وجهة نظر خاصة ب نبأ نيوز إنقلاب "إسلامي قبلي" مفاجيء لانتخاب "هادي".. وترويج مقدس ل"جنرال الفرقة".. وحملة شرسة لإعادة هيكلة الجيش.. والقاعدة تجتاح مدن اليمن بالمفخخات.. وكل ذلك في غضون شهر واحد يتوسطه يوم انتخاب الرئيس هادي..!! فماذا يا ترى يجري في اليمن؟ وإلى أين تتجه اللعبة وصراع الكراسي؟ تؤكد جميع مؤشرات الأحداث أن القوى التقليدية ممثلة بالتيارين "الإسلامي والقبلي" ما زالت تراهن على أدوارها التاريخية في صناعة الإنقلابات السياسية في اليمن التي تؤمن لها أسباب البقاء والنفوذ وتنمية مصالحها الخاصة.. غير إنها تضع لنفسها هذه المرة بدائلاً عدة تبدأ بالرهان على تجريد الرئيس الجديد من حماية أجهزة الدولة الأمنية والعسكرية، وتنتهي بورقة تنظيم القاعدة لليّ ذراع النظام الجديد واستنزاف قدرات قواته وإجباره على تسليم الأمور لصناع القاعدة لخمدها، وبالتالي الظهور بدور "الأجدر بالحكم"!! فبعد حملات (تكفير) المبادرة الخليجية ومناهضتها بمسيرات صاخبة وخطب جمعة نارية كان من الصعب توقع نزول (وحي) على الساحات قبل أسبوع واحد من موعد الإنتخابات الرئاسية ليقود انقلاب مفاجئ يخرج فيه الداعية المتشدد (عبد الله صعتر) الذي أفتى بكفر المبادرة الخليجية ليفتي مجدداً بأن تطبيقها (من الإيمان) وإن الطريق إلى الجنة يبدأ بانتخاب أمين عام حزب الرئيس صالح (عبد ربه منصور هادي). في هذه المحطة تتوقف (نبأ نيوز) لتضع ساحة الرأي العام أمام حقيقة النوايا التي يضمرها الإسلاميون والتيار القبلي المسلح والفرقة المدرعة ذات العقيدة السلفية والتي تكشف طبيعة مخطط الإطاحة السريعة بالنظام الجديد. 1. في نفس يوم تدشين الحملة الإنتخابية للمرشح الرئاسي إنطلقت حملة دعائية إخوانية لتلميع الجنرال علي محسن وتعظيم شأنه إلى الدرجة التي وصلت بالنائب الإخواني "شوقي القاضي" إلى الدعوة إلى إقامة تمثال كبير للجنرال محسن وسط العاصمة ولولا خوفه من ردود الأفعال لأكمل دعوته للناس بعبادته.. وبنفس منطق التقديس والتأليه للجنرال غرقت منابر الإسلاميين بالمقالات والتحليلات. ولم يكن ذلك التوقيت صدفة.. ففي نفس يوم الإقتراع لانتخاب الرئيس تعمدت قناة الجزيرة توقيت بث حوارها مع الجنرال محسن الذي كشف فيه عن سعيه للعب دور سياسي مهم في عهد (هادي). إن هذا التوقيت للحدثين السابقين كان بمثابة رسالة صريحة أرادت بها القوى التقليدية تقديم الجنرال "محسن" كندٍ وحيد للرئيس هادي أو على أقل تقدير كأبرز شخصية قيادية بعد هادي أي أنه خليفته لحكم اليمن وأحق الناس بمنصب نائب رئيس الجمهورية. ويتضح مما سبق أن الإسلاميين والتيار القبلي يعيدون استنساخ صورة طبق الأصل لنفس السيناريو الذي صنعوا به بداية الجنرال محسن .. فعندما كان (محسن سريع) قائد الفرقة الأولى مدرع و(علي محسن) رئيس أركان الفرقة عمل الإسلاميون بقيادة الزنداني والتيار القبلي بقيادة عبد الله الأحمر على دعم علي محسن بالحشد الشعبي والترويج المنبري ليتحول إلى صانع القرار الأول في الفرقة بدلاً من قائدها (سريع) الذي تم تهميش دوره بالكامل وأصبح كما (الكوز المركوز) حتى تمت تنحيته رسمياً وإيلاء قيادة الفرقة الأولى مدرع ل(علي محسن الأحمر). لكن الإختلاف الوحيد بين سيناريو السبعينات من القرن الماضي والسيناريو الحالي هو أن أبناء الشيخ عبد الله حلوا بدل والدهم، وأن دولة قطر هي من تقود وتمول لعبة اليوم بدلاً من المملكة العربية السعودية التي أرادت ومولت بسخاء بالأمس صعود علي محسن إلى قيادة الفرقة من خلال سفيرها الشهير (صالح الهديان) الذي كان متى وصول صالح إلى الحكم يتمتع بنفوذ سياسي واسع في الساحة اليمنية. وننوه هنا إلى اختلاف ضمني وهو أن السعودية دعمت الجنرال محسن حينذاك لتأمين حدودها ومصالحها مع اليمن، لكن قطر تدعم صعود الجنرال اليوم من أجل الإنتقام من السعودية سواء بإلغاء أولويات العمل المشترك الذي كان قائماً بين اليمن والمملكة أو بدعم توجيهات جديدة تمس السيادة السعودية وتعيد التوتر إلى شريط حدودها مع اليمن، وتجعل فيها عمقاً إستراتيجياً للحركات المناهضة للنظام السعودي، خاصة في ظل ما يتردد من حديث عن مخططات لتصدير فوضى الربيع العربي إلى داخل أراضي المملكة. 2. لقد تعاملت القوى التقليدية مع الرئيس "هادي" كمن يقيد ذراع شخص إلى عمود ويأتي لمصافحة ذراعه الأخرى ، ففي الوقت الذي روجت لانتخاب هادي تمسكت ببقاء قوات الفرقة المدرعة في قلب العاصمة، ورفضت فض الإعتصامات وإنهاء إحتلالها لنحو (84) حارة بالعاصمة، فيما لازمت الميليشيات القبلية المسلحة مواقع انتشارها في (240) مكان من العاصمة. إن تلك المظاهر لا يمكن عدها (أدوات ضغط) فوسائل الضغط الديمقراطية ليس بينها فرقة مدرعات أو ميليشيات قبلية تمتلك أسلحة ثقيلة.. بل يهي (أدوات تهديد) دموية يصوبها الإسلاميون وأولاد الأحمر إلى صدر الرئيس هادي في رسالة فصيحة لا تقبل التأويل نصها (نفذ ما نريد ، تسلم مما ترى). فسواء نجح الجنرال محسن في الصعود إلى منصب نائب الرئيس أو لم ينجح فهي وكل أدوات التيارين الإسلامي والقبلي متخندقون في قلب العاصمة، وليس دار الرئاسة أو القصر الجمهوري أو أي مؤسسة سيادية خارج مدى فوهات دروع الفرقة بل جميعها في دائرة مدى الأسلحة المتوسطة وحتى الخفيفة.. وهناك آلاف العناصر الحزبية والإخوانية في ساحة التغيير جاهزة لتوفير التغطية السياسية إذا ما تلقت الأوامر بالتحرك في مسيرات صدامية، فكما برر أولاد الأحمر تفجير دار الرئاسة بأنه رد على قصف منزل والدهم في الحصبة وضحايا جمعة الكرامة فإن رفض الرئيس هادي تنفيذ أي طلب غير مشروع يعد انتحاراً طالما كل أدوات صناعة الأزمة لم تبرح مواقعها التي فجرت فيها الفوضى التخريبية الدامية في فبراير 2011م. ولعل من أكثر الأحداث إثارة للدهشة والريبة في آن واحد هو أن اللجنة العسكرية العليا طبقت قراراتها بحذافيرها على القوات الشرعية لوزارة الدفاع والداخلية فيما تركت قوات الفرقة المتمردة والمليشيات القبلية الخارجة عن القانون متمركزة في ثكناتها ومواقعها في قلب الأحياء السكنية للعاصمة .. أي أن القوى التي تحمي نظام هادي لا قيمة لها إطلاقاً طالما القوة المتمردة تمتلك حرية التمدد والإنتشار داخل العاصمة والإحتماء وسط الأحياء السكانية دون أن تجرؤ قوات النظام على إطلاق رصاصة واحدة عليها خوفاً من إصابة السكان المدنيين. 3. لم يغفل الإسلاميون عشية الإنتخابات الرئاسية توجيه رسالة إلى قواعدهم في أرجاء الجمهورية وعبر المحطات الفضائية يجددون فيها التأكيد بأن مشاركتهم في الإنتخابات ليست أكثر من تكتيك سياسي لا علاقة له بالنهج التثويري للإخوان المسلمين .. فالخطاب الذي وجهه محمد اليدومي قبل يوم من الإقتراع نفث سموم قبح ثقافة إخوانية مختزنة تحرض على الكراهية والأعمال الإنتقامية والإبتزازية العلنية حيث وجه اليدومي تهديداً مباشراً للرئيس هادي بأنه إما ينصاع للإرادة الإخوانية وإما يطيح به الإخوان.. ولم يكن اليدومي هو القيادي الإخواني الوحيد الذي هدد الرئيس الجديد، بل أن نفس الرسالة تم استنساخها على لسان عضوة مجلس شورى الإخوان توكل كرمان وعدد كبير من قيادات الإخوان الذين استعرضت تصريحاتهم قناة (سهيل) التابعة للقيادي حميد الأحمر بجانب المنبار الإعلامية الأخرى. 4. إن مخطط التقويض الخاطف لحكم الرئيس هادي يمكن فهمه بصورة واضحة في تحول خطاب منابر تلك القوى التقليدية باتجاهين: الأول: يحرض على الإنتقام من أقرباء الرئيس الذين يتولون قيادة وحدات عسكرية وأمنية، والثاني: يضغط من أجل تنفيذ فوري لإعادة هيكلة الجيش والأمن رغم أن المبادرة الخليجية حصرت إعادة الهيكلة بالجيش دون الأمن. إن جوهر هذا التوجه يتضمن هدفين: الأول : إنتقامي لحساب اولاد الأحمر وعلي محسن.. والثاني: هو الرئيسي، لتجريد الرئيس هادي من حماية الدولة لشخصه ونظامه، حيث أن وجود أقرباء الرئيس صالح على رأس قيادة الأجهزة العسكرية والأمنية يكفل له الحماية اللازمة، والقوة المطلوبة لردع أي قوة تتمرد أو تعصي القانون، وبالتالي فإن قوة النظام لا تخدم مخططات الإسلاميين أو التيار القبلي ولا المصالح الشخصية لرموز الفساد والمحتمين في الساحات. ويبدو أن الوسطاء الدوليين وفي مقدمتهم الولاياتالمتحدة نجحوا في قراءة ما يدور في رؤوس زعماء التيارين الإسلامي والقبلي وأدركوا خطورة صعود الإسلاميين إلى قيادة وحدات عسكرية ضاربة على غرار الجنرال علي محسن الذي يسخر إمكانيات الفرقة للفصائل الإسلامية المتشددة لضرب الحرس الجمهوري.. لذلك فإنهم تركوا الجميع يهرول إلى الإنتخابات على أمل الإطاحة القريبة بالرئيس البديل بعد تجريده من قوته بإعادة الهيكلة، حتى إذا انتهى يوم الإقتراع ظهر السفير الأمريكي بصنعاء مطمئناً القوى الليبرالية المدنية بأن إعادة الهيكلة لا تستهدف الأشخاص وأن قادة الجيش والأمن باقون في مناصبهم ربما لعدة سنوات قادمة، وأن أقرباء الرئيس متعاونون مع المجتمع الدولي، وأن الحرس الجمهوري الذي يقوده نجل الرئيس صالح هو أفضل وحدات الجيش اليمني الضاربة وأن المجتمع الدولي يراهن عليها في حماية البحر الأحمر من القرصنة. تصريحات السفير الأمريكي صعقت الإسلاميين والقبليين على نحو لا يمكن تصوره، بحيث انبرى في الحال أشهر المواقع التي يمولها السلفيون إلى شن حملة تدعي أن أمريكا ستستخدم الجيش اليمني للدفاع عن مصالحها في البحر الأحمر ليدشن الإسلاميون بذلك حملة تحريضية جديدة لدفع القبائل لفتح جبهات ضد وحدات الجيش، ولفتح شهية تنظيم القاعدة والفصائل المتشددة للإستقطاب وتبرير هجماتها على المعسكرات وقتل العسكريين بفتوى أنهم (موالون للكفار)! ومن هنا تحولت تلك القوى إلى اللعب بالورقة الأخيرة، وهي ورقة "تنظيم القاعدة"، التي تجمع التقارير الغربية والمحلية على أن الجنرال علي محسن، المنتمي للتيار السلفي المتشدد، هو الحاضن الرئيسي للجماعات "الجهادية" في اليمن.. فتحريك القاعدة بنشاط واسع ومفاجيء تم توجيهه باتجاهين رئيسيين: الأول- توسيع جبهات المعارك في محافظة أبين باعتبارها مسقط رأس الرئيس "هادي" ليبدو الأمر محرجاً له.. والثاني- استهداف قوات الحرس الجمهوري لإحراج قائدها "نجل الرئيس صالح"، ومن جهة أخرى- وهي الأهم- لكونها تمثل القوة الضاربة التي لم تشهد انشقاقات وتدين بالولاء للدولة، ولم تتسمم بالاسلاميين على غرار الفرقة الأولى مدرع، ثم لأنها قوات متكاملة تضم جميع الأصناف العسكرية ولا تحتاج لتنسيق مع وحدات أخرى مما يمنحها هذا كفاءة عالية في المناورة القتالية..!! وتحاول القوى الانقلابية توسيع نشاط القاعدة وتنويعه على أكبر مساحة ممكنة لخلق حالة رعب عامة، وارتباك لدى النظام، ولاستثمار الأحداث ترويجياً في توجيه الاتهامات لقيادات النظام السابق بقصد التحريض والتمهيد لعمليات تصفيتهم- وهو سيناريو منسوخ طبق أصل أحداث العراق بعد الغزو الأمريكي. ومن الواضح إن الجنرال "محسن" والتيارين الديني والقبلي لا يراهنون على رسائل قصيرة بضربات "إرهابية" محدودة، وإنما على حرب مفتوحة للقاعدة تدير وتنفذ بعض عملياتها النوعية الكبيرة هذه القوى نفسها، طالما "شماعة" القاعدة جاهزة لحمل التهمة.. وهو الأمر الذي سيستنزف قدرات القوات اليمنية بمعارك مدن طويلة، ويقود إلى إضعاف قوة الرئيس عبد ربه منصور هادي، حتى يتم دفعه إلى القبول بصفقة سياسية مع تلك القوى بما يمكنها من الإمساك بدائرة صنع القرار السياسي، أو توجيه دفة الحكم بما يخدم مصالحها ويعزز نفوذها ويمهد للاطاحة بالرئيس المنتخب- وتلك ثقافة "أحمرية" معروفة في اليمن توارثها "آل الأحمر" أباً عن جد منذ عهد الأئمة وحتى عهد الرئيس صالح، واستخدموها مع كل الرؤساء الذين حكموا "اليمن الشمالي"! ومن جهة أخرى، فإن الجنرال محسن وأولاد الأحمر والعديد من القيادات الاسلامية الكبيرة قلقون جداً على استثماراتهم وممتلكاتهم الهائلة في الجنوب، وبالتالي فإنهم يرون إن استشراء نفوذ "القاعدة" في الجنوب سيمنحهم بطاقة مرور لإعادة فرض نفوذهم في تلك المناطق بقوة المليشيات القبلية والاسلامية تحت ذريعة مواجهة الارهاب.. بما يحفظ مصالحهم الاستثمارية النفطية والعقارية والتجارية وغيرها.. ومن المتوقع جداً أن تشهد الفترة المقبلة تصعيداً نوعياً في أنشطة تنظيم القاعدة، خاصة في العاصمة صنعاء، ليعطي ذلك صدىً إعلامياً، ومبرراً للفرقة المدرعة ومليشيات أولاد الأحمر والاخوانيين بالتمدد داخل العاصمة أو على أقل تقدير بمواصلة انتشارهم والتنصل من التزاماتهم للجنة العسكرية العليا، لأن بقائهم يعني بقاء الرئيس هادي تحت تهديد فوهات دروع الفرقة وهاونات المليشيات التي لا تبعد عن دار رئاسة الجمهورية سوى بضع كيلومترات قليلة جداً..!!