مأساة في ذمار .. انهيار منزل على رؤوس ساكنيه بسبب الأمطار ووفاة أم وطفليها    تهريب 73 مليون ريال سعودي عبر طيران اليمنية إلى مدينة جدة السعودية    شاب يمني يساعد على دعم عملية السلام في السودان    تدشيين بازار تسويقي لمنتجات معيلات الأسر ضمن برنامج "استلحاق تعليم الفتاة"0    الليغا ... برشلونة يقترب من حسم الوصافة    أعظم صيغ الصلاة على النبي يوم الجمعة وليلتها.. كررها 500 مرة تكن من السعداء    شاهد.. أول ظهور للفنان الكويتي عبد الله الرويشد في ألمانيا بعد تماثله للشفاء    خلية حوثية إرهابية في قفص الاتهام في عدن.    الخليج يُقارع الاتحاد ويخطف نقطة ثمينة في الدوري السعودي!    علي ناصر محمد يفجر مفاجأة مدوية: الحوثيون وافقوا على تسليم السلاح وقطع علاقتهم بإيران وحماية حدود السعودية! (فيديو)    "هل تصبح مصر وجهة صعبة المنال لليمنيين؟ ارتفاع أسعار موافقات الدخول"    "عبدالملك الحوثي هبة آلهية لليمن"..."الحوثيون يثيرون غضب الطلاب في جامعة إب"    شاهد الصور الأولية من الانفجارات التي هزت مارب.. هجوم بصواريخ باليستية وطيران مسير    مأرب تحدد مهلة 72 ساعة لإغلاق محطات الغاز غير القانونية    اختتام التدريب المشترك على مستوى المحافظة لأعضاء اللجان المجتمعية بالعاصمة عدن    مبابي عرض تمثاله الشمعي في باريس    عودة الثنائي الذهبي: كانتي ومبابي يقودان فرنسا لحصد لقب يورو 2024    لحج.. محكمة الحوطة الابتدائية تبدأ جلسات محاكمة المتهمين بقتل الشيخ محسن الرشيدي ورفاقه    لا صافرة بعد الأذان: أوامر ملكية سعودية تُنظم مباريات كرة القدم وفقاً لأوقات الصلاة    اللجنة العليا للاختبارات بوزارة التربية تناقش إجراءات الاعداد والتهيئة لاختبارات شهادة الثانوية العامة    قيادي حوثي يسطو على منزل مواطن في محافظة إب    العليمي يؤكد موقف اليمن بشأن القضية الفلسطينية ويحذر من الخطر الإيراني على المنطقة مميز    يوفنتوس يتوج بكأس إيطاليا لكرة القدم للمرة ال15 في تاريخه    انكماش اقتصاد اليابان في الربع الأول من العام الجاري 2024    تحذيرات أُممية من مخاطر الأعاصير في خليج عدن والبحر العربي خلال الأيام القادمة مميز    النقد الدولي: الذكاء الاصطناعي يضرب سوق العمل وسيؤثر على 60 % من الوظائف    اليونسكو تطلق دعوة لجمع البيانات بشأن الممتلكات الثقافية اليمنية المنهوبة والمهربة الى الخارج مميز    رئيس مجلس القيادة يدعو القادة العرب الى التصدي لمشروع استهداف الدولة الوطنية    600 ألف دولار تسرق يوميا من وقود كهرباء عدن تساوي = 220 مليون سنويا(وثائق)    وعود الهلآّس بن مبارك ستلحق بصيف بن دغر البارد إن لم يقرنها بالعمل الجاد    قيادي حوثي يسطو على منزل مواطن في محافظة إب    تغاريد حرة.. عن الانتظار الذي يستنزف الروح    انطلاق أسبوع النزال لبطولة "أبوظبي إكستريم" (ADXC 4) في باريس    المملكة المتحدة تعلن عن تعزيز تمويل المساعدات الغذائية لليمن    ترحيل أكثر من 16 ألف مغترب يمني من السعودية    وفاة طفل غرقا في إب بعد يومين من وفاة أربع فتيات بحادثة مماثلة    سرّ السعادة الأبدية: مفتاح الجنة بانتظارك في 30 ثانية فقط!    نهاية مأساوية لطبيبة سعودية بعد مناوبة في عملها لمدة 24 ساعة (الاسم والصور)    ظلام دامس يلف عدن: مشروع الكهرباء التجارية يلفظ أنفاسه الأخيرة تحت وطأة الأزمة!    شاهد: مفاجأة من العصر الذهبي! رئيس يمني سابق كان ممثلا في المسرح وبدور إمراة    البريمييرليغ: اليونايتد يتفوق على نيوكاسل    600 ألف فلسطيني نزحوا من رفح منذ تكثيف الهجوم الإسرائيلي    وصول دفعة الأمل العاشرة من مرضى سرطان الغدة الدرقية الى مصر للعلاج    ياراعيات الغنم ..في زمن الانتر نت و بالخير!.    استقرار اسعار الذهب مع ترقب بيانات التضخم الأميركية    صحة غزة: ارتفاع حصيلة الشهداء إلى 35 ألفا و233 منذ 7 أكتوبر    تسجيل مئات الحالات يومياً بالكوليرا وتوقعات أممية بإصابة ربع مليون يمني    هل الشاعرُ شاعرٌ دائما؟ وهل غيرُ الشاعرِ شاعر أحيانا؟    لماذا منعت مسرحيات الكاتب المصري الشرقاوي "الحسين ثائرآ"    قصص مدهشة وخواطر عجيبة تسر الخاطر وتسعد الناظر    وداعاً للمعاصي! خطوات سهلة وبسيطة تُقربك من الله.    افتتاح مسجد السيدة زينب يعيد للقاهرة مكانتها التاريخية    الامم المتحدة: 30 ألف حالة كوليرا في اليمن وتوقعات ان تصل الى ربع مليون بحلول سبتمبر مميز    في افتتاح مسجد السيدة زينب.. السيسي: أهل بيت الرسول وجدوا الأمن والأمان بمصر(صور)    احذر.. هذه التغيرات في قدميك تدل على مشاكل بالكبد    دموع "صنعاء القديمة"    اشتراكي المضاربة يعقد اجتماعه الدوري    هناك في العرب هشام بن عمرو !    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اليمنيون يعتبرون القات «الخمر الحلال» ويتناولونه في الهايد بارك
يمنيون في بلاد الضباب (2): تاريخ الهجرة اليمنية لبريطانيا: 3 أجيال صنعتها.. ومحافظون على هويتهم الثقافية
نشر في يمنات يوم 05 - 12 - 2010

يقول تم سميث في كتابه «الفحم البخور والمر: اليمن واليمنيون البريطانيون»، «اليمنيون أمة تاجرة، أمة مسافرة، سافروا قديما على امتداد سواحل البحر الأحمر، والمحيط الهندي، سافروا في الصحارى والجبال، ونتيجة لذلك استقر اليمنيون في كل بلدان العالم، وأنشأوا أقدم جالية مسلمة في بريطانيا. وعلى الرغم من قرب اليمنيين من السعودية وعمان، فإنهم أقرب إلى البحر الذي أسس لوظيفتهم القديمة في اقتحام الحدود».
بينما يقول قائد دبوان المولود سنة 1929م، وقضى 28 عاما يعمل في إنجلترا: «أبي وجدي عملا في إنجلترا في شركات التجارة البحرية البريطانية، وقد عملا في أستراليا وكندا ونيوزيلندا وشمال أميركا وأفريقيا، ستجد اليمنيين في كل مكان في العالم على ظهور السفن. ولو كانت السفن تسافر إلى القمر لوجدت اليمنيين هناك».
ويلحظ فريد هاليداي في كتابه «Arabs in Exile» ملمح الحزن على وجوه اليمنيين المكدودة جراء السفر وراء الأحلام والدهشة، وأحيانا وراء السراب، يقول: «ليس من الصعوبة أن تقرأ في وجوه العمال اليمنيين حزنا عميقا ولدته سنوات من القسوة والتوق. ألم الهجرة والحزن والحنين للوطن يعد معنى متكررا في الشعر اليمني».
كثيرون يعرفون «Mokha Coffe» غير أن قلة تعرف أصل هذه التسمية، أو تعرف أن «Mokha Coffe» هو الترجمة الإنجليزية ل«بن المخا». حيث عرفت أوروبا البن عن طريق اليمن الذي كان يصدر البن إلى أصقاع العالم عن طريق مينائه الشهير «المخا» (Mokha)، تلك المدينة الواقعة على ساحل البحر الأحمر، التي منحت العالم قبل قرون الدفء والحميمية والقهوة اليمنية الشهيرة.
بعد فترة تنبهت بريطانيا إلى أهمية هذا الميناء لتجارتها مع الهند، فأنشأت شركة «الهند الشرقية» التي كان مقرها لندن، وأنشأت مقرا لها في هذه المدينة عام 1618، ليكون حلقة وصل بين الموانئ البريطانية والموانئ الهندية، غير أن بريطانيا باحتلالها عدن سنة 1839 بدأت الاهتمام بميناء عدن بدلا من المخا، الذي أصابه الإهمال، بعد أن صارت عدن هي الميناء الرئيسي الرابط بين سلسلة الموانئ الأوروبية من جهة وسلسلة موازية من الموانئ في الهند وجنوب شرقي آسيا.
ومن هنا بدأ تأريخ الهجرة اليمنية، من هنا ارتبط اسم عدن بآلاف المهاجرين الذين قصدوها من كل أنحاء اليمن لينطلقوا فيما بعد في موسم الهجرة إلى الشمال. وكما ركب الجيل الأول من المهاجرين اليمنيين «ثبج البحر» إلى الجزر البريطانية لأغراض اقتصادية بحتة، ركب جيل آخر منهم «ثبج الجو» لأغراض مختلفة. في نهاية السبعينات وبداية الثمانينات من القرن الماضي كانت بواكير جيل آخر من مبتعثي الجامعة في اليمن يحزمون حقائبهم ولكن ليس إلى سفينة تمخر عباب خليج عدن، ولكن على ظهر طائرة حطت في مطار هيثرو في لندن. ثم توالت السنوات وتكاثر الطلبة الذين جاءوا من جهات مختلفة في اليمن وعلى حساب جهات مختلفة في الحكومة اليمنية والمنظمات الداعمة والشركات التجارية.
جاء الطلبة اليمنيون على جالية أغلب أعضائها عمال مصانع أو أصحاب محلات صغيرة أو بقية من بحارة ركبوا الموج ذات يوم. حاول الطلبة عندئذ تنظيم الجالية وربطها بشكل أكبر بنفسها وبالثقافة العربية الإسلامية والوطن الذي جاءوا منه.
وعلى الرغم من أن الأجيال الأولى من المهاجرين جربوا إقامة الجمعيات والمراكز الثقافية، فإن هذا العمل شهد نقلة أخرى مع انخراط الطلبة في الأعمال والأنشطة المتعددة في نطاق الجالية.
وتمت مع الموجات المتأخرة من المهاجرين إقامة عدد من المنظمات في كل من برمنغهام وليفربول وشيفيلد ومانشستر وكاردف ونيو بورت ولندن وغيرها من المدن البريطانية.
وفي فترة من الفترات كانت الحكومة اليمنية ترسل بعض المساعدات المادية العينية لدعم أنشطة الجاليات، خاصة ما يتعلق منها بتعليم اللغة العربية ومادة الدين، غير أن عدة متغيرات حالت دون استمرار الدعم من الجانب الحكومي، وفي مقدمة هذه المتغيرات الظروف الاقتصادية التي مر بها البلد.
وعلى الرغم من تقديم تلك المنظمات خدمات معينة لأبناء الجالية في المهجر، وعلى الرغم من حصول الكثير من هذه المنظمات على دعم مادي من الحكومة البريطانية، فإن كثرة الصراعات على إدارة هذه المنظمات وقلة الكوادر المدربة لديها وشخصنة العمل الجماعي، وإنشاء مؤسسات لخدمة القائمين عليها في المقام الأول، كل ذلك أدى إلى إهدار الكثير من مواردها المادية دون تحقيق الأهداف التي صرفت لأجلها الأموال لهذه لمنظمات.
وبعيدا عن الطلبة اليمنيين الذين جاءوا للدراسة في الجامعات البريطانية من اليمن، توجد اليوم نسبة لا بأس بها من أبناء المهاجرين اليمنيين أو أحفادهم في عدد من الجامعات البريطانية، كما يوجد عدد من اليمنيين الذين يعملون في وظائف الطبقة الوسطى في المجتمع البريطاني مثل الطب والهندسة والمحاماة والتدريس وغيرها من الوظائف الحكومية والخاصة.
* نجوم خلف الضباب
* اللافت للنظر أن المهاجرين اليمنيين من أبناء الجيلين الثاني والثالث في بريطانيا إذا ما قورنوا بنظرائهم من المهاجرين اليمنيين من الأجيال ذاتها في دول مثل ماليزيا وإندونيسيا، فإن الفارق شاسع للغاية. ففي الوقت الذي حقق فيه المهاجرون اليمنيون في ماليزيا وإندونيسيا - مثلا - مكانة اجتماعية واقتصادية، بل وسياسية مهمة، فإن نظراءهم في بريطانيا لم يصلوا إلى ما وصل إليه هؤلاء المهاجرون في شرق آسيا، الذين أصبح بعضهم وزراء، بل رؤساء وزراء في بلدان المهجر التي أصبحت بلدانهم الدائمة.
طبعا هناك عوامل ثقافية واجتماعية وسياسية وبيئية مختلفة - ليس هذا مجال حصرها - أدت إلى وجود هذه الفروق بين الجاليات اليمنية في شرق آسيا، والأخرى في غرب أوروبا.
ومع ذلك فإن بعض الشخصيات اليمنية من الأجيال المتأخرة قطعت شوطا لا بأس به في مجتمعها الجديد في بريطانيا، وأصبح لها دور في النشاط الثقافي والاجتماعي، ضمن إطار الجالية والمجتمع الذي يعيشون فيه.. «الشرق الأوسط» التقت بعض هؤلاء الذين يشكلون فصلا آخر من رواية اليمنيين في بلاد الضباب.
محمد لحسون، فنان تشكيلي يمني، يعيش في شيفيلد، شارك بلوحة فنية رسمها للملكة أروى بنت أحمد الصليحي بطلب من قسم التحف الفنية في متحف شيفيلد. يقول محمد لحسون: مكثت سنتين أبحث في تاريخ الملكة أروى في المصادر التاريخية، حتى أرسم صورتها في رأسي، كنت أنام وأنا أحلم بالملكة أروى، ومن كثرة ما تحدثت عنها بدا للآخرين، أو لي على الأقل، أنني مقدم على الزواج بها. بعد ذلك بدأت مرحلة رسم الملكة، دخلت مقصورة الملكة بشيء من الرهبة والمهابة، كنت أقضي الليالي الطوال مع لوحة أروى في إحدى غرف البيت التي تحولت إلى مرسم، أو قل أصبحت مقصورة ملكية، لم يكن يؤذن لأحد غيري بالدخول إليها.
بعد أن أكملت اللوحة - يواصل لحسون - أحسست أنني قد ولدت الملكة أروى، كنت مثل بيجماليون، الذي رسم رسمة ذات يوم، ثم وقع في غرام ما أبدعت يداه، هل قلت إنني كنت شاعرا شعر بإنجاز آخر كلمة في قصيدته مع وضع اللمسة الأخيرة في لوحة الملكة أروى.
حققت هذه اللوحة حظها من العيون التي طافت بها من مختلف الأجناس بعد أن تربعت على إحدى عتبات القسم الخاص بالمقتنيات الثمينة في متحف شيفيلد الوطني. شعرت بالسعادة الغامرة وأنا أرى عملي يلقى عناية خاصة من قبل القائمين على المتحف، بعد أن تم وضع لوحتي ضمن قسم المقتنيات واللوحات الثمينة التي يحويها هذا المتحف. زارها الكثير وكتب عنها الكثير، عن هيئة اللوحة وملامح الملكة وألوان ثيابها الملكية، حرصت على أن لا تكون لوحتي صورة فوتوغرافية للملكة أو ترجمة حرفية لسيرتها، ولكني أسقطت على اللوحة الصورة التي رأيتها في أحلامي للملكة.
للفنان لحسون غير لوحة الملكة أروى عدد آخر من الأعمال الفنية، منها على سبيل المثال لوحة «قصر الحجر» و«الأم» و«الأمهات» وغيرها من اللوحات التي أبرزت فنانا موهوبا مسكونا باليمن الأرض والتاريخ والحاضر.
ومن شيفيلد إلى ليفربول حيث التقت «الشرق الأوسط» وهبية محمد علي، التي تعمل طبيبة نساء في مستشفى النساء بليفربول، وهي التي بدأت الحديث بالقول: جاء أبي إلى هنا سنة 1960 من محافظة تعز في اليمن وعمل في مصنع طيلة أيام عمره. ونجحنا بفضل الله أولا ثم بفضل تشجيع أبي وإخوتي وأساتذتي، درست في الجامعة، والآن أعمل في واحد من أهم المستشفيات في بريطانيا.
* قلت لها: وماذا بعد؟
- قالت: كنت أشعر بالأسى عندما أنظر لحال الجالية اليمنية في بريطانيا، وعدم تمكن أبنائها من اقتحام المؤسسات التعليمية والاستفادة من التسهيلات الموجودة في البلد، على الرغم من أنها أقدم جالية في بريطانيا، وكنت أقارن بين ضخامة الإمكانات هنا وحظوظ اليمنيين في بلادهم، فدفعني ذلك للجد واغتنام الفرص الممكنة.
* قلت: هل تشعرين بنوع من التمييز في إطار العمل؟
- قالت: لا. لأنني متمسكة بهويتي العربية الإسلامية؟
* قلت: غريب.
- قالت: وما الغريب في ذلك؟.. هناك فكرة خاطئة. لن تستطيع الاندماج في المجتمع ما لم تبرز هويتك الثقافية حتى تكون معروفا بها في مجتمع يقبل تعدد الثقافات ويحترمها.
* قلت: هل تتعرضين للمضايقات في إطار العمل؟
- قالت: بشكل عام لا. أنا أعمل في وسط مهني ينتمي إلى الطبقة الوسطى المثقفة، وما نسمعه من حكايات عن معاداة الأجانب يكون عادة لدى طبقات المجتمع الشعبية، وليس عند الذين قطعوا أشواطا علمية أو وظيفية. ومع ذلك فنحن الذين نحدد الطريقة التي يتعامل بها الآخرون معنا. أذكر أنني دخلت مرة على مريضة، فوجئت بي، ولمست فيها نوعا من النفور مني، وأحسست أن السبب أنها وجدتني مختلفة. تألمت بالطبع، ولكن مكثت معها طول فترة وجودها في المستشفى، أقوم برعايتها على أكمل وجه. وعند خروجها من المستشفى ذكرت لي أنني عاملتها بطريقة أفضل بكثير من بقية الطاقم، وكانت في نهاية المطاف في غاية الامتنان لي.
* قلت: والإسلاموفوبيا؟
- قالت نحن مسؤولون عن جانب كبير منها، نحن نعطي الذين يتصيدون الأخطاء الفرصة مع الاعتراف بوجود عنصريين يمثلون أقلية صغيرة في المجتمع البريطاني.
* الجالية اليمنية والمطارات
* شيء طبيعي أن تتأثر كل جالية بالأحداث التي تجرى في بلدها الأصلي. ومن أكثر ما تأثرت به الجالية اليمنية في بريطانيا قصة عمر الفاروق عبد المطلب، الطالب النيجيري الذي استهدف طائرة خطوط الشمال في محاولة لتفجيرها فوق سماء ديترويت في الخامس والعشرين من ديسمبر (كانون الأول) من العام الماضي.
فعلى الفور صدر قرار بريطاني بإيقاف رحلات الطيران اليمني من وإلى بريطانيا، بحجة عدم وجود إجراءات أمنية كافية لدى الجانب اليمني، والحاجة إلى التوافق مع معايير السلامة الأوروبية، حسب رواية أخرى. المهم أن الكثير من اليمنيين الذين كانوا يسافرون على الخطوط اليمنية لم يعد بإمكانهم ذلك. ثم إن الإجراءات الأمنية المشددة التي يعانون منها في المطارات البريطانية توحي لهم بشيء من التمييز ضدهم.
شكى الكثير ممن رفضوا ذكر أسمائهم من ساعات طويلة يقفونها للتدقيق في أوراقهم وحقائبهم في مطارات هيثرو ومانشستر وبرمنغهام وغيرها من المطارات البريطانية. وعلى كل، فهذه كانت وقفة على أوضاع جالية عربية يقول المهتمون بشأن الهجرة إلى بريطانيا أنها أول جالية مسلمة دخلت بريطانيا، بكل ما في القصة من آلام وأحزان وإخفاقات ونجاحات.
قصة صاغها الإنسان اليمني بدمه وعرقه واغترابه الأزلي الذي تحدثت عنه المصادر التاريخية والدينية، وتحدثت عنه النقوش والرُقم الأثرية القديمة، هي مجرد تنويعات مختلفة لألحان جدهم القديم الشاعر امرئ القيس الذي رحل إلى بلاد القيصر طالبا نصرته في حربه لاستعادة ملك أبيه، فلما بعدت به الدار قال:
* بكى صاحبي لما رأى الدرب دونه - وأيقن أنا لاحقان بقيصرا
* فقلت له لا تبك عينك إنما - نحاول ملكا أو نموت فنعذرا
* وفي طريق عودة امرئ القيس أحس بدنو أجله فقال مخاطبا حمامة ناحت بقربه، وهو يمر بجبل اسمه عسيب دفن إلى جواره فيما بعد:
* أجارتنا إن الخطوب تنوب - وإني مقيم ما أقام عسيب
* أيا جارة إنا غريبان ها هنا - وكل غريب للغريب نسيب * وبين أمل امرئ القيس في قصر القيصر وخذلان القيصر له تتسطر فصول التغريبة اليمانية على إيقاع جديد ولكن بتقاسيم متشابهة.
* جلسة «قات» في الهايد بارك
* على الرغم من أن القات عادة سيئة فإن اليمنيين في المهجر البريطاني أخذوا معهم أحلامهم وطموحاتهم وقاتهم كذلك إلى البلاد الجديدة التي أصبحت وطنهم الجديد.
يمارس كثير من أبناء الجالية مضغ القات يوم السبت في (مقايل) شخصية، أو في أماكن أعدت لأغراض التجمع وتجاذب أطراف الحديث، والخوض في المواضيع السياسية تماما، كما يفعلون في صنعاء أو غيرها من المدن اليمنية.
ولعل للقات أثره البالغ في أن أبناء الجالية اليمنية أكثر انكفاء على أنفسهم، حيث يجتمعون ببعضهم في الحفلات والمهرجانات دون أن تتهيأ فرصة للالتقاء بالآخر، سواء أكان هذا الآخر عربيا أم بريطانيا.
ولعل بريطانيا من بين البلدان الغربية القليلة (ربما هي الوحيدة) التي تتسامح في دخول القات عبر المطارات والمنافذ الرئيسية، على الرغم من مناقشة موضوع القات في البرلمان البريطاني عدة مرات دون أن يؤدي ذلك إلى حظر دخوله البلاد، وهو ما أدى إلى انتشار عادة مضغ القات بين أعداد متزايدة من اليمنيين داخل بريطانيا، حتى ممن ينتمون إلى ما يسمى بالجيل الثالث من أبناء أو أحفاد المهاجرين اليمنيين. وبالإضافة إلى أيام السبت فإن تناول القات يتم أيضا في حفلات الزواج وفي المناسبات الدينية والاجتماعية الأخرى.
وتعد إثيوبيا واليمن أهم بلدين يأتي منهما القات إلى بريطانيا بكميات كبيرة في أيام مختلفة من الأسبوع، وكانت شركة الخطوط الجوية اليمنية تنقل من صنعاء 400 كيلوغرام من القات إلى بريطانيا مرتين في الأسبوع، وفي رمضان تتضاعف الكمية.
أذكر أنني التقيت صدفة مصلح محمد قاسم، الذي كان يتناول الوريقات الخضراء في عصرية أحد أيام أغسطس (آب) في يوم سبت جميل على ضفة إحدى البحيرات الرائقة في الهايد بارك.
- يقول مصلح: آتي إلى هذا المكان في كثير من الأحيان عندما يكون الجو مناسبا، الجلسة هنا لها طعم آخر. وأضاف - ضاحكا - «الماء والخضرة والوجه الحسن والقات» كلها تمسح عنك عناء أسبوع كامل من الكد والتعب.
* قلت ولكن ألا تشعر بالحرج وأنت هنا في مكان عام؟
- قال: لا، أنا أفعل لي غصنين (أتناول غصنين) من القات، والذي يراني يظن أنني أمضغ العلك، ومع ذلك فأنا لا أتناول محظورا، حسب القوانين البريطانية.
* قلت: ماذا تفعل في لندن؟
- قال: أعمل في دكان لبيع المواد الغذائية، وأحيانا أعمل في ال«تيك أواي» مطاعم الوجبات السريعة.
تمنيت له تخزينة (جلسة قات) هانئة وتركته لقاته ونظراته الشاردة.
وفي ليفربول التقيت علي سليم الذي يقول: القات هو «الخمر الحلال»، نحن لا نشرب الخمر، ولذلك فلا ضرر من تناول الورقات الخضراء ساعة من نهار، في يوم سبت للالتقاء بالأصدقاء، والتحدث فيما يهم أمور الجالية اليمنية. ويواصل علي، أنا لا أرى أن في القات مانعا، هو ليس مخدرا ولا ضارا بالصحة، ومن فوائده أنه يساعد على اختلاط الناس ويسهل التعارف فيما بينهم. وأنا عندما أتناول القات أبدأ بالدعاء: «اللهم اجعله علاجا للرأس ودواء للأضراس».
* قلت له من أين لك بهذا الدعاء؟
- قال (ضاحكا): هو دعاء يرويه أصحابنا؟
* قلت من أصحابكم يا شيخ؟
- قال ضاحكا: المخزنون (الذين يتناولون القات)، اسأل علي عبده.
والتفت إلى علي عبده الذي بادرني ضاحكا: كما نتداول أيضا القول الآخر: «القات قوت الصالحين».
غير أن أمل محسن تعارض بالقول: القات آفة لاحقت اليمنيين إلى داخل بريطانيا. ليس للقات أي فائدة، على العكس هو مضر بالصحة، ومهلك للمال، وباعث على التفكك الأسري. الأسر التي يمضغ فيها الأب القات، أسر لا تلقي بالا لرعاية الأطفال، ولا يهتم الرجل فيها بشؤون زوجته وأطفاله. الوقت الذي يقضيه رب الأسرة مع الأصدقاء هو من حق الزوجة والأولاد. كثير من حالات الطلاق وضياع الأسر كان باعثها الحقيقي هو انشغال الأب في مضغ القات مع الأصدقاء على حساب احتياجات الأسرة والأطفال. وتضيف أمل: وفوق ما تقدم من مساوئ القات، فإنه يمثل عادة غير حضارية، خاصة أن البعض يمشي في الشارع منتفخ الشدق، وربما الشدقين غير آبه بنظرات الاستهجان من قبل المارة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.