في منطقة "البعرارة" بمديرية المظفر من مدينة تعز، كان موعد "نبأ نيوز" مع مدينة الوفاء السكنية.. فهي ليست مدينة عادية، بل كل سكانها من (المهمشين).. هذه الفئة التي تعد أشد الفئات الاجتماعية فقرا.. والتي شاء لها الله أن تفوز بتمويل البنك الدولي، الذي بنى لأبنائها هذه المدينة التي تضم 240 وحدة سكنية يقطنها حوالي 1500 شخص. لم نكن وحدنا في زيارة المدينة، بل كان هناك زملاء المهنة، إذ قصدناها في ختام الدورة تدريبية الخاصة بأساليب التغطية للقضايا الاجتماعية والتي تنظمها منظمة chf عبر مشروع (مكار)- فكنا أن خرجنا بتقرير حمل انطباعاتنا، وفي مقدمتها الحاجة لإبلاء الجانب الصحي اهتماما اكبر، فالوحدة الصحية الوحيدة في المدينة تفتقر حتى اليوم إلى طبيب متخصص، قسم مختبر، فني مختبرات، صيدلية، غرفة توليد مجهزة. فالأمراض مثل الملاريا– التيفوئيد– الاسهالات ما تزال جاثمة على المدينة التي تعد حيا من إحياء مدينة تعز. مصدر في الوحدة الصحية أفاد أن الموازنة التشغيلية للوحدة لا تتجاوز خمسة آلاف ريال في حين تقدم خدماتها المتوفرة كالإسعافات الأولية والصحة الإنجابية لسكان المدينة وقرى مجاورة مثل (السلامي والصوفي والبعرارة) ,مطالبا السلطة المحلية بالمحافظة دعم الوحدة الصحية بسيارة إسعاف خاصة .ونوه أن ضعف الخدمات الصحية في المدينة يضطرهم للذهاب إلى المراكز الصحية المجاورة في المدينة. مدينة الوفاء السكنية وان بدت جميلة في شكل الوحدات السكنية المبنية المحاطة بالأشجار الوارفة والشوارع المسفلتة إلا أن عقال الحارات الذين التقيناهم أشاروا إلى ان وجود المهمشين في تجمع سكاني واحد يتناقض مع الدعوة الى دمج هذه الفئة مع بقية أفراد المجتمع بل ويزيد من عزلتهم ويجعلهم كما لو كانوا كائنات غير مرغوب فيها. يقول قاسم غالب دبوان- 50 عاما – عاقل حارة مدينة الوفاء انه كان يفترض بناء وحدات سكنية مندمجة مع منازل بقية أفراد المجتمع وليس حشر المهمشين في مدينة واحد مشيرا إلى أن ذلك يكرس عزل هذه الفئة عن بقية أفراد المجتمع. وطالب دبوان السلطة المحلية بتوفير مدرسة لتعليم الكبار، مشددا على ضرورة وجود مدارس لأبناء المهمشين الذين يجد الكثير منهم خارج التعليم بعد الصف السادس الابتدائي، مرجعا السبب إلى الفقر وعدم وجود مدارس خاصة بالمدينة التي يتوفر فيها أيضا مسجد تقام فيه المحاضرات الدينية، وعدد عاقل حارة مدينة الوفاء جملة من المشاكل التي يعاني منها أبناء هذه الفئة منها عدم وجود مجاري حقيقية للمدينة علاوة على انقطاع التيار الكهربي وضعف المياه التي تزورهم على رأس كل شهرين. الزواج في مدينة الوفاء ليس معقدا كما هو الحال عند غيرهم من أبناء المجتمع إذ بإمكان الشاب هنا الزواج بما تيسر حيث يراعي كل مهمش ظروف أخاه المهمش الأخر ولا يزيد مهر الفتاة في المدينة عن 200 ألف ريال كما أن الشكل التقليدي للزواج غير معروف هنا فالمهمشون وحدهم نجحوا في كسر قاعدة أن (الحب ليس دائما يفضي إلى زواج ) , فكل حالات الحب التي عاشها شباب المدينة أفضت إلى زواج , هكذا يؤكد عاقلهم مضيفا: عندنا لا يتزوج الشاب إلا بعد تعارف وحب مش مثل عندكم لا يشوف عروسه إلا يوم الزواج. عدد ممن التقينا بهم عبر عن رغبته في العودة الى سكن الصفيح مرجعا السبب الى عدم تعودهم على نظام حياة اجتماعية يفرض فاتورة الماء والكهرباء والمجاري لكونها ثقيلة عليهم بتكاليفها الباهظة، وآخرون عبروا عن استيائهم من عدم وصول الضمان الاجتماعي إليهم حتى اليوم ، مؤكدين أن الحل الأمثل لاندماجهم في المجتمع يكمن في تحسين مستواهم المعيشي وسن قوانين ملزمة لتعليم أبنائهم وكذا إسكانهم في مساكن مجاورة لبقية أفراد المجتمع وليس حشرهم في مدينة واحدة كما هو الحال في هذه المدينة. وفي حين أشار بعضهم إلى تسابق الأحزاب على استقطابهم خاصة أيام الانتخابات أشار البعض الأخر إلى أن معظم سكان المدينة منضوون في حزب المؤتمر الشعبي العام، فيما كشف بعضهم عن استعداده لسباق الجولة الانتخابية القادمة مثل صالح عبده صالح الذي دشن نشاطه الانتخابي مبكرا وسط جيرانه وسكان المدينة. إحدى السيدات أشارت إلى أن وضع المرأة المهمشة سيء جدا، مشيرة إلى أن الشيء الوحيد الذي كسر قاعدة التهميش منذ عام 90 م حينما اعنت التعددية السياسية هو النقاب الذي ساوى بين المهمشات وسواهن من نساء المجتمع. أما الفنان محمد على نعمان فيقول أن الإبداع في المدينة من شعر وغناء وغيره هو الأخر يعاني من إقصاء وتهميش مطالبا محافظ المحافظة تثبيته على وظيفته والجهات الثقافية بالمحافظة إطلاق أول كاسيت غنائي خاص به طاله التهميش وما يزال حبيس الأدراج منذ سنوات. ويتهم العديد من الموطنين الجمعيات الخيرية والحرفية التي تعنى بالمهمشين مثل جمعية المستقبل والتكافل باستغلالها لظروفهم ومعاناتهم والتكسب بأسمائهم حيث لا تنشط في أوساطهم إلا في شهر رمضان فقط. هكذا بدت لنا جبهات الحرب مع الفقر.. مواجهة مريرة، ومضنية في رهان تحدي مع الحياة، أما البقاء بكرامكة أو الموت في أحضان عالم الفقراء البائس.. • يشار إلى أن مشروع "امكار" يستهدف أكثر من 120 صحفيا وصحفية محافظات تعز والحديدة واب يمثلون وسائل إعلامية مختلفة مطبوعة والكترونية يتلقون مهارات ومعارف حول أساليب التغطية للقضايا الاجتماعية وذلك بالتعاون مع المركز الوطني الثقافي للشباب بتعز.