حينما ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الفاسدين، في كل أرجاء الوطن ، وقعت الواقعة ، وسرت شرارة التذمر والثورة ، من جميع أرجاء المنطقة العربية إلى اليمن السعيد الذي جأر من التعاسة والبؤس، في ظل غياب واضح للعدالة والمسئولية، وغلبة طبائع الاستبداد السياسي والإداري، وتنامي ظهور قوى فاسدة ، وجاهلة (من السلطة والمعارضة) ، استفادت من مؤسسة الرئاسة ردحاً من الزمن، وتم نهب الثروات والأراضي عن طريق الابتزاز تارة ، والتسول تارة أخرى ، والسطو والنهب تارة أخرى ، وبهذا اكتسبت هذه القوى الثروات الهائلة، والضياع ، والعقارات ،والشركات المتعددة الأغراض على حساب الوطن، وبسبب من ذلك إضافة إلى دعاوى المشيخ ، وتبعية القبيلة التي لم تدقق فيها السلطة كثيراً، وبسبب النفوذ المالي والإقطاعي، وبعض دعاوى الدين والتدين ، سلطت هذه القوى الفاسدة على الشعب اليمني ، فكانت فوق المعايير والقوانين، بسبب أنها تستطيع أن تجد عدالة الرئيس والوزير، والمدير في أي وقت، وهذا ما يفتقر إليه الشعب اليمني بأسره. وظلت هذه المنظومة الفاسدة المستبدة تنهب الأراضي ، وتسرق الأموال العامة، وتتقاسم مخصصات البترول، ونشئ شركات عملاقة متعددة الأغراض،و تنافس اليمنيين في مهنهم، وأعمالهم، وتجاراتهم حتى قضي على أغلب المهن والأعمال التجارية ، وأحتكرها هؤلاء ، بل أن بعضهم أستحل هذه الأعمال التجارية - سفاحاً - إلى جانب وظيفته العامة، و تقاسم هؤلاء مع المستثمرين المحليين والأجانب، ريع استثماراتهم بالقوة، وبالسطوة ،وبالسلاح ،والقبيلة في ظل غياب العدالة والمسئولية؟ ومن الطبيعي أن الثروة حين تنحصر في جيوب هؤلاء، يتفشى الفقر والبطالة، والجوع، وتنعدم الفرص والوظائف ،وتمسح الطبقة الفقيرة من الخارطة الاجتماعية تماماً إلا من تبقى يكابد الجوع والذل. والأعجب أن هذه القوى الفاسدة من السلطة والمعارضة صارت الوسيط الوحيد للتوصل لعدالة الرئيس والوزير والمدير العام ، فلا يستطيع أي مواطن أن يتوصل لحق من حقوقه ، مالم يكن له شيخ ، أو تاجر ، أو نافذ ، بل أن الدولة شرعت المحسوبية والوساطة ، فحسبت على كل فاسد مجموعة من الناس ، هو الذي يتحكم في أقدارهم ، ويزكيهم ، ويتوسط لهم ، وهو الذي يعينهم في وظائفهم ، أو يعلن في السر والخفاء عدم صلاحيتهم فيتعفنون في قعر النسيان، ومن هنا نشأ الاستبداد ، وغابت الشورى. ولما زاد الفساد وتجاوز الحد اختلف الفاسدون على الغنيمة اليمنية والمكاسب الوفيرة ، والمصالح الكثيرة التي اكتبست عبر سنوات من الظلم والاستبداد، وتكتل فاسدو المعارضة ضد فاسدي السلطة، (وهذه الكلمة نقولها لله ولمصلحة الوطن). وتجمعت المتردية والنطيحة وما أكل السبع ، الإماميون – والماركسيون الإنفصاليون الذين حاربهم وأدانهم الشعب- والحوثيون - والناصريون، والإسلاميون الذين للأسف الشديد اخترقتهم القبيلة ، واستهوتهم السلطة، ، والحراك والقاعدة (الذين شذ بعضهم عن الاشتراكي ، وبعضهم عن الإصلاح) ،وكلهم كانوا قبل ذلك يتسولون من الرئاسة ، ويتعاملون معها على أنها ليست شراً مستطيراً ، بل أن الرئيس علي عبد الله صالح كان المرشح الوحيد لحزب الإصلاح للفترة الماضية كلها. وقد كانوا لسنواتٍ خلت، يبنون الجامعات ، والشركات ، ويستثمرون على عقارات وأراضي الدولة،حتى خلت صنعاء وبعض المحافظات من الأملاك العامة، فبدءوا بالسطو على الممتلكات الخاصة، وقد كان بعض هؤلاء أعضاء في مجلس الرئاسة ،ونواب ، ووزراء ، ووكلاء ،ومحافظين ، وتجار ، ومقاولين ، وسماسرة ، ونخاسين ،ودعاة ، وكذابين، ومطبلين ومزمرين. وهكذا هم شركاء الظلم والفساد- كسائر الشركاء- يبغي بعضهم على بعض ، لكنهم حين يختلفون يظهر الحق ويزهق الباطل، وحين تطفو فضائحهم على السطح ، يظهر أن الخاسر الوحيد هو الشعب ، لذلك أنفجر أو تفجر، ونشأت هذه الثورة الشعبية والأزمة السياسية. لنسلم بأنها ثورة تنشد التغيير والتغير من الواقع المرير الذي وصلت إليه اليمن ، وهذا حق لا يجهله أحد. وحيث أنه من الواضح أنه لا بد من التغير والتغير، بكل ما يحمله من معاني، فإن السؤال الذي يجب أن يطرح- أيهما أفضل التغيير السلمي أم غير السلمي؟ وللإجابة على هذا التساؤل نرى أن التغيير السلمي أفضل وأنجح لليمن واليمنيين للأسباب التالية: 1- أن التغيير السلمي يجنب البلاد ، والعباد، إزهاق الأرواح، وسفك الدماء، وما يصاحب ذلك من الفتن ، وما يخلف من الضغائن والأحقاد ، والثارات التي تترك أثراً بعيداً، وتحتاج إلى سنوات لمعالجة آثارها النفسية إن وجد من يعالجها( ولولم يكن علينا من نكد ، ومن حزن ، ومن أسى ،وألم وخوف على مستقبل البلاد ،إلا يوم الجمعة الدامي الموافق 18مارس 2011م لكفى به يوماً مشئوماً لن تفارقنا أحزانه ، وأخباره ، وآثاره إلى يوم الدين ). فكيف والمجازر يمكن أن تتكرر أمام أعيننا في ظل تعنت هؤلاء وأولئك ؟ !! ومن المؤكد أن الشعب اليمني لن ينس الصنيع لمن ثبت أنه دبر لهذه الجريمة البشعة ،ونفذ ارتكابها، وكذلك لن ينس جريمة منفذي ردة الفعل الحزبية من بعض البلاطجة المحسوبين على بعض المشائخ المتنفذين ، والذين تصرفوا بحقد ، وقتلوا بعض المواطنين ، و نهبوا وأحرقوا منازلهم ، ورموا بأحدهم من شرفة منزله ، وستكشف الأيام الكثير من الحقائق والخفايا والدقائق. 2- إن التغيير السلمي يجنب البلاد والعباد الدمار والخراب، وتكبد الخسائر الاقتصادية الفادحة ، وستكون الفاتورة الاقتصادية باهظة الثمن ، بما فيها من هدم منشئات ، وتدمير مرافق، وبنى تحتية تم بناؤها في خمسين عاماً، وكذلك نهب مقدرات الشعب ،وأمواله ، وتوزيعها على الفاسدين، والقوى الموالية والمعادية ، أما إذا انزلقت البلاد للحرب الأهلية -لا قدر الله- فإن من الصعب تجاوز آثارها الاقتصادية - إذا وقفت عند حد- إلا بعد 3- التغيير السلمي عن طريق إصلاح الدستور ، والقوانين ، يعود بالجميع للصناديق ، والانتخابات ، ولا يغلب قوة على أخرى ، مادامت مدة الحكومة أو الرئيس في فترة أو فترتين، وهذا الطريق ، يجسد مبدأ التداول السلمي للسلطة كضمانة لا يختلف عليها أحد ، وبالتالي سينظم هذا الخيار طموحات الجميع في إطار دستوري ، بما يسمح ببناء آمن للبلاد وتطوير لتجربتها ونظامها السياسي المتفق عليه بعد 22مايو 1990م ، أما في حال تم التغيير العنيف ، فإن القوة ستكون معيار الحق في الحكم ، وقد لا تتغلب قوة على أخرى ، فيستمر الصراع على الطريقة الصومالية ،أو الأفغانية، أو العراقية لا سمح الله. 4- إن التغيير السلمي في ظل نظام الجمهورية اليمنية والثوابت المتعارف عليها ، سيجنب البلاد خطر الانقسام ، وسيتم معالجة قضية الحراك والحوثي ، والقاعدة ، في إطار الثورة السلمية ،والوحدة واللحمة والثوابت الوطنية ، أما التغيير عن طريق القوة ، فإن خطر الانقسام إلى شمال وجنوب ، وصعدة ،وحضرموت وارد، وهذه المخططات والمؤامرات من أهداف مهندسي الفوضى الخلاقة في الوطن العربي ، ومصممي الشرق الأوسط الجديد التي أعلن عنه قبل احتلال العراق. 5- إن الشباب ومطالبهم ،و الشعب وحقوقه ، سيغدو أكبر الخاسرين في حالات التغيير العنيف، وسوف تستأثر القوى السياسية المتغلبة بالسلطة ، على حساب الشعب الذي بذل الدماء الزكية، وقوافل الشهداء، لأن التاجر الذي يريد استثمار أمواله يريد بذلك تحقيق الربح الوفير ، وإن بعض القوى التي تصرف أموالاً طائلة على تأجيج الصراع ،وتسليحه ، وتوسيخه ، سوف تسترد ذلك أضعافاً عند استلام السلطة إن تمكنت من ذلك، وبما أنها قوى كثيرة ، فإن كل حزب منها سيحتاج إلى (33) سنة ليحكم الشعب بحجة أنه هو الذي نجح في إحداث الثورة، بل أن وزراءه وحكامه سيخلدون من جديد في الوظائف كما خلد من قبلهم ، بحجة ثورتي سبتمبر وأكتوبر العظيمتين!! 6- إن معرفتنا لليمن ومكوناته السياسية ، وتركيبته القبلية والجغرافية ،وشواهد التاريخ والجغرافيا، تقطع بأن التمادي في المكابرة والعناد ، وتبني الخيار غير السلمي في التغيير سيؤدي إلى عدم تغلب فريق على آخر، ولو توسل أحدهما بالجماهير، والآخر بالدولة ومقدراتها، وسينتهي هذا الخيار حتماً إلى حرب أهلية، وهذه هي بوابة التدخل الأجنبي ، حيث لن يستنكف العملاء حينها، بالصراخ ودعوة للأجانب باحتلال البلاد، تارة تحت دعاوى تحرير اليمن، وفقاً للنموذج العراقي، أو محاربة تنظيم القاعدة وفقاً للنموذج الأفغاني، أو من أجل حماية المدنيين كما في النموذج الليبي الحديث، حيث نكتب هذا والطائرات الغربية تعتدي على ليبيا في طرابلس وبنغازي، وسائر المدن تمهيداً لاحتلالها ، ونهب ثرواتها!! و نظراً لأننا ندرك مزايا التغيير السلمي ، وندرك أن المعارضة في اليمن لا تستطيع إسقاط النظام بدون قتل وسفك دماء الأبرياء، ومن ضمن السعي الوطني الدءوب، فقد تقدمنا بمبادرة وطنية لحل الأزمة سلمياً، وإسقاط النظام دون إسقاط الرئيس، يمكن عرض ملخص بنودها فيما يلي:
أولاً: تشكيل جمعية وطنية لتعديل الدستور، حسب الخطوط العامة المنصوص عليها في صلب المبادرة ،ومنها اعتماد النظام البرلماني شكلاً للحكم، وتعطى الزمن الكافي، حسب ما هو في المبادرة. ثانياً: تشكيل لجنة وطنية لتعديل قانون الانتخابات ، حسب الخطوط العامة التي نص عليها في صلب المبادرة، ومنها إقرار نظام القائمة النسبية ، وتكلف اللجنة بتصحيح السجل الانتخابي ، وتسجيل البالغين للسن القانونية، و التوافق على اللجنة العليا للانتخابات. ( عند إعلان هاتين الخطوتين(1، 2) ، تعلق الحملات الإعلامية ، وتعلق الاعتصامات مؤقتاً حسب المبادرة). ثالثاً: تشكيل حكومة وحدة وطنية مؤقتة ، تضم الكثير من الكفاءات من أبناء الشعب المخلصين ، ويمكن عند التوافق أن تشكل هذه الحكومة قبل الاستفتاء على الدستور، وتشرف على توعية السواد الأعظم بالتعديلات الدستورية والقانونية ، وإجراء الاستفتاء على الدستور، ومن ثم المضي قدماً بالشعب اليمني لإجراء الانتخابات ، والتي لا تتجاوز 30 يوليو 2011م ، و تعلن النتائج ،و تشكل الحكومة في الثلث الأول من شهر أغسطس 2011م، وكفى الله المؤمنين القتال. ونص المبادرة منشور في الفيسبوك على الرابط التالي: http://www.facebook.com/profile.php?id=100000434003091&sk=notes لمن أراد أن يطلع عليها كاملة ، على أن هذه المبادرة ليست كل شيء، فيمكن مع قبول الحوار ،والرأي الآخر، وحسن نوايا الفرقاء ، إضافة أفكار كثيرة عليها، تخدم المصلحة العليا للوطن ، إذا غلبت من قبل الجميع ، ولقد طرحت بعض الشخصيات والقوى مبادرات حقيقية وجيدة ، لكنها لم تسمع من قبل السلطة والمعارضة. ***** والسؤال الذي يطرح نفسه الآن: إذا ما تحول المفسدون جميعهم وأنضموا بفسادهم إلى ثورة الشباب ، فعلى من تقوم الثورة إذن؟ أعلى شخص الرئيس علي عبد الله صالح فقط؟؟ ألم نقل لكم الحل في الإصلاح الدستوري والقانوني والاحتكام للأفضل عبر الصناديق وليذهب الفاسدون إلى الجحيم؟؟ !! * استاذ في جامعة الحديدة، كلية الشريعة والقانون