الإنسان اليمني مشهود له بالكفاءة في كل المجالات التي يقتحمها، سواء كان ذلك الأمر اختياري أو مفروض عليه، وشهادتي قد تكون مجروحة كوني كاتب يمني، إنما المتابع لهذا الإنسان سيدرك من أول وهلة السر الدفين عند هذا الإنسان الذي يأبى إلا أن ينقل كل عاداته بسلبياتها وإيجابياتها معه أينما ذهب دون تكلّف أو تصنّع أو خوف من نظرات الآخرين.. فهو يظهر ما يبطن ويعلن ما يسر في لغته وأكله ولبسه وطريقة تعامله، وهو سفير بامتياز وفوق العادة لوطنه الأُم أينما حل ورحل وهمه الأول والأخير إرضاء الذات المتأصلة في أعماق أعماق روحه كالجبال التي جاء منها. وهذا الشيء يحُسب له مع بعض التحفظات حتى لا نُفهم غلط من بعض المتعصبين المدافعين على (كون عادي) ونُتهم بجلد الذات رغم الحقيقة المرة التي لا ينكرها أحد من اليمنيين في الخليج أو في أمريكا أو بريطانيا أو حتى يهود اليمن الذين هاجروا إلى إسرائيل، فالفوطة والقات وحرفة الوالد لا تروح منك وكأننا خُلقنا لنمسك بعاداتنا وتقاليدنا مهما كانت خارجه عن المألوف ولا تتناسب مع روح العصر والزمن الذي نعيش فيه رغم ما يدور من حولنا من رُقي وتقدم وازدهار. وإذا كان هناك أشياء تُحسب له أيضا هناك أشياء تُحسب عليه عفا عنها الزمن وسلّم بعدم جدواها كل شعوب العالم ألا وهو التعليم الذي ما زال في أسفل أولويات معظم اليمنيين في بلاد الاغتراب رغم الانفتاح والمعايشة شبه اليومية مع كل الجنسيات العربية منها والأجنبية الذين تراهم ينهلون من التعليم ليل نهار دون كلل أو ملل.. فمثلاً نرى إخواننا العرب وعلى رأسهم الفلسطينيين رغم الشتات والتهجير والإقصاء ومحاربة العالم لهم يصنعون المستحيل حتى يعلّموا أولادهم في أفضل المدارس وأرقى الجامعات مهما كانت حالتهم المادية صعبة، فمن أجل التعليم كل شئ يهون وهم يؤمنون أن القضاء على الأفكار البشعة والتقاليد المريضة والأوضاع المتردية التي لا تسُر أحد لن تكون إلاّ بالتعليم ولا شئ سواه. على عكسهم نحن اليمنيين مهما كانت أحوالنا المادية مستقرة أو جيدة أو حتى ممتازة لا نعطي التعليم أهمية! أقولها وأنا أعضُ أناملي من الندم ومع الأسف الشديد دون تحفظات أو إنكار للحقيقة، فالحقيقة لا تقبل أنصاف الحلول. فكل المؤشرات والدلائل تقول لا يمكن أن يرتقي فرد أو أسرة أو مجتمع أو دولة أو اُمة دون أن يكون التعليم على رأس أولوياتها (ولنا في دولة ماليزيا أسوة حسنة) فنحن ولله الحمد اُمة أقرأ فعيب علينا ألاّ نقرأ. فبغير التعليم كل النتائج ستكون عكسية ولا سبيل ولا مخرج من وضعنا الراهن غير الانخراط في سلك التعليم حتى نرى حراك على كل المستويات ونغير النظرة الملتصقة بنا كوننا شعب يكره التعليم وغير مؤهل ويحب كل شئ غير ذلك، فلماذا الإصرار إذاً على أن يطلع ابن التاجر تاجر وابن الحلاق حلاق ووووو وهلم جرّا..!؟ ما المانع من التغيير إلى الأحسن خصوصاً هناك جاليات أنعم الله عليها بالعيش في دول عظمى تقدر التعليم وتعطيه حقه كبريطانية التي فتحت أبواب التعليم على مصراعيه لمن أراد الولوج فيه وبالمجان مع مراعاة الرغبات والميول كلاً في التخصص والمجال الذي يحب فأبوا إلا الانخراط في السوق من أجل الكسب السريع وتجميع حق العروسة والبيت والسيارة وتحويش قليل من الجنيهات ليتمكنوا من الذهاب والإياب الي اليمن من أجل تخزينة قات رخيصة وكأن هذا غاية ما يطمحون إليه ضاربين بكل المزايا التي مُنحة لهم وراء ظهورهم وهم من مواليد بريطانيا ويحملون جنسيتها. من هذا المنطلق هناك مؤشر سؤال حيرني كثيراً ويطرح نفسه باستمرار: ما سر عزوف السواد الأعظم من أبناء اليمنيين عن التعليم في بلاد المهجر رغم الظروف المؤاتية والحياة الممتازة والمستقبل الذي في انتظارهم لو أنهم أحسنوا التعليم ليتبؤوا المراكز المرموقة في الحياة مقارنة بنظرائهم من أبناء الجاليات الأخرى..!؟؟ ه ذا ما آمل الجواب عليه من المعلقين.. والله من وراء القصد .