تعددت ألوان فرح اليمنيين بعيد الوحدة، وتجاوزت كل فنون التعبير التي ألفتها الشعوب.. وفي هذا العام يصرّ اليمنيون على أن يكون للاحتفال نكهة التميز.. وأن يكون للفرح ألوان التوحد.. لذلك قرروا تغيير طلاء سياراتهم إلى ألوان علم الجمهورية اليمنية.. سيارات من آخر الموديلات يمتلكها أثرياء، وأخرى أكل الدهر عليها وشرب يشقى بها كادحون، لم يعد أحد يفرق بينهما فجميعها توحدت بألوان علم دولة الوحدة.. وفي كل الطرقات تجد وجوهاً تطل من نوافذ السيارات، ملؤها الفخر والتباهي بأنها تقود سيارة مطرزة بالعلم الجمهوري.. في شارع الشرطة بصنعاء، حيث ترتص محلات الكوافيرات، وتزيين سيارات الأعراس، ارتصت هذه المرة سيارات من كل الأنواع بطابور طويل لا أحد يعرف في أي ساعة من الفجر بدأ، غير ان الجميع يعرف أن عليه الانتظار لثلاث أو أربع ساعات حتى يأتي دوره في تغيير طلاء سيارته، إلى ألوان العلم الوطني. سألنا الشاب "فتحي"- الذي يعمل في أحد محلات تزيين سيارات الأعراس: ماذا عن سيارات الأعراس؟ فردّ علينا: "وهذا عرس.. ما في عرس أعظم من عرس الوحدة".. ورفع رأسه قليلاً ناظراً إلى وجوهنا ليتأكد إن كنا غير يمنيين ونجهل ب"عرس الوحدة".. وحين بدت له ملامح وجوهنا مألوفة، حرّك شفتيه بشيء من الإستياء، فأدركنا ما يدور في رأسه من شك بأن نكون من بعض أولئك "الشواذ" الفارين من أحضان الوحدة إلى حضن المستعمر القديم..! ببضع مفردات فهم "فتحي" أننا صحافيون، وثمة "فضول" يتمالكنا لمعرفة ما يدور، فأخبرنا أنه يطلي السيارة بألوان العلم ب(2.500) ريالاً للزبون الذي يبدو "ثرياً"، أما من "تبان صورته أنه موظف أو غلبان فالسعر مختلف"، وقال أنه مستعد للقبول حتى بالألف ريال كي لا يحرم أحد من الفرحة بعيد الوحدة.. وأشار "فتحي" إلى أنه ليس الوحيد الذي يعمل هذا الشي، بل كل محلات تزيين سيارات العرائس والخطاطين "قلبوا" إلى صبغ السيارات بألوان العلم، وأن العديد من أبناء المحافظات الأخرى جاءوا الى صنعاء وتركوا سياراتهم لديه ليطليها، وذهبوا لقضاء أعمالهم.. شوارع اليمن تطرزها الأعلام "الجوالة" لأول مرة، وعيون اليمنيين تفيض بابتهالات الفرح.. فالكل ينسى في هذه الأيام آلامه، ومعاناته، وهمومه المعيشية ويغرق في الحديث عن الوحدة العظيمة.. ويمني نفسه بالآمال الكبيرة، عسى أن تتبدل الأوضاع- ولو بعد حين- ولا تكابد الأجيال ما كابده الآباء والأجداد من معاناة وحرمان.. اليمنيون وحدهم بين شعوب العالم من يحتفل بعيدٍ للوحدة، لأنهم وحدهم من توحدوا غصباً عن كل التحديات، والامكانيات، والمواريث، وأسقطوا رهان من قالوا: أن وحدة اليمن لن تستمر أكثر من ستة أشهر..! هنيئاً لأنفسنا جميعاً بوحدة اليمن.. هنيئاً لكل من ناضل من أجل الوحدة.. هنيئاً للأجيال ثمار النضال والتضحية على طريق الثاني والعشرين من مايو 1990م..