نبا نيوز - الشيخ / الحسين بن أحمد السراجي* - الحوار ... الحوار ... الحوار ... كلمة باتت كثيرة الاستعمال ومتداولة هنا وهناك عبر هذه الوسيلة أو تلك، طرف يدعو إليه وآخر ينادي به وبضرورة تفعيله, وغيره يرفضه طارحا شروطه، ومع كل دعوة لالتئامه والجلوس على طاولته، تظهر تباشير فشله، فالمجتمعون المتحاورون– الذين لم يجتمعوا ولم يتحاوروا بعد- أجمعوا إجماعاً كاملاً على فشله – وفق تحليلات ورؤى المتابعين والمحللين - بعد أن كانوا السبب الأساس والمباشر لهذا الفشل. يعيش المجتمع متماشياً مخدوعا تارة وغير مستوعب تارة وفاقدا الأمل تارات رغم هالة التضخيم الإعلامي للحوار ، يترقب النتائج التي صارت مؤخراً في نظر غالبه على الأقل محسومة سلفاً. مشكلتنا كمتحاورين تكمن في المصالح ولغة الأرقام ، وإرادة فرض الآراء وفق المصالح والحسبة ، واللعب على المتناقضات وحب الظهور والتنظير وفي بعض الأحايين الإرتباطات والإملاءات – التدخلات الإقليمية والدولية - الخارجية ، ليس في اليمن فحسب وإنما في غالب إن لم يكن كل دول العالم الثالث , فلا يخلوا المتحاورون من مصالح وارتباطات هنا أو هناك ، وبالتالي فالإملاءات وإرادة فرض الرغبات والأهواء وأساليب الضغط ترغيباً وترهيباً ، جزء مهم من اللعب بورقة الحوار. وطنية الحوار : أي حوار سياسي أو ثقافي أو فكري أو ديني أو مللي ضماناً لنجاحه . فإن المتحاورين يجب عليهم أن يعملوا من أجل تهيئة الأرضية الخصبة القابلة للطرح والنقاش ، الضامنة للنتائج والثمار ، والإعداد لتنقية الأجواء وتهيئتها لملاءمة المزروع خوفاً من الآفات التي تتابط شراً للفتك به مع وجوب إصلاح النيات والإخلاص لله تعالى والولاء للأوطان وحبها وهذا أولا. وثانيا : لا بد أن ينظر المتحاورون إلى المصلحة العامة ، فلا مصالح خاصة إذ مصلحة الوطن والمجتمع في الحوار السياسي ، ومصلحة الدين في الحوار الديني والفكري , ومصلحة البشرية عامة في حوار الأديان. هذا هو الأساس وهو ما يجب أن يكون فوق كل اعتبار , فإذا ما توافرت الإرادات الصادقة والنيات المخلصة والرجال العقلاء الحلماء الحكماء فإن هذه العوامل كفيلة بإنجاح أي حوار يقع بين السلطة والمعارضة ، أو بين أي شركاء أو فرقاء بين مذاهب أو أديان , منظمات ثقافية أو مدنية ، أشخاصاً كانوا أو جماعات , في اليمن أو أي بلد آخر. هذا هو الكفيل بالقضاء على الأزمات والتوترات , والتجاذبات المختلفة ، والقضاء أيضاً على مسببات التنازع والخصومات التي وللأسف الشديد أفرزت لنا طوائف وأحزابا وجماعات وكيانات ومسميات تدفع نحو منحدر الهاوية السحيق . من المؤسف سماع دعوات حوار لا تتوافر له أيٍّ من عوامل النجاح ، وإنما عناد ومناكفات وبيانات وتشنجات وتصيُّد عثرات واقتناص هفوات من طرفي الحوار المدعو له ، مما يدعو للتشاؤم والتقليل من فرص نجاحه أو التفكير في حوار بنَّاء يراعي مصالح الوطن ويقتطف ثماره الطيبة المواطنون في كافة ربوعه. أزمة الحوار : لربما نعاني من مشكلة نفسية ومرض باطني ، لم نستوعب قول الله تعالى لعيسى عليه السلام في واحدة من الوصايا الربانية الخالدة : " يا عيسى إغسل بالماء منك ما ظهر وداو بالحسنات منك ما بطن". لذا فمعاناتنا كمتحاورين ربما تكمن في : • تعسف الأراء والأفكار . • التحجر في عدم قبول الأخر والانغلاق على النفس . • المصالح الخاصة . • إدِّعاء الكمال والإعجاب بالرأي . وكل واحدة من هذه العوامل كفيلة بالقضاء على أي حوار ، فكيف لو كانت مجتمعة ؟ في الماضي ونظراً لشيوع هذه العوامل كأخلاق مجتمعية لم يجرؤ مفكر أو باحث مستنير على البوح بقناعاته أو ما وصل إليه تفكيره ونظره ، حتى لا يناله ما نال من سبقه من المفكرين والعمالقة الباحثين سجنا وتعذيباً ونفياً ومطاردة ومصادرة وتنكيلاً وكبتاً وحتى قتلاً ، ومن سلِم من ذلك أو بعضه فإنه لا يسلم من فتاوى التكفير والإرهاب الفكري التي تبيح الدم وتهدره وفي أدنى الأحوال تترك المستهدف في عزلة. هناك رؤية أحادية لا تقبل النقاش والمحاورة ، وهذه مشكلة من مشاكل العصر كما كانت في السابق وجزء من أزمة الحوار. إن المتابع للتاريخ الإسلامي فقط ، يدرك تماماً عمق الأزمة الحوارية الفكرية التي أفرزت علم الجرح والتعديل ، أو ما يسمى بعلم الرجال ، الذي كال التُّهم للمخالفين جزافاً ، وصل إلى درجة مُسِفَّةٍ من الشتم والسب والإتهام والتخوين والتبديع والتضليل. قاموس طويل من التجريح يعرفه من يطالع هذا العلم أو يعرف ولو شيئا قليلا من فصوله , نفس المشكلة تُعاد اليوم ، ومع كل أزمة وكأن التاريخ يُعيد نفسه كما يقولون. مأساة الجرح والتعديل هذه ليست مشكلة السياسيين فقط ، لكنها مشكلة عصيَّة لدى الفقهاء ورجال الدين . إنها المأساة بكل معاني الأسى ، تيار جارف تتهاوى أمامه دعوات المصلحين المستوعبين لخطر النزاع والصراع الذي زرعه العدو المشترك ، وتركنا في أوحاله وصار يتفرج علينا ضاحكاً من الملهاة اللامتناهية التي وضعنا نفوسنا فيها. لا أدري كيف يغيب عن علماء المسلمين أو بمعنى اصح أنصاف العلماء والمتعلمين وأدعياء الغيرة وحماية الدين والدين والذود عن حياضه الحكمة والموعظة الحسنة التي دعانا الله تعالى إليها والعمل بها في خطابه لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم ( أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن). وكيف تبدَّلت الآية من الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة إلى الدعوة بالغلظة والشدة والمجادلة بالتي هي أخشن ؟! وما هو المبرر لتلك الردود المتشنجة غالبا التي تطفح بها الكتب والكتيبات والنشرات والبيانات والمقالات المشحونة بالتهجم والتهكم والاستهزاء والسخرية والتجريح والطعن والإتهام وبين ظهرانينا تعليم الحق جل وعلا لنبيه موسى وهارون عليهما السلام في دعوتهما لفرعون " فقولا له قولاً ليناً لعله يتذكر أو يخشى" ؟ وأين بات العقل والتعقل الباحثان عن حوار هادئ وردود مقنعة مصحوبة بالحمل على السلامة " إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون". أمَا في سيرة النبي العظيم محمد صلى الله عليه وآله وسلم وتعامله وحكمته أسوة وقدوةً " لقد كان لكم في رسول الله أسوةً حسنة" ؟ فلماذا نتجاهل المنهج النبوي والسلوك المحمدي في ردودنا وحواراتنا؟ أتمنى العودة إلى محكم كتاب الله وصحيح سنة رسول الله عند كل خلاف لنتعامل وفق منهجهما المرسوم لسعادة البشرية وحاضر الكل عقول مستنيرة تعي المخاطر وتعمل لصالح الأوطان فالحلاف سنة الحياة , نختلف لنتفق لا لنختلف ويتسع الشرخ فيا ليت من يعقل !!! .................................................. *خطيب الجامع الكبير بالروضة - صنعاء