بعد أن كانت كوندوليزا رايس واحدة من أشد مستشاري الأمن القومي الأمريكيين حمقاً في تاريخ الأمة، فإنها تحصل الآن على المرتبة ذاتها كوزيرة للخارجية. وإن وصفها الفظاعات التي ترتكب في لبنان بأنها "آلام مخاض الولادة لشرق أوسط جديد" كان في فظاظته معادلاً لملاحظة بوش بأن هذا الصراع يمثل "لحظة لبروز فرصة في الأفق". ولم تكن هتافات ذوي الضحايا الإسرائيليين ببزوغ يوم جديد، أقل فظاظة من كل ذلك (كان العدد نحو 50 قتيلاً معظمهم من الجنود). وتركت معارضة رايس القاسية لوقف فوري لإطلاق النار العالم أجمع خارج نطاق إسرائيل (وتوني بلير)، في حالة ذهول. ولم تسهم سخرية ممثل الولاياتالمتحدة في الأممالمتحدة، جون بولتون، من وقف إطلاق النار، سوى بتعزيز هذه العنجهية وذلك التبجح. وتحول أكثر من نصف مليون لبناني إلى لاجئين خلال أسابيع، كما تكدس الإسرائيليون في الملاجئ. وكل ما استطاعت تقديمه رايس هو مجرد كلمات فارغة حول القلق على مصير المنطقة، مع تعطيل لوقف فوري لإطلاق النار. إن إرسال القنابل الأمريكية لإسرائيل في هذا الوقت بالذات يحمل معه الرسالة الأمريكية الواضحة. فهل جرى إرسال تلك القنابل في عنبر البضائع على الطائرة ذاتها التي حملت وزيرة الخارجية إلى المنطقة؟ وهل ستجلب معها شحنة جديدة في الرحلة المقبلة؟ وتفعل رايس في لبنان الآن ما كانت فعلته قبيل الهجوم على العراق، حيث تضطر إلى لعق الدعايات التي أطلقتها. وكانت تردد أن الحرب على العراق ستعيد رسم خريطة الشرق الأوسط. فهل ستفعل حرب لبنان اليوم الشيء ذاته؟ وكانت تقول إن الشعب العراقي سيلاقي الأمريكيين بأذرع مفتوحة. وهي تقول الآن إن اللبنانيين سوف ينتفضون ويهزمون حزب الله طالما أن إسرائيل لم تستطع ذلك. وإضافة إلى سذاجتها السياسية، فإنه يبدو أن رايس تجهل الطبيعة البشرية فحين تتم مهاجمة شعب من قبل قوة خارجية، فإنه نادراً ما يصطف إلى جانب تلك القوة. وحين تتصدى جماعة من ذلك الشعب لتلك القوة الأجنبية فإن تلك المجموعة تكتسب الدعم ولا تفقده. ولم تنجح الولاياتالمتحدة وإسرائيل سوى في جعل أفراد حزب الله أبطالاً. وأسهم الضوء الأخضر الذي منحته رايس لأولمرت لإراقة المزيد من الدماء الحمراء في زيادة الغضب في العالمين العربي والإسلامي، وتوسيع عزلة الولاياتالمتحدة بين حلفائها (ما عدا بالطبع توني بلير الذي يستمر في هز ذيله، ولعق وجنتي بوش). وليس من مصلحة الولاياتالمتحدة وإسرائيل أن يظهرا للعالم إزدراءهما المطلق له. وسيتم تذكر جرائم الحرب الإسرائيلية ودعم رايس لها فترة طويلة. فأين كانت وزيرة الخارجية حين قصفت إسرائيل محطة توليد الكهرباء الوحيدة في غزة متسببة في أزمة إنسانية؟ وأين كانت رايس حين كانت إسرائيل توقع عقوبات جماعية على الشعب اللبناني بأسره؟ وأين كانت حين كانت إسرائيل تقتل أكثر من 100 طفل لبناني؟ لقد كانت رايس في جانب إسرائيل. ولم تفعل رايس شيئاً خلال خمس سنوات ونصف إزاء أخطر مشكلة في الشرق الأوسط. وإن ما تفعله الآن هو أسوأ بكثير من فعل لا شيء. وتؤمن وزيرة الخارجية بدبلوماسية طائرات إف – 16 في الوقت الذي تتحطم فيه مثل هذه الدبلوماسية وتحترق. ..................................................................... -كاتب أمريكي ومحرر في جريدة "ذي بروقر سيف" الأمريكية