كل شئ يتغير في هذه الحياة، وهذه سنة سارت عليها كل قوانين الخليقة، وهي التغير والتجدد والتطور. وفي حديث الذكريات الذي نسمعه من أجدادنا وآبائنا ذلك الحديث الجميل عن ذكريات الماضي وعن تفاصيل حياتهم، ومنها كيف يتم التهيؤ لاستقبال شهر رمضان الكريم، ففي ما مضى كان يتم طحن القمح والذرة والشعير وتجهيز السمن البلدي والشربة البلدي وشراء التمر والعسل. هذا من جهة الاغذيه أما المنازل فيتم في شهر شعبان عمل الترميمات والتجهيزات لقدوم هذا الشهر الفضيل، ولأن المنازل كانت مبنية من الطين فكان يتم (صهرها من الداخل ومجرتها من الخارج)، (واستخدام الكرضه والبياض في طلاء جدرانها من الداخل)، وشراء الحطب وتكسيره.. كما كانوا يهتمون بالمساجد من حيث نظافتها وتزيينها الخ. وكل ما سبق كان يتم تجهيزه باكتفاء ذاتي ومن البيئة نفسها، وإذا ما قارنا الماضي بالحاضر فسنجد الفرق كبير وتغييرات كثيرة حدثت، وإضافات جديدة، ومظاهر متعددة، وذلك لأن كل شئ يتغير فقد تغيرت لدينا كل المظاهر والاستعدادات وكلها مغلفة بصيغة النهم الاستهلاكي الذي أثقل كاهلنا.. فعلى صعيد الاغذية، يتم خزن وشراء العديد من الأصناف استعدادا لرمضان، فبالاضافه إلى أنواع الطحين والزبده والعسل أضيفت إليها أنواع من العصائر والحلويات والجلي والكريمة والكاسترد والشوربات والمكرونات بأنواعها.. وعلى صعيد المنازل والأثاث فانه يضاف العديد من المفروشات واللوازم المنزلية وطلاء المنازل وترميمها ونتيجة كل هذه الأمور قبيل شهر رمضان الكريم يشكل عبئا ثقيلا خاصة على ذوي الدخل المحدود لأن ما يتم شراؤه هي أشياء مستوردة وأسعارها خيالية. فبالاضافة إلى طمع التجار قبيل هذا الشهر وخلاله في اللعب بالأسعار، وظهور بضائع فاسدة قد عفا عليها الزمن، وفي ظل غياب الرقابة والجهل الصحي، فأن المواطن يشتري ويأكل دون مراقبة تاريخ الانتهاء والصلاحية، رغم أن هناك بضائع تفسد نتيجة لسوء التخزين فتكون صحة المواطن هي الضحية.. إلا أن الشئ الوحيد الذي لم يتغير هو رمضان، فلا زال- كما هو- شهر الخير والمحبة والتسامح. فكم هي الأسر التي لا تجد من المال ما يجعلها تستعد لقدومه كغيرها من الأسر ومع ذلك تجدهم يقولون (رمضان جاي برزقه)! وبالفعل يحيونه ببركته وسخاءه وذلك لأن أهل الخير في رمضان يسعون لمد العون للأسر الفقيرة، كما أن التجار يعمدون في هذا الشهر الفضيل إلى توزيع الصدقات مما يساعد على نشر السعادة في نفوس العديد من الناس. وكما أسلفنا فهو شهر التسامح لأن العديد من الخصومات والعداءات تحل وتنتهي لمقدم هذا الشهر.. لذا دعونا نقول للشهر الكريم: أهلا بك كريماً، لتجعلنا أكثر كرماً.. أهلا بك حباً لتجعلنا نتعلم كيف نحب بعضنا.. أهلا بك عبادة وتقرباً إلى الله لنستغفر ونتوب ونتطهر علنا نغتسل من أدران نفوسنا ومطامعها ونذوق حلاوة الإيمان. ونتمنى يا رمضان أن تجلب الأمن والهدوء والاستقرار لبلدنا الحبيب.. وكل عام والجميع بخير وصحة وسلامة.