يستعد المئات من أبناء محافظة تعز، ومنظمات مجتمع مدني، للخروج بمظاهرة نهاية الأسبوع الجاري احتجاجاً على ثقافة التمييز العنصري، وتضامناً مع شاب (أسمر) من أبناء الفئات المهمشة، وشابة (بيضاء)، عجزا عن الزواج بعد قصة حب عنيفة، تعد الأكثر غرابة، وإثارة فيما عرفت اليمن... وتنفرد "نبأ نيوز" برواية تفاصيلها في تقريرها التالي: حتى عهد قريب اقتصر دور مقلب قمامة تعز الكائن غرب المدينة على استقبال النفايات، ونشر الأوبئة والأمراض بين سكان المدينة وضواحيها، غير أنه مؤخراً شهد أول، وأغرب، وأعنف قصة حب، جمعت بين فتاة بيضاء (قبيلية)، وشاب (أسمر) من أبناء الفئة المهمشة المعروفة اجتماعيا ب"الأخدام". فسحب الدخان الكثيفة التي تغطي سماء المقلب منذ ثلاثة عقود، بدت كما لو أنها تدثر علاقة حب بريئة جمعت بين فتاة من أقصى اليمين وشاب من أقصى اليسار على مختلف المستويات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والعرفية. رمزي- 28 سنة- من أهالي منطقة حذران، عامل في مقلب قمامة تعز منذ سنوات طويلة، حظه من التعليم الثانوية العامة، قوي البنية، مخلص، شهم، رومانسي، من هواة أفلام بوليوود الهندية.. تعرف على (عتوكة)– 23 سنة، أمية، قبل ثلاث سنوات وسط أكوام المقلب الذي قدمت "عتوكة" للعمل فيه كأول فتاة بيضاء تعمل في جمع المخلفات وبيعها إلى جوار المهمشات.. لقد كان ذلك كافيا لان تلفت نظر رمزي صاحب الصفات الحميدة الثلاث التي أعجبت "عتوكة" بها لان تختاره فتى أحلامها بلا منازع وهي الشهامة والتواضع والوفاء.
قال رمزي ل"نبأ نيوز": أنا اعمل سائقا لمركبة خاصة بنقل المخلفات التي يعاد الاستفادة منها من جديد بعد أن يقوم العمال والعاملات في المقلب بجمعها بعد إفراغ سيارات القمامة القادمة من المصانع ومن داخل المدينة.. ذات يوم تعرفت على هذه الفتاة في المقلب وأعجبت بها كثيرا لشرفها وأخلاقها وكفاحها، فهي الفتاة الوحيدة من غير الفئة المهمشة التي تعمل مع المهمشات. وأضاف: عندما أردنا أن نتزوج على سنة الله ورسوله رفضت أسرتها بتحريض من أشخاص آخرين بحجة إني من الفئة المهمشة (الاخدام).. وعندما علموا بتمسكي الشديد بها واني مستعد لان افدي حياتي من أجلها طلبوا مبلغ 200 ألف ريال كشرط تعجيزي، وعندما قبلت رفضوا من جديد.. بغضب ممزوج بحزن عميق يقول: والله لو دفعوا المليارات لن أتخلي عنها ولن يفرقنا إلا الموت فقط.. لجأ رمزي إلى محافظ تعز- حمود الصوفي- ليشكوه أمره، ويطلب مشورته.. وبعد خروجه من مقر محافظة تعز- وصف رمزي المحافظ ل"نبأ نيوز" بأنه "رجل متفهم يحترم المشاعر والحب". وقال: انه نصحه بالتوجه للشيخ عبد الله أمير الذي لجأت "عتوكة" إلى منزله قبل شهر ونصف هاربة بحبها من بطش العادات وسطوة التقاليد لعمل الحل المناسب, مؤكدا أن الشيخ الأمير اتصل من جهته بالشيخ على عبد القادر الصوفي رئيس لجنة التفتيش القضائي السابق وبرئيس استئناف المحافظة يحي العنسي من أجل إنهاء الموضوع. وكشف رمزي أنه تعرض للسجن لمدة 17 يوما في قسم 14 أكتوبر بمديرية التعزية، ويوم واحد في سجن البحث الجنائي بتعز، وذلك بهدف الضغط عليه ليتنازل عن موقفه، منوها إلى أن اليومين القادمين ستشهد تنفيذ مسيرة تضامنية معه تنتهي بمقر المحافظة، وذلك للمطالبة بالمساواة بين كافة أفراد وشرائح المجتمع حسبما يحث على ذلك الشرع وينص عليه الدستور.. وعلى عكس رمزي- الذي بدى بصحة جسدية ونفسية عالية رغم تعرضه للسجن فترة طويلة- وجدنا "عتوكة".. فقد رفضت أن تلتقط "نبأ نيوز" صورة لها، وكانت في حالة نفسية محطمة, وكل ما قالته عتوكة ل"نبأ نيوز" هو: إن حبها لرمزي ملؤه السموات والأرض، وانه لا يوجد قوة في الأرض تستطيع أن تفرقهما. "عتوكة" لم تخف تخوفها من شر قد يلاحقها، ففقد هددت بالانتحار كوسيلة أخيرة إذا ما أجبرت على زواج من لا ترغب به, مستنكرة رفض أهلها تزويجها بمن تحب بحجة انه (خادم)، وقالت بلهجتها العامية: "أول أكلونه وتأكلوا منه وبهذلونه ورجعوا قالوا مايشاونوش. سألتها إن كانت قد عرضت قصتهما على أسرتها فقالت: ايوه، قلت لهم كما هذا الرجال يشاني. وقالوا لي كلوه وارجمي.. أني اشاؤه أني متمسك به نموت أني وهو نحيا أني وهو. سرحنا عند القاضي وطلب أبي وجاء لعند القاضي وغرر عليه بكلام فارغ.. أني اشتى هذا الرجال على سنة الله ورسوله).. من جانبه قال نجيب الشرعبي– ممثل الفئة المهمشة بمحافظة تعز– ل"نبأ نيوز": أن مشكلة المهمشين (الاخدام) تكمن في وجود تفرقة عنصرية وتمييز واضح في النواحي الاجتماعية بينهم وبين بقية أفراد المجتمع وما تزال ركام التخلف والعرف الاجتماعي السلبي جاثمين على أذهان الناس حتى اليوم حيث ما يزال الاعتقاد بان زواج الخادم كما يقال على (قبيلية) عيب وعار بينما الدين الإسلامي لا يفرق بين إنسان وأخر إلا بالتقوى والناس كأسنان المشط كما يقول الحديث الشريف.. وأبدى الشرعبي أسفه من أن يكون المجتمع اليمني على مشارف نصف قرن من قيام ثورته وما يزال بتلك الذهنية المتخلفة التي عفا عليها الزمن، وأصبحت من الجاهلية التي قضى عليها الإسلام قبل 1400 عام، وعبر ممثل الفئة المهمشة بتعز عن استيائه من عدم إتمام هذه العلاقة البريئة بالزواج بحجة أن الشاب (خادم) في حين يوجد كثير من الزيجات العكسية التي يكون فيها الزوج (قبيلي) والزوجة (خادمة)، بل إن الخادمات يقعون عرضة للاغتصاب والاعتداءات من قبل القبائل على حد قوله باستمرار ولم يتم إثارة الأمر. وتساءل: أين دور علماء الدين وخطباء المساجد؟ أين هو دور منظمات المجتمع المدني التي تتحدث باسم هذه الفئة المهمشة وتقول أنها تعمل على دمجها في المجتمع؟ لماذا نقف ضد شرع الله؟ لماذا نخطب ليل نهار عن الأيمان والإسلام ونحن نخالف تعاليم الدين يوميا؟ لماذا زواج "الخادم" من قبيلية خط أحمر ودمه مهدور بينما زواج القبيلي من خادمة أمر طبيعي؟ والى متى سنظل ندس أنوفنا في التراب ونكابر..!؟ وأردف: هذه القضية هي المحك الحقيقي لهذه المنظمات والجمعيات التي تنظر ليل نهار في قضايا دمج الأقليات والشرائح المهمشة في المجتمع. ويكشف الشرعبي عن قصة حب أخرى شبيهة حصلت في منطقة الضباب قبل شهرين وتم احتواء الموضوع بسرعة من قبل مشائخ المنطقة الذين تدخلوا بحكمة وخلال 24 ساعة تم تزويج فتاة (قبيلية) من (خادم) ولم يحدث أي شيء، مقدما شكره للشيخ أمين الضباب شيخ منطقة الضباب الذي قال انه تدخل وأنهى الموضوع بسرعة. وطالب الشرعبي من المجتمع تفهم المشاعر والأحاسيس واحتواء الشباب والشابات والاعتراف بهم وليس عيبا أن يحب اثنين بعضهما البعض طالما كان الهدف هو الزواج بغض النظر عن اللون والجنس والقبيلة والمذهب , وحسب الشرعبي هناك جهود وساطة قبلية يقوم بها بعض مشائخ المنطقة بغية إرجاع الفتاة لأسرتها ولكنها باءت بالفشل حتى الآن.
وتابع: تم عرض القصة على قاضي محكمة الأحوال المدنية والشخصية بالتعزية القاضي عبد الله الديلمي الذي تفهم الموضوع في البداية لكنه سرعان ما تغير بعد زيارة احد المشائخ في منطقة حذران للقاضي والذي ادعى أن هذه الفتاة مخطوفة، وتم فيما بعد عرض مبالغ مالية كبيرة مقابل تسليم الفتاة التي تختبي في منزل احد مشائخ تعز الذي تفهم الوضع ويريد أن ينهي القصة بخاتمة ترضي البنت وأسرتها.. الشيخ أمين الضباب الذي توسط قبل شهرين في قضية مشابهة طالب الأسرة اليمنية وعقلاء البلد ومشائخها تحكيم الشرع والدستور والقانون في مثل هذه القضايا، مؤكدا أن المعيار الوحيد هو التقوى الخلق والتوافق والرغبة بين الطرفين, مبديا استغرابه من رفض تزويج المهمشين بالقبائل أو العكس خاصة وان الدين الإسلامي قد حسم الأمر قبل 1400 سنة فالناس سواسية كأسنان المشط، مرجعا السبب في عودة الجاهلية الجديدة في حياتنا إلى عدم تحكيم الشرع وهجمة الاستعمار على المنطقة الذي استطاع أن ينشر ثقافته في أوساط المجتمع فوجدنا بسبب ذلك هذه التصنيفات والعنصرية والتفرقة بين الناس.