* وجهة نظر خاصة ب"نبأ نيوز" رغم التفاؤل الذي أبدته أطراف يمنية عديدة بالدور الأمريكي خلال الأزمة، وبما يمكن أن يسفر عنه إعادة اليمن إلى شاطئ الأمان، إلا أن السرعة التي اندفعت بها الولاياتالمتحدة للقفز باليمن إلى مربع الإنتخابات الرئاسية تجاوزت الكثير من الإستراتيجيات الأمنية وضوابط اللعبة السياسية التي تحقق عبور آمن للسلطة. ففي الوقت الذي كان المنطلق الأساسي للموقف الأمريكي تجاه الأزمة اليمنية هو القلق من تحول اليمن إلى موطن بديل لتنظيم القاعدة يترتب عنه ضرراً جسيماً على الممرات الملاحية الدولية والمصالح الإستراتيجية الأمريكية في المنطقة بالكامل، فإن سفيرها بصنعاء السيد/ جيرالد فايرستاين لم يكن موفقاً في خدمة ذلك التوجه الأمني بقدر ما كانت القوى الحاضنة للمتشددين الإسلاميين تستثمر حماسه في الإتجاه السياسي لتنمية نفوذ القاعدة وتهيئة مسرح أحداث المرحلة القادمة.. ولعل من المثير للدهشة أن يتجاهل السيد/ فايرستاين كل الحقائق البديهية المعروفة على مستوى الساحة الشعبية اليمنية رغم خطورتها الكبيرة للغاية في صناعة الإرهاب، ليصب ضغوطه على الطرف الآخر المناهض للإرهاب.. حتى بدى وكأن الولاياتالمتحدة عادت مجدداً لتمنح الأولوية لمشروع "تدويل البحر الأحمر" من خلال صناعة شريط ساحلي ملتهب بجبهات الإرهاب ويستدعي حضوراً عسكرياً دولياً..!! أولاً : الموقف من قائد الفرقة الأولى مدرع (المنشق) : * رغم علم الولاياتالمتحدة بأن الجنرال علي محسن الأحمر ينتمي للتيار السلفي المتشدد الذي هو مصنع عناصر القاعدة وأنه على صلات وثيقة بالتنظيمات "الجهادية"، إلا أن سفيرها بصنعاء أولاه ثقة عالية بلغت حد استشارته قبل وزيري الداخلية والدفاع بل وإملاء مشوراته على الوزيرين وهو ما كشفته رسالة السفارة التي نشر موقع (نبأ نيوز) صورة منها في وقت سابق. * رغم اعتراف السفير الأمريكي والسيد/ برينان بأن الجنرال محسن قام بتجنيد آلاف الإسلاميين المتشددين في صفوف الفرقة الأولى إلا أن الأمر لم يستفز واشنطن لاتخاذ أي إجراءات رادعة "من موقع الوصاية التي تمارسها" أو ممارسة ضغوط على قائد الفرقة لتطهير وحدات الجيش منهم .. علماً أن العدد كان قد تجاوز (40) ألف مجنداً عندما تحدث عنه السفير الأمريكي.. وهو أمر يثير تساؤلات وشبهات كثيرة حول دوافعه!!
* لم يتحدث السفير الأمريكي عن الإنقسامات في المؤسسات العسكرية وما رافقها من تظاهرات وفوضى يدعمها الجنرال علي محس إلا بعد أن استفحلت الظاهرة ونجح "محسن" في خلخلة وحدات الدفاع الجوي واختراقها بشكل سافر، رغم علم واشنطن أن الدفاع الجوي هو السلاح الأشد فتكاً في مواجهة القاعدة. * حتى هذه اللحظة لم يتحدث السفير الأمريكي عن قوات الفرقة المدرعة المتمترسة في قلب العاصمة، ولم يحث اللجنة العسكرية للقيام بمسئوليتها في إنهاء المظاهر المسلحة.. بينما مورست مختلف الضغوطات على القوات الحكومية حتى انسحبت من جميع مواقعها تاركة قوات الفرقة المنشقة تنتهك الحريات وتخطف المسئولين والمواطنين وتقطع الطرق.. والأشد غرابة هو ألاّ تحاول واشنطن تعزيز حماية الرئيس الجديد بعد انتخابه بالضغط على الفرقة المدرعة للإنسحاب وإنما تركت الرئيس الجديد في مرمى فوهات مدرعات الفرقة وهاونات المليشيات القبلية، وكأنها تخطط لاستخدام الفرقة كورقة ضغط وابتزاز للرئيس الجديد ونظامه. * في الوقت الذي صعدت القاعدة من أنشطتها الإرهابية وتولت قوات الحرس الجمهوري مهمة المواجهة، فإن السفير الأمريكي لم يحرك ساكناً لوقف أشرس الحملات الإعلامية التحريضية ضد قوات الحرس والتي يشنها موقع "أنصار الثورة" الناطق بلسان الفرقة المدرعة، وموقع استخبارات الفرقة "يمن برس" والمواقع الأخرى التابعة لأحزاب المشترك الموقعة على المبادرة الخليجية.. في حين إن المبادرة الخليجية تدعو للتهدئة وإن الأمريكان والأوروبيين يتولون مهمة مراقبة تنفيذ نصوص الاتفاقية. * بناءً على طلب الجنرال محسن، وجه السفير الأمريكي عبر الملحق العسكري وزيري الداخلية والدفاع بإعادة منتسبيهم الملتحقين بساحات الإحتجاجات والتعويض الفوري لمرتباتهم، فأصدر وزير الداخلية قراراً بإنشاء وحدة مستقلة من المنضمين للساجات.. ورغم أن السفير الأمريكي قد حذر من الإنقسامات بالجيش لكنه يعترض على الوحدة الأمنية المستقلة (غالبية عناصرها إسلاميين)، ومن خطورة تصنيف وحدات الأمن إلى "أنصار الثورة" و "أعداء الثورة".. والأغرب أن السفير لم يلتفت إلى أن توقيت الجنرال محسن لإعادة المنشقين هو لتغذية الإنقسامات بمزيد من العناصر المتمردة الموالية لقائد الفرقة المدرعة. ثانياً : الموقف من ساحات الإعتصامات : لم تعد الهوية الحقيقية للمتواجدين في ساحات الإعصامات خافية على أحد، حيث انسحبت القوى الليبرالية منها وغرقت وسائل الإعلام وصفحات الفيس بوك بفضائح الجماعات الإسلامية المتطرفة التي استولت على الساحات والتي ينشرها أبرز الناشطين والمنظمات.. فساحات الإعتصامات أصبحت أوسع ميدان يمارس فيه الشيخ الزنداني وطلاب جامعة الإيمان والسلفيين التكفيريين وخلايا القاعدة عمليات التعبئة والإستقطاب والتجنيد في صفوف الجماعات الجهادية (القاعدة). ورغم أن هذه الحقيقة معروفة لدى كل اليمنيين إلا أن السفير الأمريكي بصنعاء "الذي يلعب دور الوصاية" إنفرد وحده بمنح هذه الجماعات صفة ثورية وحتى بعد انتخاب رئيس جديد لم يبد أي توجه للضغط على الإسلاميين لفض اعتصاماتهم. ولا على الفرقة المدرعة للتخلي عنهم رغم الإنتهاكات الإنسانية الصارخة لألاف الأسر المشردة من بيوتها وآلاف القوى العاملة التي تحولت إلى بطالة تعيش فقر مدقع بعد احتلال الشوارع التجارية. ولا شك أن تجاهل الجانب الأمريكي لتواجد الفرقة المدرعة والإسلاميين المتطرفين في مكان واحد في قلب العاصمة رغم انتخاب رئيس جديد يثير تساؤلات مريبة حول الدور المرسوم لهذه القوى الذي تنتظر لعبه، ومدى علاقته بمشاريع تنظيم القاعدة التي بدأت تتجلى للعيان بنشاط واسع. إن تجاهل كل المعطيات جعل تسليم السلطة في اليمن عملية غير ذات قيمة كون النظام الجديد يفتقر للدعائم الأمنية طالما المجتمع الدولي سمح بأن يكون كرسي الرئاسة في مدى الأسلحة المتوسطة للميليشات الإسلامية المتطرفة وتحت فوهات فرقة مدرعة منشقة تحت نفوذ التكفيريين وحواضن القاعدة. لكن السؤال الذي نطرحه هو : هل نجح الجنرال علي محسن في بسط نفوذه القاعدي على نحو فاق قدرات الولاياتالمتحدة على مواجهته، ولم يعد أمام واشنطن سوى المهادنة؟ أم أن واشنطن لديها من الأدلة التي تقود "محسن" إلى حبل المشنقة بحيث حولته إلى دمية بيدها، وورقة تبتز بها النظام الجديد؟ و أم أن إباحة اليمن للقاعدة هو طريق المشروع الاستراتيجي الأمريكي المرتبط بتدويل البحر الأحمر والوصول إلى منابع النفط في "الشرقية" السعودية، والذي لم يكن بوسع واشنطن تنفيذه في ظل وجود الرئيس صالح؟