ها نحن اليوم بتنا على مشارف عام غزة الثالث من الحصار، حصار من تصميم العقل الصهيوني وبأدوات آن للعقل العربي أن يدركها بعيدا عن العاطفة والغرق في وهم شعاراتها الزائفة حصار، ينتج نفسه بأشكال متعددة ويرخي تداعياته على نمط العلاقات الاجتماعية في غزة فيخلف خرائب في الروح وفوضى في المعايير. هذا هو بالضبط ما أراده العقل الصهيوني لنا وهذا هو بالضبط ما أعاله عليه تلك القوى الإقليمية التي تريد دوما أن تقاوم وان تركب موجة المقاومة بأشلاء أطفالنا في غزة وفي كل شبر من فلسطين التي باتت تنزف من شراييننا ألما لا حدود له.. تلك هي الجريمة الكبرى التي حاكها لنا العقل الصهيوني ومارسها بكل وسائل الضغينة والحقد وبأبشع صور السقوط في وحل الدسائس تلك الأدوات الصغيرة التي هي امتداد لأدوات اكبر وأوسع تجذرت في عمقنا العربي والإسلامي ونخرت في جسدنا مثل الأرضة، فلم يعد المواطن العربي قادر على فرز الحقائق والتفريق بين ما هو وطني وما هو غير ذلك.. وحقيقة فالمواطن العربي معذور لان تلك الأدوات التي انتهكت كل ما هو مقدس في حياتنا سخرت لها كل الإمكانات وعديد الفضائيات ووسائل التضليل وقلب الحقائق للنيل من عقولنا وإسقاطنا في دوائر الوهم المغلقة.. ولكن رغم ذلك فان ما حدث ويحدث في غزة اليوم من انتهاك لكرامة الإنسان الفلسطيني على يد فئة تسللت إلى نسيجنا الاجتماعي بعناوين متعددة فانتهكت كل مقدساتنا واستباحت دمنا وشوهت كل ما هو جميل في تاريخ هذا الشعب حتى قدسية الشهادة، يفرض علينا وعلى كل مواطن عربي أن يتوقف برهة يحكم فيها عقله إزاء هذه الجريمة الكبرى التي يرتكبها الكثير من المتنطعين على جدران قضيتنا المقدسة القضية الفلسطينية. إن ما يحدث في غزة من إذلال وتجويع وقتل وانتهاك للحرمات ويدعيه البعض بأنه مقاومة هو جريمة كبرى لا تغفر.. فالمقاومة لمن أراد الحرية لا يمكن أن تكون هدفا بل وسيلة من وسائل عديدة للوصول إلى الحرية.. إلى الهدف.. المقاومة لا يمكن أن تكون بتجويع الشعب وإذلاله ولا بالقرصنة على مقدراته إمعانا في التسلط والقهر.. إن ما يمارس على شعبنا في غزة بسطوة السلاح هو نوع من أنواع السادية والامتهان للذات وسقوطا ذريعا في أوحال أولئك الذين يراهنون على دمنا للوصول إلى أغراضهم في هذه المنطقة.. إن هزيمة النفس وانكسارها أصعب ألف مرة من الهزيمة في ساحة المعركة وهذا هو ما يمارس على شعبنا في غزة الصامدة فالمتأمل قيما يجري اليوم في غزة يدرك بان هذه الأدوات التي انسلت في لحمنا وعظامنا استطاعت أن تحول القضية وأهلها من حالة الوعي النضالي والسياسي المقاوم إلى حالة اللاوعي واختصرت القضية بكل وهجها الذي سطع على يد الثورة الفلسطينية في كل أرجاء العالم إلى قضية معبر.. ورغيف خبز.. وكهرباء.. وحبة دواء.. فأين هي المقاومة؟؟.. إن المتفرس في وجوه أهلنا في غزة يدرك عظم تلك الجريمة.. يدرك كيف أن القناديل التي كانت مضاءة في أرواحهم.. باتت مطفأة.. وان مواعيدهم بدل أن تكون مع فجر قادم جعلوها مسكونة بمفاجآت سوداء وباتت هياكل الحياة اليومية في غزة سمتها الخراب وان المستقبل الذي هو حلم الحياة بات في غزة مشكوك فيه فهل هذه هي المقاومة!!؟؟ كل هذا يفرض علينا جميعا العمل من اجل إزهاق الباطل وإعادة اللحمة إلى شعبنا لحمة الوطن والشعب، اللحمة الجغرافية واللحمة النفسية والمجتمعية لان هذا الانقسام الأسود لم يطل فقط الجغرافيا بل طال كل شيء وكل المعاني وتفاصيل الحياة الفلسطينية، والأمانة تقتضي منا أن نضع النقاط على الحروف بكل الصراحة والأمانة من اجل رفع الحصار الظالم عن شعبنا الذي بات نهبا له.