ضربت موجة الصقيع الشديدة التي تجتاح عدد من المدن اليمنية منذ مطلع الأسبوع الجاري مزارع القات، على نحو غير مسبوق، وحولت معظم أشجارها إلى "عصف مأكول"، ملحقة بأصحابها ما وصفوه ب"كارثة" تقدر خسائرها بمليارات الريالات، في نفس الوقت الذي ارتفعت أسعار القات في عموم اليمن إلى أرقام خيالية. وأكد مسئول حكومي في وزارة الزراعة والثروة الحيوانية ل"نبأ نيوز": أن موجة البرد الشديدة التي تشهدها اليمن منذ حوالي الشهرين، والتي بلغت أوجها هذا الأسبوع فاقت قدرة نبات القات على تحملها، بما في ذلك المزارع التي عملت إجراءات وقائية باستخدام الأغطية "الطرابيل"، نظراً لتدني درجات الحرارة المئوية الصغرى في بعض المناطق من صنعاء وذمار والضالع وحجة والمحويت إلى أرقام تتراوح بين (2 – 5) درجة تحت الصفر. وأشار إلى أن القات ينمو في ظروف مناخية معتدلة، وأنه يحتمل الارتفاع النسبي بدرجات الحرارة، لكنه لا يحتمل أي انخفاض بدرجات الحرارة، لأن البرودة تتسبب بتجمد الخلايا العصارية، وتهشم الألياف، وبالتالي تكسر البراعم والقضاء على الغرسة نهائياً، وهو ما يعني أن الخسارة غير محصورة على موسم القطاف الحالي بل تمتد إلى النهاية. من جهتهم قدر كبار مزارعي القات في مديرية دمت بمحافظة الضالع ل"نبأ نيوز" الخسائر التي تسبب بها الصقيع في نطاق مديرية دمت فقط بما يتراوح (80 – 100) مليون ريال يمني، مرشحين المبلغ للزيادة بشكل مضاعف خلال اليومين القادمين، رغم تأكيدهم بأنهم قاموا باحتياطات مسبقة بتوفير الأغطية القماشية "الطرابيل" لمزارعهم. وأفاد متحدثون: أن تكلفة الأغطية لبعض المزارع تجاوز النصف مليون ريال للمزرعة الواحدة، أو كما يسمونها ب(حائط القات)، مشيرين إلى أن الصقيع يصيب القات بما أسموه ب"الضريب" الذي يقضي على القات الجاهز للقطاف تماماً، وأحياناً يقضي على الأشجار على النحو الذي يستدعي اجتثاثها. يشار إلى أن الغالبية من مزارعي القات بدمت يزرعون نوعية شهيرة من القات، علاوة على أن توسط مدينة دمت بين صنعاء وعدن جعلها من أكبر أسواق القات طوال ساعات الليل، حيث تتحرك منها عشرات السيارات المحملة بالقات إلى العديد من المحافظات المجاورة يومياً، وهو بالنسبة لأهالي "دمت"، و"مريس"، و"قعطبة" يعد مصدر الدخل التجاري الأول لهم، ويعولون عليه في تلبية احتياجاتهم المعيشية- خاصة مع تزامن الصقيع مع مناسبة عيد الأضحى. أما في أمانة العاصمة صنعاء فقد ارتفعت أسعار القات إلى أرقام جنونية منذ مطلع الأسبوع الجاري، ليصبح الحد الأدنى لأردأ أنواع القات الذي تستهلكه الطبقة المسحوقة ما لا يقل عن (500) ريال يمني- أي ما يعادل (2.5) دولار أمريكي- للتخزينة الواحدة، رغم أن هذا النوع لم يكن يتعدى ثمنه مطلع نوفمبر الماضي- قبل دخول البرد- (100) ريال يمني. وبحسب أسعار أسواق العاصمة فإن فئة محدودي الدخول الذين كانون يتعاطون قات بمتوسط قيمة (250-300) ريال، أصبح عليهم دفع (900-1000) ريال للتخزينة الواحدة، ولأصناف أقل جودة مما كانوا يتعاطونه قبل اقتراب موجة البرد، الأمر الذي دفع الغالبية العظمى من الموظفين إلى تقاسم التخزينة الواحدة بين شخصين أو ثلاثة، فيما قسم صغير منهم استغل موجة الغلاء للإقلاع عن القات- ولو حتى انتهاء الأزمة. أسعار القات التي بدأت بالارتفاع التدريجي منذ نوفمبر الماضي من المتوقع أن تحطم أرقاماً قياسية تفوق الخيال خلال أيام العيد التي تتزامن مع موجة الصقيع، والتي جرت العادة خلال الأعياد أن يتحول القات إلى عنوان كل اللقاءات والزيارات بين الناس، التي تتحول المدن اليمنية في ظلها إلى مدن أشباح، لا شيء يجوب شوارعها غير صفير الرياح.