الحوثيون يعرضون مشاهد لإسقاط طائرة أمريكية في أجواء محافظة مأرب (فيديو)    مليشيا الحوثي تنظم رحلات لطلاب المراكز الصيفية إلى مواقع عسكرية    بيان هام من وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات من صنعاء فماذا قالت فيه ؟    ميسي الأعلى أجرا في الدوري الأميركي الشمالي.. كم يبلغ راتبه في إنتر ميامي؟؟    تستضيفها باريس غداً بمشاركة 28 لاعباً ولاعبة من 15 دولة نجوم العالم يعلنون التحدي في أبوظبي إكستريم "4"    وفاة طفلين ووالدتهما بتهدم منزل شعبي في إحدى قرى محافظة ذمار    رئيس الاتحاد العام للكونغ فو يؤكد ... واجب الشركات والمؤسسات الوطنية ضروري لدعم الشباب والرياضة    بعد أيام فقط من غرق أربع فتيات .. وفاة طفل غرقا بأحد الآبار اليدوية في مفرق حبيش بمحافظة إب    أمطار رعدية على عدد من المحافظات اليمنية.. وتحذيرات من الصواعق    قيادي حوثي يسطو على منزل مواطن بقوة السلاح.. ومواطنون يتصدون لحملة سطو مماثلة    وباء يجتاح اليمن وإصابة 40 ألف شخص ووفاة المئات.. الأمم المتحدة تدق ناقوس الخطر    تهريب 73 مليون ريال سعودي عبر طيران اليمنية إلى مدينة جدة السعودية    تدشيين بازار تسويقي لمنتجات معيلات الأسر ضمن برنامج "استلحاق تعليم الفتاة"0    شاب يمني يساعد على دعم عملية السلام في السودان    الليغا ... برشلونة يقترب من حسم الوصافة    أعظم صيغ الصلاة على النبي يوم الجمعة وليلتها.. كررها 500 مرة تكن من السعداء    "عبدالملك الحوثي هبة آلهية لليمن"..."الحوثيون يثيرون غضب الطلاب في جامعة إب"    خلية حوثية إرهابية في قفص الاتهام في عدن.    الخليج يُقارع الاتحاد ويخطف نقطة ثمينة في الدوري السعودي!    "هل تصبح مصر وجهة صعبة المنال لليمنيين؟ ارتفاع أسعار موافقات الدخول"    اختتام التدريب المشترك على مستوى المحافظة لأعضاء اللجان المجتمعية بالعاصمة عدن    مبابي عرض تمثاله الشمعي في باريس    مأرب تحدد مهلة 72 ساعة لإغلاق محطات الغاز غير القانونية    اللجنة العليا للاختبارات بوزارة التربية تناقش إجراءات الاعداد والتهيئة لاختبارات شهادة الثانوية العامة    لحج.. محكمة الحوطة الابتدائية تبدأ جلسات محاكمة المتهمين بقتل الشيخ محسن الرشيدي ورفاقه    قيادي حوثي يسطو على منزل مواطن في محافظة إب    العليمي يؤكد موقف اليمن بشأن القضية الفلسطينية ويحذر من الخطر الإيراني على المنطقة مميز    يوفنتوس يتوج بكأس إيطاليا لكرة القدم للمرة ال15 في تاريخه    النقد الدولي: الذكاء الاصطناعي يضرب سوق العمل وسيؤثر على 60 % من الوظائف    تحذيرات أُممية من مخاطر الأعاصير في خليج عدن والبحر العربي خلال الأيام القادمة مميز    رئيس مجلس القيادة يدعو القادة العرب الى التصدي لمشروع استهداف الدولة الوطنية    اليونسكو تطلق دعوة لجمع البيانات بشأن الممتلكات الثقافية اليمنية المنهوبة والمهربة الى الخارج مميز    وعود الهلآّس بن مبارك ستلحق بصيف بن دغر البارد إن لم يقرنها بالعمل الجاد    600 ألف دولار تسرق يوميا من وقود كهرباء عدن تساوي = 220 مليون سنويا(وثائق)    تغاريد حرة.. عن الانتظار الذي يستنزف الروح    انطلاق أسبوع النزال لبطولة "أبوظبي إكستريم" (ADXC 4) في باريس    المملكة المتحدة تعلن عن تعزيز تمويل المساعدات الغذائية لليمن    وفاة طفل غرقا في إب بعد يومين من وفاة أربع فتيات بحادثة مماثلة    سرّ السعادة الأبدية: مفتاح الجنة بانتظارك في 30 ثانية فقط!    نهاية مأساوية لطبيبة سعودية بعد مناوبة في عملها لمدة 24 ساعة (الاسم والصور)    ظلام دامس يلف عدن: مشروع الكهرباء التجارية يلفظ أنفاسه الأخيرة تحت وطأة الأزمة!    600 ألف فلسطيني نزحوا من رفح منذ تكثيف الهجوم الإسرائيلي    شاهد: مفاجأة من العصر الذهبي! رئيس يمني سابق كان ممثلا في المسرح وبدور إمراة    وصول دفعة الأمل العاشرة من مرضى سرطان الغدة الدرقية الى مصر للعلاج    ياراعيات الغنم ..في زمن الانتر نت و بالخير!.    استقرار اسعار الذهب مع ترقب بيانات التضخم الأميركية    صحة غزة: ارتفاع حصيلة الشهداء إلى 35 ألفا و233 منذ 7 أكتوبر    تسجيل مئات الحالات يومياً بالكوليرا وتوقعات أممية بإصابة ربع مليون يمني    لماذا منعت مسرحيات الكاتب المصري الشرقاوي "الحسين ثائرآ"    هل الشاعرُ شاعرٌ دائما؟ وهل غيرُ الشاعرِ شاعر أحيانا؟    قصص مدهشة وخواطر عجيبة تسر الخاطر وتسعد الناظر    وداعاً للمعاصي! خطوات سهلة وبسيطة تُقربك من الله.    افتتاح مسجد السيدة زينب يعيد للقاهرة مكانتها التاريخية    الامم المتحدة: 30 ألف حالة كوليرا في اليمن وتوقعات ان تصل الى ربع مليون بحلول سبتمبر مميز    في افتتاح مسجد السيدة زينب.. السيسي: أهل بيت الرسول وجدوا الأمن والأمان بمصر(صور)    احذر.. هذه التغيرات في قدميك تدل على مشاكل بالكبد    دموع "صنعاء القديمة"    هناك في العرب هشام بن عمرو !    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وطُويتْ مظلّة ُالقبيلةِ في اليمن.. بقلم: مايكل جريفين
نشر في نبأ نيوز يوم 11 - 02 - 2008


* معهد العلاقات الدولية - سان فرانسيسكو
الولايات المتحدة الأمريكية
مع غروب شمس آخر يوم من أيام عام 2007 يكون قد أسدل الستار على حقبة كاملة من تاريخ اليمن المعاصر . ففي هذا اليوم ، الحادي والثلاثين من ديسمبر 2007 ، ووري الثرى جثمان رئيس مجلس النواب اليمني، رئيس الهيئة التنفيذية للتجمع اليمني للإصلاح ، شيخ قبيلة حاشد الشيخ عبد الله حسين الأحمر. وبوفاته انتهت مرحلة تاريخية تميزت بسيطرة القبيلة على مقاليد الحكم في اليمن.
وتعدّ دراسة حياة الشيخ الأحمروتحليل الدور الذي كان مناطا به في منظومة الحكم في اليمن على قدر كبير من الأهمية لمعرفة مكانة الرجل الحقيقية ووزنه الكبيرفي نظام القبيلة ومن ثم ّ أثرغيابه على النظام القبلي والحياة السياسية مستقبلا في اليمن.
لقد ظلت القبيلة على الدوام تناوئ حكم الدولة منذ قيام الدولة اليمنية المستقلة عام 1918 على يد الإمام يحي حميد الدين . وكان مشائخ القبائل طوال القرن العشرين يعيشون حالة كرّ وفرّ مع الحكومة المركزية ساعين إلى انتزاع اعتراف سلطة المركز بسلطاتهم في مناطقهم بل وأكثر من ذلك إلى لعب دور في شئون الحكومة المركزية نفسها . يقول الشيخ عبد الله الأحمرفي مذكراته على سبيل المثال إن المناطق التي كانت تخضع لسيطرة أسرته إبّان حكم الإمام يحي كانت تدفع الزكاة إلى أسرته وليس إلى الدولة ( مذكرات الشيخ عبد الله الأحمر،الآفاق للطباعة والنشر، صنعاء، 2007، ص 36) ، كما يقول أيضا إن المبرر الذي استندت عليه الدولة لضرب أسرته هو أن أهل هذه المناطق هم رعية الإمام فلماذا تظل السيطرة فيها لآل الأحمر ( المصدر السابق ،ص 38 ).
وفي الوقت الذي كانت حركة الأحرار المعارضة لحكم الأئمة لها برنامج بناء وطني ورؤية فكرية ودور تنويري ، فإن حركة المشائخ لم يكن لها شيء من ذلك البتة. يذكر الشيخ سنان أبولحوم في مقابلة مع فناة " الجزيرة " الفضائية أنه حين يمّم وجهه إلى عدن هربا من نظام الإمام والتقى بقادة الأحرار مثل محمد الزبيري وأحمد نعمان قال لهم: " أنا لا خطيب ولا أنا كاتب ، أنا عسكري " ، وأن ما يجيده هو أعمال التفجير( برنامج زيارة خاصة ، تاريخ الحلقة 1 / 7 / 2006 ).

وقد تفاوتت حظوظ القبيلة في السيطرة على مقاليد الحكم صعودا وهبوطا منذ قيام ثورة سبتمبر 1962 وحتى اليوم . فخلال حكم المشيرعبد الله السلال أول رئيس للجمهورية (1962 – 67 ) ورغم اعتماد النظام على دعم مشائخ القبائل لمؤازرة الجيش والقوات المصرية لمواجهة القوات الملكية ، إلا أن المشائخ ظلوا بعيدين عن الإمساك بزمام الحكم الذي كان في حوزة المثقفين من الجمهوريين العسكريين والمدنيين. ثم جاء نظام حركة نوفمبر 1967 فأتاح مجالا كبيرا لتقدم زعماء القبائل للسيطرة على الحكم . ولكن تلك المرحلة انتهت بحركة انقلابية عسكرية قادها المقدم الشاب إبراهيم الحمدي في الثالث عشر من يونيو 1974. وبهذا الإنقلاب عاد القرار السياسي مرة أخرى إلى يد المثقفين العسكريين والمدنيين الذين يرى الشيخ الأحمرأن لديهم نظرة مغلوطة وسيئة نحو القبيلة حيث يعتبرونها تقف ضد التقدم وضد النظام والقانون والتطور( أنظرمذكرات الشيخ الأحمر، ص 312 ) . ولهذا سرعان مادخلت الحركة في مواجهة مع مشائخ القبائل ألزمتهم الجلوس في مناطقهم.
ويمكن القول إن فترة حكم الرئيس الحالي علي عبد الله صالح الذي وصل إلى السلطة عام 1978 تمثّل العصر الذهبي لسيطرة القبيلة على مقاليد الحكم في اليمن. وعلى الرغم من المكانة البارزة التي احتلها الشيخ الأحمر منذ ظهور النظام الجمهوري ، إلا أن دوره قد تعاظم ومكانته ترسخت كثيرا في عهد الرئيس صالح ، وله وحده دون سواه من المشائخ انعقد لواء القيادة للقبيلة في اليمن.
ومن الواضح أن تلك المكانة الكبيرة التي كان يحتلها الشيخ الأحمر قد خلقت انطباعا مشوّشا بل وخاطئا لدى بعض اليمنيين عن الدور الحقيقي الذي كان يلعبه الشيخ الأحمرضمن منظومة الحكم في اليمن . فقد اعتبر بعض السياسيين والمثقفين اليمنيين أن الشيخ الأحمر كان يلعب دور التوازن بين سلطة الدولة وسلطة القبيلة . وهذا التوصيف لدور الشيخ يفتقد إلى الرؤية النظرية السليمة كما ينطوي على خطأ سياسي فادح ولا يساعد على استشراف المرحلة التالية في تاريخ اليمن . ذلك أنه لايمكن أن تكون ثمة سلطتان في المجتمع إحداهما للدولة وأخرى للقبيلة وثمة دورٌ وازن ٌ بين السلطتين . فشئون المجتمع السياسية والإقتصادية والتجارية والإجتماعية إما أن تدار وتحكم وفقا لقانون الدولة ، وإما أن يحتكم الناس إلى أعراف القبيلة . وعلى خلاف بعض كتاب السياسة في اليمن الذين نشأ لديهم هذا الإنطباع الخاطيء ، نجد الشيخ الأحمرنفسه يقرّ بوجود هذه العلاقة التناقضية بين قانون الدولة وعرف القبيلة إذ يقول في مذكراته إن " العرف يقوى إذا غاب القانون ، ويضعف إذا قوي القانون " ( مذكرات الشيخ الأحمر ، ص 318 ) .
وما تؤكده مشاهدة وقائع الحياة اليومية في اليمن هو أن الناس يحتكمون في معظم شئون حياتهم إلى العرف القبلي أكثر من لجوئهم إلى قانون الدولة الذي عمدت القوى الحاكمة إلى تهميش دوره وإضعاف حضوره بل وتغييبه كي لايجد المواطنون سوى عرف القبيلة للجوء والإحتكام إليه. وغالبا مايفرض كحلول للمشكلات تقديم قرابين من الخراف والثيران وغير ذلك مما تستلزمه العادات والأعراف القبلية .
والشيخ عبدالله الأحمر كان المظلة التي استظلت بها القبيلة في اليمن ونشرت تحت ظلالها أحكامها وبسطت أعرافها على سائر المناطق اليمنية . وفي الحالات التي كان يصطدم فيها قانون القبيلة مع قانون الدولة كان الشيخ الأحمر يلعب دور الناصر والمغلّب لقانون القبيلة على قانون الدولة . ولكي نجلي هذا الدور نورد المثال التالي :
اختصم رجلان في منطقة ريفية في محافظة تعز أو إب أو الحديدة ، وكان الجاني في الخلاف مقربا من الشيخ المحلي في القرية فلم يجد المجني عليه إنصافا من الشيخ فعزم إلى مؤسسة الدولة في مركز المحافظة وعرض قضيته على المحافظ فوجّه مديرالأمن العام بإنفاذ " طقم " من العساكر لإحضار الجاني من القرية . ولكن الشيخ امتنع عن تسليمه ، فبلغ الأمر المحافظ فتشدد وأراد إبراز هيبة الدولة وتنفيذ القانون وتحقيق العدالة ، فأمر بإرسال أربعة " أطقم " من الجنود لإحضار الجاني .
وحين وصل هذا العدد من الجند إلى دار الشيخ أسقط في يده ، وشعر أنه أصغر وأضعف من أن يقف في وجه الدولة ، وخشي التصعيد من جانب سلطة الدولة في مركز المحافظة بما يؤدي إلى كسر هيبته وإضعاف نفوذه بين " رعيته " وخروجهم مستقبلا عن سلطته . فما كان من هذا الشيخ المحلي الضعيف ، غير القادر على مواجهة سلطة الدولة ، سوى أن أخذ جهاز هاتفه واتصل بالشيخ الأحمر طالبا نصرته حفاظا على هيبة ونفوذ الشيخ الركن الأساس في نظام القبيلة . ولم يتردد الشيخ الأحمر في الإتصال بالمحافظ طالبا منه أن يسحب جنده ويترك أمر النزاع للشيخ المعني كي يبت فيه بنظره.
إن هذا المثال البسيط يظهر أنه حين اصطدم سلطان الدولة ومؤسساتها مع نفوذ شيخ يمثل سلطة القبيلة لعب الشيخ الأحمر دوره الخطير فنشر مظلته واستخدم نفوذه وقوة مركزه لتغليب سلطة القبيلة على سلطة الدولة.
وتظهر مذكرات الشيخ الأحمر التي نشرها قبيل وفاته أنه لم يُخِفْه شيء ٌ كما أخافته فكرة الوحدة مع النظام في شطر اليمن الجنوبي . وأشدّ مايأخذه الشيخ الأحمر على النظام الجنوبي هو أن ذلك النظام قضى على المشائخ والسلاطين في جنوب اليمن . ولذلك فإن أكثر ماكان يقلق الشيخ الأحمر ويقضّ مضحعه هو أن تحمل الوحدة بين شطري اليمن في مضمونها مشروع القضاء على القوى التقليدية ونفوذ المشائخ في شمال اليمن.
ولم يكن تخوّ ف الشيخ الأحمر في غير محله ، فاتفاقية الوحدة اليمنية كانت تهدف إلى إنشاء دولة موحَّدة تقوم على بسط سلطة القانون ونشر راية الديمقراطية وهو مايتناقض من حيث المبدأ مع نظام القبيلة وسلطة ونفوذ وهيمنة المشائخ .
ولهذا فقد وافق الشيخ الأحمرهو وحلفاؤه من القوى الإسلامية على مساعدة الرئيس صالح على التملص من الوفاء بوعوده للشريك الجنوبي في الوحدة تمهيدا للإنقضاض على ذلك الشريك والإجهاز عليه ، رغم أن الشيخ وحلفاءه من الإسلاميين يعلمون أن الدين الإسلامي يأمر بالوفاء بالعهود.
يقول الشيخ الأحمر : " طلب الرئيس منا ، بالذات مجموعة الإتجاه الإسلامي وأنا معهم ، أن نكوّ ن حزبا في الوقت الذي كنا لانزال في الموتمر( الشعبي العام ) . قال لنا : كوّنوا حزبا يكون رديفا للمؤتمر ونحن وإياكم لن نفترق وسنكون كتلة واحدة ، ولن نختلف وسندعمكم مثلما المؤتمر، إضافة إلى أنه قال : إن الإتفاقية تمت بيني وبين الحزب الإشتراكي ... وبيننا اتفاقيات لا أستطيع أتململ منها ، وفي وظل وجودكم كتنظيم قوي سوف ننسق معكم بحيث تتبنون مواقف معارضة ضد بعض النقاط أو الأمور التي اتفقنا عليها مع الحزب الإشتراكي وهي غير صائبة ونعرقل تنفيذها ، وعلى هذا الأساس أنشأنا التجمع اليمني للإصلاح ".
( مذكرات الشيخ الأحمر ، ص 248 – 249 ).
ويسجل تاريخ الوحدة اليمنية أن القوى التقليدية في شمال اليمن من زعماء قبائل وأرباب نفوذ في المؤسستين العسكرية والمدنية وقوى إسلامية ، قد لعبت هذا الدور على نحو تام وأعانوا الرئيس صالح بجد وإخلاص على الحنث بعهوده لشركائه الجنوبيين وعرقلة تنفيذ الإتفاقيات الموقعة بين الشطرين مما أدى إلى خلق أزمة حكم في اليمن انتهت بالحرب الأهلية بين الطرفين صيف 1994 . ويؤكد الشيخ الأحمر في مذكراته أنه كان للمشائخ وشباب القوى الإسلامية دوربارزفي حسم المعركة لصالح نظام الرئيس صالح (مذكرات الشيخ الأحمر، ص 281 – 282 ).
ولكن من سوء حظ القوى التقليدية أن اليوم الذي سقطت فيه مدينة عدن عاصمة اليمن الجنوبي سابقا أثناء حرب 1994 ، كان هو اليوم الذي سجل فيه التاريخ انتهاء دورها على المسرح.
بتحدث الشيخ الأحمر في مذكراته عن الواقع الجديد الذي تشكل عقب حرب 1994 فيقول:
" بعد انتخابات 1993 التي لم يحصل فيها المؤتمر( الشعبي العام ) على الأغلبية كانوا بحاجة إلى الإصلاح لاستمرار الإئتلاف كما أنه أثناء الأزمة والحرب كانوا محتاجين لأن نكون شركاء معهم ، فلما انتهت الحرب لم يعودوا بحاجة لأن يكون الإصلاح شريكا معهم يقويهم أو يعينهم ، بل أصبحوا يعتبرون الإصلاح عبئا عليهم يودون التخلص منه " (مذكرات الشيخ الأحمر، ص 300 ).

لقد انصرمت ثلاثة عشرعاما منذ انتهاء حرب 1994 وحتى وفاة الشيخ الأحمر عام 1997 ، ورغم أن الأخير وافته المنية على فراش مرضه إلا أن ثمة ضربات مؤلمة وجهت للشيخ خلال هذه الفترة لاشك أنها ضاعفت من آثار المرض وعجلت بدنوّ أجله . ويأتي في مقدمة تلك الضربات قرار إلغاء المعاهد العلمية التي كانت تمثل موردا ماليا هائلا لحزبه ومعينا استراتيجيا لاستقطاب وتدريب الشباب في إطار إسلامي متشدد. كما لحق بنظامه القبلي خسائرجدية طالت ركائز أساسية من أرباب النفوذ القبلي والعسكري.
فقد خلت الساحة من شخصيات تقليدية نافذة من أمثال محمد عبدالله صالح ومحمد إسماعيل وأحمد فرج ومجاهد أبو شوارب وغيرهم . كما تضاءل دورعبدالمجيد الزنداني وعلي محسن الأحمر وعبدالإله القاضي و آخرين . وتعرض الشيخ الأحمر نفسه لهجمات سواء على مستوى أنجاله أو حتى مركزه في مؤسسته البرلمانية ناهيك عن الهجوم الذي طاله من جانب إعلام النظام . كما تعرض الشيخ الأحمرلحادث مروري لدى زيارته الرسمية لدولة السنغال لم يبرأ من آثاره حتى وفاته.
ولايمكن للمراقب ألا يرى رابطا خفيا يربط بين كل هذه الأحداث التي هدفت إلى ضرب هيبة الشيخ الأحمروزعزعة مكانته الإجتماعية التقليدية وإضعاف قاعدة نفوذه والنيل من دوره التاريخي كمظلة للمؤسسة القبلية في اليمن.
لقد عطّل النظام القبلي تطور اليمن ، فالبلد لاتحتكم إلى القانون وإنما إلى القوة والنفوذ والوجاهة . فتراجع دورالدولة ، وفقد الأمن، واضطربت الأوضاع ، وانزوى القضاء ،وغابت العدالة . وكانت النتيجة الطبيعية أن أصبحت البيئة طاردة للإستثمارات ورؤوس الأموال الأجنبية فلم يتوسع الإقتصاد ولم تتحرك عجلة التنمية بما يتناسب مع نمو السكان . وكان من عواقب ذلك أن اتسعت مساحة الفقر وتردّت الخدمات العامة وضاقت فرص الظفر بحياة كريمة وفقد الشباب الأمل في المستقبل . هذا في الوقت الذي ينظر فيه أبناء اليمن بقلوب يملؤهاالقهر والأسى إلى اتساع الهوة وتعاظم الفروق الهائلة في مستوى المعيشة والرفاه بينهم وبين جيرانهم من أقطارالخليج بل والدول العربية عموما حيث باتت اليمن تحتل المراكز الأخيرة في مؤشرات التنمية العربية.
وقد أدت النتائج الإقتصادية والإجتماعية للحكم القبلي لأن تصبح اليمن ملاذا لعناصرالإرهاب وبيئة خصبة لتهريب الأسلحة والمخدرات بل والبشر إلى الدول المجاورة ، إذ لايمر شهر دون أن تعلن الأجهزة الأمنية في السعودية مثلا عن إحباط محاولات تهريب آلاف القطع من الأسلحة ووسائل التخريب وحتى الصواريخ . ولاشك أن المملكة السعودية ودول الخليج عامة بحكم مركزها المرموق في سوق الطاقة تعتبر نقطة مصالح دولية هامة جدا، وأمنها ينظرإليه جزءا من الأمن العالمي . وإذا مانظرنا إلى المسألة بهذه الرؤية الواسعة لوجدنا أن النظام القبلي لا تقتصرآثاره السلبية الضارة على أهل اليمن وإنما تمتد إلى الأمن والمصالح الإقليمية والدولية.
ومن هنا فإن تحليل الدور السياسي الهام الذي كان يلعبه الشيخ الأحمرحصنا ودرعا ومظلة
للنظام القبلي والنتائج التي أوصل إليها ذلك النظام ، يقود إلى إستنتاج مهم فحواه أن القوى ذات المصلحة في أفول النظام القبلي والتي عملت بشتى الوسائل على طيّ مظلة القبيلة لايمكن أن تسمح لشخص آخربعد الشيخ الأحمرأن يقوم بنفس الدور. فلا يمنيّن ّ أحد ٌ نفسه أن يكون نسخة منقحة من الشيخ الأحمر، أو يتطلع لأن يلعب دوره ، فالضربات التي انهالت على الرجل إنما كانت تستهدف المكانة والهيبة والنفوذ والدورالذي كان يلعبه أكثرمما كانت تستهدف شخصه.
ونجد تكريس الاهتمام الإقليمي والدولي في بناء دولة تقوم على القانون وتطبق العدالة وتوفر الأمن وتخلق فرصا حقيقية للإستثمار وتطلق عجلة التنمية ، في البرامج الموضوعة على جدول أعمال الحكومة اليمنية بدفع وتشجيع من جانب الدول المانحة وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية ، ويأتي على رأس تلك البرامج نظام الحكم المحلي وتنفيذ إصلاحات سياسية وقضائية وإدارية.
ومن نافل القول إنه كلما سارت اليمن خطوات على صعيد تنفيذ تلك البرامج وانتشر التعليم واتسعت مساحة الوعي وانخرطت أعداد واسعة من السكان في الأنشطة السياسية والإجتماعية ، كلما تضاءل دور النظام القبلي وتراجع نفوذ المشائخ وأصبح المواطنون وفي مقدمتهم أبناء القبائل اليمنية يمتلكون مصائرهم بأيديهم.
يناير 2008


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.