الأشياء الجميلة لا تستمر، والأيام واللحظات السعيدة تمر سريعا من حياتنا لتصبح ذكرى جميلة مفعمة بالشوق لتلك الأيام.. فها هو شهر رمضان، بجماله وروعته، شارف على الانتهاء، فما أسرع ما أصبحنا نتبادل عبارة "خواتم مباركة"، وما أسرع ما أنسلت أيامه ولياليه المباركة من بين أيدينا..! وفي هذه الأيام الأخيرة- أيام العتق من النار- دعونا نتشبث قليلا بها، ونحاول أن نطيلها بتدبر معاني الذكر الحكيم، والوقوف على قصصه وعبره، ولنجهد أنفسنا بقيام الليل لنحظى بشئ من روحانياته وجلاله.. * * * * * * * * * * ** حين يأتي وقت أذان المغرب يكون المسلم في شوق كبير للطعام، ويكون قد بلغ سعادة عظيمة لأنه أكمل يومه وأدى ما عليه من فريضة، وكما قال- ص- (للصائم فرحتان فرحة حين يفطر وفرحة بلقاء ربه).. ولو تأملنا قليلا حجم سعادتنا حين نمسك تلك التمرات ونبتلعها إيذانا ببدء سفرة عامره بكل ما لذ وطاب لعرفنا مقدار المعاناة التي يشعر بها الفقراء طوال العام، وهذه هي الحكمة من صوم رمضان، وهو الشعور بالآخرين.. فلماذا ننسى هذا الشعور بمجرد انتهاء شهر رمضان؟ كما أنه يفترض بنا معايشة آلام الفقير وعجزه عن تدبير ما يسد به رمقه، فنعمل على أن نكون عونا لهم بقية العام، لا أن نظيف إلى معاناتهم القهر لمشاهدتنا ونحن نمارس حياتنا بكل مفرداتها متناسين معنى التكافل الذي يتجلى في أبهى معانيه في رمضان، لكنه يغلق ككتاب بانتهائه..!! * * * * * * * * * * ** قال رسول الرحمة: (إن تبسمك في وجه أخيك صدقة)، وقيل: "أن الابتسامة لغة عالمية لا تحتاج إلى ترجمة"، وقيل أيضا: إنها "لغة القلوب"، فما الضير إذا في جعلها لا تفارق وجوهنا؟ وما الضير في أن نوزعها على كل من نلقاهم طالما لا تكلفنا شئ ولا تجهدنا في شئ؟ فتأملوا معي أثناء مروركم في الشارع، ما أجمل الوجوه المتزينة بابتسامة وما أبشع الوجوه المكفهرة التي حرمت نفسها جمال الابتسام، وعظمة الصدقة، ومتعة التحدث بدون صوت!! هلموا بنا إلى جعل الابتسامة عنوانا لا يفارقنا.. * * * * * * * * * * ** صلة الأرحام وطاعة الوالدين قيم إسلامية ومبادئ أمر بها القرآن الكريم، وحث عليها الرسول– ص- ولو تأملنا انعكاساتها في حياتنا لعرفنا سر ارتباطهما برضا الله وطاعته؛ فقد قال الله جل وعلا في محكم كتابه: (وقضى ربك ألاّ تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا)، والوالدين هما الأب والأم، وبالوالدين إحسانا أي طاعتهما وبرهما والترفق بهما.. وكما جاء في الحديث القدسي: (إني اشتققت للرحم اسم من اسمي فمن وصلها فقد وصلني ومن قطعها فقد قطعني)، والرحم هي الأم والأخوات والعمات والخالات وجميع الأقارب؛ فهل أدى كل منا ما عليه تجاههما؟ هل زرنا أقاربنا ووصلنا أرحامنا؟ هل سألنا عن الحال، ولو حتى بالهاتف؟ هل أظهرنا الحب لكليهما والاهتمام لننال الرضي وبركة الدعاء!؟ فليسأل كل واحد نفسه، والمقصر عليه سرعة تلافي القصور والتبرك بهذا الشهر الفضيل.. * * * * * * * * * * ** (من فطّر صائما فكأنما فطر الناس أجمعين).. من عاداتنا- نحن اليمنيين- إقامة مآدب الإفطار للأقارب والأصهار في رمضان، لكن هذه العادة في الفترة الأخيرة بدأت بالتراجع وأصبح الناس يؤجلونها لعيد الفطر من باب أنها مرهقه في رمضان.. لكننا بهذا التصرف ابتعدنا عن مفهوم الحديث السابق. فدعونا نتأمل جمال هذا الحديث لو طبقناه في حياتنا، وليس بالضرورة عمل مآدب إفطار باهظة التكاليف بل قد يكتفى بالتمر وبعض المأكولات الخفيفة، ألن نظيف إلى ميزان أعمالنا وحسناتنا..! * * * * * * * * * * *** سأختم تأملاتي بالدعاء للجميع بقضاء خواتم مباركه وعيد سعيد مقدماً، وكل عام والجميع بخير، والوطن بألف خير، على أمل أن نلتقي بعد إجازة عيد الفطر المبارك.. ودامت أيامكم كلها سعادة وأعياد.. * * * * * * * * * *