حتى فترة وجيزة يعتبر ظاهرة الفساد شأن داخلي لا يجوز للدول الأخرى أو المؤسسات الدولية التدخل فيه أو أن تقترب منه أو تحاول فرض قوتها لمنع تفشيه، إلى أن زاد وانتشر بشكل مخيف في الدول العربية غير الغنية والمعتمدة على المعونات الدولية، وذلك من خلال تحويل الأرصدة المالية إلى الخارج عن طريق بناء مشاريع استثمارية استنادا إلى النهج الحر، واستغلال الكوارث الحربية لتخلق طبقة جديد من البشر يسمون أنفسهم بطبقة "المستثمرين". فقد أصدر البنك الدولي تقريراً يؤكد بأن الفساد من أهم التحديات التي يجب- بل يلزم- على الحكومات مواجهتها والتصدي لها بكل قوة وحزم، وحدد البنك الدولي أن الفساد يقضى على نحو سبعة بالمائة من الاقتصاد العالمي سنويا. أذن ما هي السبل الجادة للقضاء على الفساد ثم مواجهته ومكافحته!؟ أنه سؤال مكرر وأزلي.. أليس كذلك؟ الإجابة عن هذا السؤال من وجهة نظرنا يجب وضع الركيزة الأساسية لتقييم وتفكيك ما هو شائع وموجود وإعادة تركيبه على أسس تضمن العدالة وتحقق مصلحة المجتمع الدولي والداخلي معا. ولا أظن أيضا أن عملية الرصد والمتابعة للظروف التي تستفحل فيها ظاهرة الفساد ستشكل خطوة ايجابية في احتواء هذه الظاهرة وستساعد على إيجاد فهم أعمق لأسبابها وإنما يتطلب منا التعاون الجاد والمخلص في القضاء عليها بشكل قاطع وجذري. يمكننا القول بأن ظاهرة الفساد ظاهرة مزدوجة، فهي خارجية وداخلية.. ومن وجهة نظرنا أقول منذ نهاية الحرب العالمية الأولى وضع لنا الاستعمار الأجنبي المحتل- آنذاك- حدود.. نعم حدود لدولنا ومواطئ أقدامنا بشكل حال بيننا وبين قيام الدولة الحديثة ومؤسساتها، وساهم بشكل قطعي في تحقيق اختلالات في التشكيل الديموجرافى وتوزيع الثروة.. فهناك دول غنية غناء فاحش ولا مساس عليها، ودول فقيرة تعجز عن إشباع شعوبها.. مما أدى إلى إفراز طبقة من الموظفين الموالين للمال الذين لا همّ لهم سوى إرضاء طموحاتهم الذاتية، ونهب ثروات بلادهم– أعاقوا عمليات التنمية فيها ومكنوا أصحاب التطلعات غير المشروعة من التلاعب باقتصاد الدولة، وإخضاع مؤسساتها لإرادة القلة الفاسدة ثم اتخد الفساد طابعا منهجيا ومؤسسيا في قطاعات عديدة، حيث أصبح القاعدة لا الاستثناء، ونظام روتيني فاسد إلى درجة جاهر فيه الفاسدون والمفسدون بإضفاء الشرعية الوهمية على ممارساتهم، واعتقادهم أن تلك الممارسات هي حقوق مكتسبة، ثم محاولة تبريرها والدفاع عنها بشراسة وعصبية إلى حد الموت. بالإضافة إلى غياب المساءلة واختفاء آليات المحاسبة.. وأصبحت التشريعات الرقابية على رف المكاتب وحبر على ورق .. يتوحش الفساد ويقتنص الفاشلون والعجزة المكافآت والمزايا والمناصب، ويتوارى من يستحقون خلف أعمالهم وضمائرهم التي لا تشفع لهم! إذن كلنا مسئولون عن هذا التسيب والاستهتار- ولن يستثنى أحدا- من مسئول لا يراعى ضميره، ويخل بواجباته الوظيفية، والمواطن بسلبيته المطلقة، ومجلس النواب الذي يمارس دوره أحيانا ويتخلى عنه أحيانا أخرى. ومن ثم أرى أن مواجهة الفساد على الصعيد الوطني تعتمد في المقام الأول على مبدأي الشفافية والمساءلة (المصداقية والأمانة والعدالة والمحاسبة والمتابعة والقصاص).. فالشفافية تعتبر أمرا حيويا بالنسبة للعمليات الحكومية فيما يتعلق بعملية الموازنة والإدارة العامة والسياسة الضريبية وعمليات تمويل الديون وتتطلب الشفافية تصنيف البيانات الخاصة بالعمليات الحكومية والملكية والالتزامات. كما أن مبدأ المساءلة يجب أن يكون قيدا على سلوك القائمين على شئون السلطة ويلزمهم باحترام حقوق ورغبات المواطنين أبناء بلدهم، وهو مبدأ أساسي من مبادئ الديمقراطية الصادقة في المساواة للحقوق والواجبات.... • بما أن الديمقراطية هي الخيار الوحيد على الصعيد الدولي لتكوين حركة عالمية تضم شبكات من مؤسسات المجتمع المدني المهتمة بالحريات وحقوق الإنسان ومناهضة الفساد وملاحقته واستعادة الأموال المنهوبة سواء كانت أموال أو عقارات وعلى أن يكون لهذه الحركة خطاب واحد مشترك للدفاع عن الإصلاح يحترم الخصوصيات الثقافية للشعوب العربية والمسلمة ولا تفرض مفاهيم الدول القوية على الشعوب الضعيفة! • كما يتطلب مكافحة الفساد تجاوب المعنيين من الفاعلين الدوليين مع الجهود الدولية المبذولة في هذا الشأن والتزامهم باتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة لتفعيل هذه المكافحة على جميع المستويات العالمية والإقليمية والمحلية في أطار مجموعة الاتفاقيات الدولية لمكافحة الفساد 2003 التي تعتبر تتويجا لما صدر عن الأممالمتحدة من العديد من القرارات لمواجهة هذه الظاهرة... • ثم تأتى دور التشريعات الوطنية وهى الأهم والتي يمكن تعديل القوانين المعمول بها في محاسبة مرتكبي جرائم الفساد المختلفة بحيث تكون العقوبة المادية والمعنوية والاجتماعية زاجرة ورادعة في ذات الوقت لحماية المجتمع من المخاطر الناجمة عن استفحال هذه الظاهرة، مع إمكانية إيجاد صيغة قانونية تنص صراحة على منح مكافأة مالية لمن يبلغ عن حدوث صفقة فاسدة أو أعمال محظورة في أي مؤسسة حكومية قبل وقوعها. • وكما أعتقد أننا بحاجة ماسة وحتمية وضرورية إلى المواجهة الأمنية والتشريعية والاجتماعية في مسارات متوازنة ومتكاملة من خلال خطة وطنية لمكافحة الفساد وتطهير أرض اليمن السعيد من الفاسدين والمفسدين وإعادة الأموال المهدورة من الاختلاسات غير المشروعة لانعاش الوضع اليمنى بدلا من التخبط وطلب معونات دولية وعربية لحل الأزمة الداخلية.. فالحل بأيدينا وليس في أيدي غيرنا، ويكفينا إذلال باسم الشعب، ويكفى ما حصل في مؤتمر الدول المانحة الذي انعقد في لندن من الوفد الكويتي.. أين عزة اليمنى وكرامته!؟ واليكم نموذج حي بما حدث في تايلاند؟ رئيس وزراء مملكة تايلاند السابق والمطلوب للتحقيق معه واسترجاع الأموال المنهوبة وملاحقته خارج دولته في قضايا الفساد أثناء توليه الحكم (معلومة هذا الفاسد اشترى نادى مانشيستر في بريطانيا).. وتعتبر مملكة تايلاند من دول العالم الثالث.. ما رأيكم !!!؟؟؟ التضامن الشعبي مطلب شعبي لمكافحة الفساد.. أيدينا بأيدي بعض يا خيرة الشباب.... .......................... * مستشارة قانونية/ مستقلة