عندما تزور بيروت ستجد الناس في حالة ترقب لما ستتمخض عنه الأزمة الراهنة التي تنتظر مفاتيح حلولها من دول إقليمية ودولية. السياسيون هناك يدقون طبول الحرب لكي تستمر مصالحهم، قال لي سواق التاكسي: أنا مواطن سُنِّي وزوجتي شيعية، ليس لدينا مشكلة كمواطنين، نحن نحب المسيحيين وهم يحبوننا، لكن السياسيين لا يريدون لبنان يستقر، فلو استقر فإن مصالحهم سوف تنتهي، واستمر يحكي بمرارة قائلاً : عندما أنظر إلى ابنتي الصغيرة في الصباح الباكر أشعر بالحسرة والمرارة، ولست أدري ما الذي ينتظرها في الغد وما الذي استطيع أن أقدمه لها في السنوات القادمة، ثم أسأل نفسي: ترى هل تساءل القائمون على هذا الوطن ما الذي قدموه لأبنائهم الصغار حينما يكبرون بعد عشرين سنة؟ وعلى ضوء هذا السؤال هل سألوا أنفسهم ما الذي قدموه لهذا الشعب ؟ قلت له: ياعزيزي كلنا في الهم شرق، فأنا قادم من بلد توحد منذ عشرين عاماً وأعاد الأمل للشعوب العربية بالوحدة، لكن هناك من ارتدّوا إلى سيرة أجدادهم الذين كانوا يصنعون آلهتهم من التمر حتى إذا جاعوا أكلوها. سألت نفسي وأنا أحدق في وجه السائق: ما الذي يريده المواطن في بلادي، فجاءت الإجابة بسيطة بساطة مطالب هذا المواطن الذي يريد أن تكون واحة للديمقراطية وأن تتحول إلى نبتة صالحة للزراعة في بلدان أخرى، وأن تكون حاملة لمشعل التغيير في هذه البقعة من العالم، يحلم بأن تتوفر له الحدود الدنيا من الحياة الأمنية، يحلم بلمعة ضوء يضيء له الطريق ليتعرف على مكانه حتى لا يتوه في هذه الرقعة من الأرض. يحلم بأن يتوقف أولئك الذين يتغنون بالوطن ويرفعون شعار الوطنية وهم في الحقيقة يغتالون الهوية والوطنية ويطفئون لمعة الضوء التي لمعت في 22مايو 1990م. نعم أحلام المواطن اليمني بسيطة ، فهو لا يطالب الفاسدين بأن يشنقوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف، وإنما يطالبهم فقط بألا تمتد أيديهم إلى البنية التحتية وأن يحافظوا عليها كما يحافظوا على فللهم وبيوتهم. يطالب بخفض منسوب الفساد ، لا يطالبهم بأن يعيدوا المؤسسات التي يغتصبونها للكفاءات، بل يطالبهم بأن يسلموها للأقل إفساداً. لقد حملوا هذا الوطن داخل حقيبة ورحلوا به نحو الماضي نحو ما قبل النظام والقانون ، جعلوا مجالس القات أهم من مجلس النواب ومجلس الوزراء ، أقاموا علاقات غير طبيعية وغير إنسانية .. مؤسسات هذا البلد تسير على غير هدى، لاصطدامها المتكرر بصخور القبيلة والعشيرة. يحاول المواطن اليمني أن يمُنِّي نفسه بحياة كريمة ، لكنه يصطدم بأولئك الذين يتسولون الأموال من دول إقليمية ويعبرون بهذه الأموال في حقائبهم الديبلوماسية عبر بوابة مطار صنعاء، في حين لو عاد مثقف يحمل في حقيبته كتاباً فإنه يتعرض لمصادرة هذا الكتاب. ولست أدري متى تعترف الأحزاب السياسية المغلفة بالقبيلة والايديولوجية والمنطقة، أنها قتلت الديمقراطية وذبحت الوطن، ومتى يعترف المثقفون والمفكرون بأن انقسامهم بين السلطة والمعارضة قد جعلهم يصبون الملح على الجرح بدلاً من وضع العلاج ؟ لم يسأل الذين يزعمون أنهم يحبون هذا الوطن ما الذي قدموه لهذا الشعب، وهل سألوا أنفسهم هل ما يفعلونه سيجعل أبناءهم ينعمون بالاستقرار وسط هذا الشعب ؟ وأنا لا أشك أنهم يفكرون بتأمين مستقبل أبنائهم ، لكنهم حتماً غير قلقين على مصير المواطن العادي، فأبناؤهم يحملون جنسيات بلدان أخرى، فلربما صنعوا لأنفسهم حياة جديدة في باريس أو واشنطن أو لندن فجوازاتهم تقيهم تقلبات الزمن في اليمن. وطن حائر وأحزاب لا تملك رؤية للحوار أو الحل ، وبالتالي كيف يزعمون أنهم يحبون الوطن ويحبون استقراره؟ أحزاب لا تملك رؤية للحل في بضعة أشهر فهل تملك رؤية للمستقبل ؟ لم يبق أمام العقلاء إلا أن يشكلوا كتلة تاريخية تعبر عن الأغلبية الصامتة وتنتصر للدستور والقانون. a [email protected]