قررت وزارة التعليم العالي العراقية حرمان جميع الطلاب العراقيين المقيمين في اليمن من المنح والمقاعد الدراسية المخصصة لهم "مجاناً" من قبل وزارة التعليم العالي اليمنية، والتراجع عن تنفيذ نصوص اتفاقية التبادل الثقافي، التي لم يمض على توقيعها بصنعاء سوى ما يقارب الشهرين. وأفادت مصادر عراقية بصنعاء ل"نبأ نيوز": أن وزارة التعليم العالي العراقية رفضت هذا العام الموافقة على ترشيح أياً من الطلاب العراقيين المقيمين في اليمن، من خريجي الثانوية العامة، للمنح والمقاعد المقدمة من قبل اليمن للدراسة في الجامعات اليمنية، وحذرت ملحقيتها الثقافية بصنعاء من أي اجتهاد بهذا الخصوص، "كونه مرتبط بحسابات سياسية"..! كما رفضت وزارة التعليم العالي العراقية التجاوب مع طلب رسمي يمني بدفع مبلغ (88.500) دولار أمريكي كبدل ابتعاث للدراسات العليا، نظراً لسوء الأوضاع الأمنية العراقية التي أحالت دون استفادة الطلاب اليمنيين من المنح، وطبقاً لنصوص اتفاقية التبادل الثقافي الموقعة قبل تأريخ هذا الطلب بأسبوعين فقط.. الأمر الذي أثار الرفض العراقي استياء الجانب اليمني من عدم احترام الجهات الرسمية العراقية للاتفاقيات التي توقعها.
وأشارت المصادر إلى أن مئات الطلاب العراقيين المقيمين في اليمن حرموا هذا العام من دخول الجامعات اليمنية على خلفية رفض بلادهم ترشيحهم، مؤكدة: أن قسماً كبيراً من هؤلاء الطلاب اضطرت أسرهم "مكرهة" لاعادتهم الى العراق لعدم قدرتها على تحمل نفاقات الدراسة في الجامعات الأهلية، فيما القسم الآعظم فضلوا الجلوس في البيوت، أسوة بمئات آخرين من خريجي الأعوام الماضية الذين لم تستوعبهم الحصة العراقية من المنح اليمنية للأعوام الماضية. ويأتي هذا القرار- بحسب مصادر وزارية في بغداد، تواصلت معها "نبأ نيوز"- على خلفية تصنيف جميع العراقيين المقيمين في اليمن "كبعثيين"، واتهامهم بموالاة النظام السابق، ومحاولة إعادة البعث لحكم العراق.. وهو ما تنفيه الجالية العراقية في اليمن، نفياً قاطعاً. إذ أكدت أسر عراقية عديدة مقيمة منذ التسعينات: أن غالبية العراقيين المقيمين في اليمن حالياً هم ممن دخلوها في التسعينات، وانخرطوا في الحياة المهنية، فصارت لدى بعضهم مصالح اقتصادية، مشيرة إلى أن طول فترة إقامتهم جعلتهم يستأنسون الحياة في اليمن، خاصة في ظل الأوضاع الامنية المتدهورة في العراق، معربة عن استهجانها لما وصفتها ب"الاتهامات الجزافية" لأبناء الجالية، واستغربت أن تسمع من يتحدث عن "مبادرات مصالحة وطنية" في نفس الوقت الذي ينتقم من جيل الشباب ويحرمهم من التعليم، محذرة من أن تجاهل هؤلاء الشباب يعني إباحتهم لاستقطابات الجماعات الارهابية، وبدلاً من أن يعودوا الى بلدهم بشهادات علمية سيعودون بمشاريع انتحارية..! وعلى صعيد متصل، فإن عدداً من أبناء الجالية العراقية التقوا مسئولي وزارة التعليم العالي اليمنية في محاولة لتسوية اوضاع أبنائهم في الجامعات، وقد أبدت قيادة الوزارة استعدادها الكامل للتعاون، وحتى التغاضي عن مشكلة تنصل الجانب العراقي لالتزاماته المالية للجانب اليمني، واقترحت خيارات متعددة من أجل استيعاب الطلاب العراقيين، بينها أن تتبنى لجنة يمنية استقبال الطلاب واستكمال معاملاتهم، ولكن بحضور ممثل عن الملحقية الثقافية العراقيةبصنعاء، غير أن الملحقية اعتذرت أيضاً عن إرسال من يمثلها بدعوى التزامها بالتوجيهات الصادرة اليها من بغداد. وتفيد المعلومات إلى أن تدهور العلاقات الثقافية بين البلدين يأتي في سياق تدهور عام على مختلف مستويات العلاقات بين البلدين، حيث أن رئيس الحكومة العراقية السيد نوري المالكي، الذي ظل يتردد على العواصم العربية مازال يقصي صنعاء من أجندته.. كما أن الوفد الأمني العراقي الذي زار صنعاء العام الماضي للتحضير للجنة عراقية يمنية عليا تتولى إعادة تنقية الأجواء، ومراجعة الاتفاقيات مع مختلف الوزارات، لم تستانف لقاءاتها، وعلقت كل أعمالها. وفي ظل الحساسية العالية التي تبديها بغداد تجاه اليمن، فإن آلاف الأسر العراقية المقيمة في اليمن وجدت نفسها هي الوحيدة التي تدفع الثمن، بمزيد من التجاهل لأوضاعها، وعدم الاكتراث لمستقبل أبنائها، بل وتم حرمانها حتى من المشاركة في العمليات الانتخابية، رغم توافر كل شروط المفوضية العليا فيها.. فالانشغال بحسابات الماضي أنست صناع القرار العراقي حسابات المستقبل!