عندما نتحدث عن الحراك في المناطق الجنوبية وكيفية إخراجه من مناطحة الصخور إلى مناطحة العقول فحدث العاقل بما يعقل.. وهذه إحدى المعضلات في الحراك الذي يعيش سباقا محموما للسيطرة عليه من قيادات الخارج والذي بلغ عدد هيئاتها ومجالسها عدد محافظات الجنوب، إن لم نقل عدد مديراته وقد تصل إلى ما يوازي دول الكومنولث عددا وليس عدة، وقريبا إن استمرت بهذه الوتيرة فقد يكون لكل قرية مجالس، موزعة إلى مشاريع، وكل مشروع يناقض الثاني..! وبما إننا قريبين جدا من تلك المناطق فنحن أكثر قربا لفهم عقلياتهم فإننا ندرك جيدا ضرورة الترشيد والبحث عن رجل رشيد ينقذ الحراك من همجية الخارج حتى لا تتحول المسألة إلى مجرد تنفيس تروح ضحيتها بشر ليس لهم ذنب سوى أنهم صدقوا خطابات وبيانات مثل هذه القيادات من جهة، وورقة سياسية يتاجر بها السياسيون في الداخل ليظهروا أنفسهم بالوطنيين أو أصحاب كلمة حق بينما الحقيقة "كلمه حق يراد بها باطل". قبل الخوض فيما يقوله الحراكيون ومشاريعهم علينا التمعن جيدا بالسباق المحموم بين القيادات لقطف ثمار تلك الاحتجاجات التي خرجت فعلا- لا قولا- من سياسة خاطئة للحكومة.. فلا يعقل أن تتصرف دولة بكامل أجهزتها ولسنين طوال على أساس فردي وموالات لأفراد ومشيخات وتضرب بعرض الحائط سكان المنطقة بكاملها الذين تضرروا بشكل كبير جدا من حرب 94م، كون هيكل الدولة الشطرية بكاملها كان من تلك المناطق ورميت بكاملها إلى قارعة الطريق.. وهنا أشير إلى "الطغمة والزمرة" التي كرستهما دولة الوحدة بعد حرب 94م ونقلتهما من الدولة الشطرية إلى دولة الوحدة حرفيا سواء بقصد أو بدون قصد، حتى وصلت الأمور إلى ما هي عليه- بدأت باحتجاجات حقوقية ولكثرة الضغط عليها وكثرة المتاجرين بها تحولت بدون إدراك إلى معضلة ومشكلة خلطت بين كل الحقوق والمشاريع في طبخة يستحيل أن تنضج أو تصلح لأكلها. وهنا فان المشكلة لها جذور حقيقة وليس لديها رأس يقننها سياسيا ويحاول أن يسقطها على مشروع وطني شامل ويعالجها في إطار المشروع الوطني الحالي لليمن.. بل تركت لمن أراد أن يتلاعب بها، وقد يكون هذا الخطأ الثاني الذي يمارس اليوم بسبب قيادات الخارج، فتحولت من احتجاجات جماهيرية حقوقية إلى تيارات انفصالية تأخذ بالعنف أحيانا والسلم أحيانا، وتسيرها مجموعة رؤوس كيفما تقتضي مصلحتهم وأفكارهم.. وكله طبعا يسجل باسم الحراك.. ودخلنا في حرب إعلامية حكومية لمواجهة قيادات الخارج أيضا بنفس الخطأ القديم وترك الداخل من قبل الدولة لوجاهات قد توقفها حتما بشكل مؤقت ولن تنهيها على الإطلاق، وهذا ما تفعله تلك الوجاهات دوما في عموم اليمن. للأسف فان قيادات الخارج من المعارضين وجدت في الحراك الفرصة الذهبية للدخول باسم الحراك الذي لم يكن لهم فيه ناقة ولا جمل ولا تأثير يذكر إلى معترك الحياة السياسية التي أدمنت عليها. وبرغم إن كل الشخصيات كانت في فترات وحدوية حتى النخاع وصانعة للوحدة سواء من خلال المشاركة في الدستور قبل الوحدة وانتهاء في التوقيع عليها، فكلهم شاركوا بشكل أو بآخر في تواريخ قديمة إلا أنهم وبرغم حذر البعض منهم فأنهم هم الآخرون لم يدركوا طبيعة الحراك نفسه وما هي أولويات الحلول التي تصب في صالح الاحتجاجات نفسها واحترام أسباب خروجها والأسباب الحقيقة لانطلاقها بل تبنوا الأفكار التي تخدمهم هم أنفسهم كفرصه أتيحت لهم للنيل من خصوماتهم مع النظام من جهة وخصوماتهم الشخصية من جهة أخرى ضاربين عرض الحائط الأسباب الحقيقية للاحتجاجات نفسها فلم يستغلوها كفرصة ويتصالحوا مع التاريخ الذي افسدوا كتابته بتصرفاتهم الرعناء على مدى سنين طوال، فيصبح فرصة سانحة لإصلاح ما خلفته سياساتهم الخاطئة سابقا، وحينها سيخرج اليمن بكامله منتصرا. فتلك المناطق ستستفيد بشكل كبير كونها المتضرر الأكبر في حرب 1994م وما قبلها من يناير بسبب تلك السياسات. غير إن الواقع يقول أنهم ركبوا الموجة ووجهوا الحراك إن لم نقل أنهم قتلوه مع سبق الإصرار والترصد.. كلهم لا نستثني منهم أحدا.. هذه النوعية من السياسة أجدها غير أخلاقية ولا تمت لأبجديات السياسة التي تعتمد الإصلاحات وليس المستحيلات. ويبدو أنهم لن يتورعوا كثيرا حتى وان وصلوا حد الاقتتال وهذا ما يشعر به حاليا معظم الحراكيين وان لم يعلنوه. وحتى أوضح فكرتي، أن الحراك لم يصنعه على سالم البيض ولم يصنعه على ناصر أو محمد علي احمد أو العطاس او الحسني او النقيب او الفضلي فكلهم أسماء ركبت على الحراك كركوب الموجة فيجب أن نسمى الأشياء بأسمائها فهده الأسماء لها من الأحمال مالا يستطيع بشر حمله وهذه حقيقة ومن ينكرها يغطي الشمس بغربال، ولن يضيفوا أي جديد سواء للحراك او لليمن اللهم أن ساعدا في إصلاح ما خربته الأيام.. أما غير هذا فيعد ضربا من مستحيل.. هنا يجب ان نعطي الصورة لمن هم صانعي الحراك الحقيقيين وليس المتشعبطين كما هي العادة.. الحزب الاشتراكي والإصلاح المؤسسان الحقيقيان للحراك نكاية بالنظام لاتفاق سابق تم فيما بينهم، هذه سياسة ولها أبجدياتها وخرجا من المعمعة كما يقال بلا حمص بسبب التصرفات الرعناء لقيادات الخارج التي يبدو انها لا تدرك شيا من فنون السياسة غير الشتم والقذف والتخوين لكل من خالفها والقتل لو لزم الأمر.. فخرج الإصلاح مع الاشتراكي وأصبحوا خصوم من كل الجهات ولم يستفيدا شيا يذكر سواء لهما كجهة سياسية أو لمناطق الحراك نفسها بل تحول الحراك إلى وصمة عار في سياسة الحزبين وتهمة جاهزة لرفعها وقت اللزوم في وجهيهما من قبل النظام ولا يستطيعان النفي او الانكار وحتى الإقرار بدورهما فيه.. أصبح يشكل لهما معضلة وطنيه قد تصل حد التخوين.. كل هذا بسبب على سالم البيض وحساباته الخاطئة دوما وتسرعه في إطلاق العنان لأفكاره بدون مراعاة طبيعة المشكلة التي ساهم هو شخصيا بوجودها من العدم.. ثم تلاه- ولو على خجل- على ناصر الذي أطلق مشروع التصالح والتسامح وهي عبارة كاذبة إذ لا وجود لأي مشروعية لها على الأرض، فإسقاط جثث آلاف البشر بتصريح ودعوة فيها استهزاء للبشر أنفسهم برغم أن دعوته في الأساس هي لفتح الباب لنفسه شخصيا ولأنصاره في الولوج إلى قطف نصيبهم من الحراك الجماهيري وعدم ترك خصمه على سالم البيض يستحوذ على كل شي.. هذه هي الحقيقة كما هي!! ووضع قدم ثم تلاها رويدا رويدا حتى أصبح رقم يوازي رقم البيض في الميدان ولن يجد أي غضاضة في إطلاق تصريحات اكبر من تصريحات البيض إذا تطلب الأمر ذلك لمزاحمة البيض والإجهاز عليه برغم أن له اتصالات مع النظام ولم تنقطع يوما بعكس خصمه الذي لا يتمتع بأي اتصالات. وهنا فمناطق ردفان لحجأبين مرشحة بسبب هذه القيادات أن تعيش سنين مثل صعده التي كانت تتحكم بها ثلاث تيارات ولم تنته إلاّ بالحروب الستة. استطيع اليوم أن اجزم ان صعده ستعيش بسلام برغم التأخير الذي استمر خمسون عاما برغم فداحة الخسارة لكن السلام أصبح مطلب لا يمكن تغافله في صعده، وهي تجربة ناظرة للعيان وشاهد حي، فما الذي سيقدمان لمناطق لحج الضالع أكثر مما قدمه الحوثي يا ترى؟ هنا مكمن السؤال الأهم لمن فيه عقل لبيب ويفهم كون ما يستطيع على سالم البيض وعلى ناصر أن يفعلاه في تلك المناطق غير صعده جديدة إذا لم تغير الدولة سياستها وتعمل على تغيير حقيقي في هذه المناطق وتعالج مشاكلها بشكل جدي وليس ترقيعي ورتبة وسيارة، حتى أصبح عدد وكلا محافظة واحده يفوق عدد رجال الشرطة فيها..! هنا نصل إلى الخلاصة أن القيادات الحالية التي تصر على أنها قيادات شرعيه تسببت بكوارث سابقا وتعيد نفس الكوارث في هذه المناطق وكان الأولى بها ان أرادت التدخل ان توجه من البداية وتدعم استقرار هذه المناطق وتاخد حقوقها وتعيش بسلام. هذا النوع من السياسة سيكون كفيل بدفن أحقاد الماضي ويغني عن تصالح وتسامح مع مرور الوقت.. وكان الأولى بها الدفع بدعم الاشتراكي والإصلاح حتى يكون لديهم ورقه ضغط من خلالها تطرح الحلول بواسطتهم فلم يعد بمقدور الإصلاح أو الاشتراكي أن يطرح أي بنود أو حتى الطلب بإشراكها في الحوار الوطني بخصوصها اللهم على استحياء كونها أحرقت نفسها بنفسها لتصبح خارج الإجماع الوطني برمته الذي يقر ويختلف حول هذه القضايا.. بل إن تمكن المشترك طرح بعض القضايا لهذه المناطق ستكون على استحياء ومن باب العيب ليس إلا..!! أليست هذه الحقيقة التي يجب أن تقرأ بعناية وان نقول لهذه القيادات انتم سبب بلاء هذه المناطق سابقا ولاحقا ومستمرون حتى اليوم بما فيها مناطقنا (المناطق الوسطى) التي شهدت هي الأخرى نوعا من سياساتهم الفاشلة والتي لم نسمع لفخامة الرئيس على ناصر محمد مشروعا تصالحيا وتسامحيا لها برغم أن ما فقدته من أبنائها يفوق ما حصدوه في يناير بسبب تصرفاتهم هم أنفسهم.. وتلك قضيه أخرى لا ادري هل أسقطها سهوا أم عمداً..!!