في دراسة حديثة حول «التوزيع العالمي لثروة الأسر» يبرز خلل كبير في توزيع الثروة على مستوى البلدان والمناطق ومجموعات الدخل العالي والمتوسط والمنخفض. وتشمل الدراسة بيانات عن الثروة والدخل في 229 دولة وكياناً سياسياً في العالم، من بينها 21 دولة عربية، أعدها أربعة باحثين برعاية معهد العالم لأبحاث اقتصاد التنمية التابع لجامعة الأممالمتحدة في هلسنكي، (المعروف باسم معهد وايدر). وينذر هذا الخلل الكبير في توزيع الثروة بعدم استقرار اقتصادي وسياسي واجتماعي لا بد من معالجته قبل فوات الأوان، إذ يملك أغنى واحد في المائة من البالغين في العالم 40 في المائة من مجمل ثروة الأسر في العالم عام 2000، وأغنى اثنين في المائة أكثر من 50 في المائة، وأغنى 10 في المئة 85 في المائة. وفي المقابل بلغ نصيب 50 في المائة من البالغين في العالم واحداً في المائة فقط من الثروة العالمية. ولا بد لهذا التوزيع المتناهي في عدم المساواة أن يثير الفضول والتساؤل عند المسئولين السياسيين والقائمين على السياسات الاقتصادية، والمسئولين عن الأمن والسلم المحلي والإقليمي والعالمي في البلدان الثرية والبلدان الفقيرة على حد السواء، عن أسباب هذا التركز في الثروة في قلة قليلة نسبياً من سكان العالم وعن آثاره على النمو والتنمية والاستقرار والسلم الأهلي وخلق فرص عمل لأعداد متزايدة من الداخلين الجدد إلى أسواق العمل والعاطلين عن العمل بانتظار فرص عمل توائم مهاراتهم وخبراتهم. ومفهوم الثروة في دراسة معهد وايدر معني بصافي القيمة، أي قيمة الأصول المادية والأصول المالية منقوصاً منها الحسومات (الالتزامات). وباستخدام هذا المفهوم للثروة، قدرت الدراسة ثروة أسر العالم بنحو 125 تريليون دولار عام 2000 على أساس أسعار الصرف، بحيث يبلغ متوسط ثروة الفرد 20500 دولار باعتبار أن سكان العالم كانوا عام 2000 نحو ستة بلايين نسمة. ويخفي مثل هذا المتوسط العالمي التفاوت الكبير بين البلدان: بلغ أعلى متوسط لثروة الفرد 181 ألف دولار في اليابان، واقل متوسط 180 دولاراً في جمهورية الكونغو الديموقراطية. وزعت الدراسة الدول والكيانات السياسية ال229 في خمس مجموعات على أساس متوسط دخل الفرد كما يحدده البنك الدولي: مجموعة الدخل المرتفع، متوسط دخل الفرد 9076 دولاراً أو أعلى، أعضاء منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية وتضم 24 دولة، ومجموعة الدخل المرتفع من غير أعضاء منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية وتضم 43 دولة، ومجموعة متوسط الدخل المرتفع، متوسط دخل الفرد يتراوح 2936–9075 دولاراً، وتضم 39 دولة، ومجموعة متوسط الدخل المنخفض، متوسط دخل الفرد يتراوح بين 736-2935 دولاراً، وتضم 58 دولة، ومجموعة الدخل المنخفض، متوسط دخل الفرد 735 دولاراً أو أقل، وتضم 65 دولة. وشملت دراسة معهد وايدر 21 دولة عربية، بلغ نصيبها من ثروة العالم 1.82 في المائة ومن سكانه نحو 4.8 في المائة، ومتوسط ثروة الفرد العربي نحو 7818 دولاراً. وتوزعت البلدان العربية في أربع مجموعات على النحو التالي: أربع منها في مجموعة البلدان مرتفعة الدخل، هي البحرين والكويت وقطر والإمارات، بلغ نصيبها من ثروة العالم 0.7 في المائة ومن سكان العالم 0.2 في المائة ومتوسط ثروة الفرد فيها نحو 131 ألف دولار؛ وأربع دول في مجموعة بلدان متوسط الدخل المرتفع، وهي لبنان وليبيا وعُمان والسعودية، بلغ نصيبها 0.36 في المائة من الثروة و0.54 من السكان في العالم، وتراوح متوسط ثروة الفرد بين 16 ألف دولار في السعودية وستة آلاف دولار في ليبيا؛ وثماني دول في مجموعة بلدان متوسط الدخل الأدنى، هي الجزائر ومصر والعراق والأردن والمغرب وسورية وتونس وجيبوتي، بلغ نصيبها من ثروة العالم 0.73 في المائة و3.03 في المائة من سكان العالم، وتتراوح متوسط ثروة الفرد فيها بين 10 آلاف دولار في سورية وألفي دولار في الجزائر؛ وخمس دول في مجموعة بلدان الدخل المنخفض، هي موريتانيا والصومال والسودان واليمن وجزر القمر، بلغ نصيبها 0.03 في المائة من الثروة وواحداً في المائة من سكان العالم، وتراوح متوسط ثروة الفرد بين ألف دولار في موريتانيا و600 دولار في اليمن. ويقيس مضاعف حصة كل مجموعة في الثروة إلى حصتها في السكان عدم المساواة بين المجموعات، باعتبار ان التوزيع المتساوي بين المجموعات يعني تساوي حصة الثروة وحصة السكان، أي أن المضاعف واحد. الواقع ان بيانات الدراسة تبين أن المضاعف في مجموعة بلدان منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية بلغ نحو 5.6، وبلغ في مجموعة بلدان الدخل المرتفع من غير أعضاء المنظمة 3.6 والمضاعف اقل بكثير من واحد في المجموعات الأخرى. وعلى مستوى البلدان العربية في الدراسة، فإن المضاعف لمجموعة الدخل المرتفع بلغ 3.5، وهو أقل من واحد في المجموعات الأخرى. وإعادة توزيع حصة البلدان العربية في ثروة العالم على البلدان العربية في المجموعات المختلفة تبين أن أكثر من 38 في المائة من حصة ثروة البلدان العربية تملكها نحو أربعة في المائة من العرب تعيش في مجموعة بلدان الدخل المرتفع، بينما نحو 21 في المائة من العرب يعيشون في مجموعة بلدان الدخل المنخفض ويملكون نحو 1.6 في المائة من حصة ثروة البلدان العربية. نذكر أن الثروة بمكوناتها المختلفة، المادية والمالية والبشرية، هي مصدر الدخل. لذا فالعلاقة وثيقة بين الثروة والدخل. فالأفراد، كما المؤسسات والدول، الذين يملكون ثروة كبيرة تكون دخولهم مرتفعة. ولكن يبدو أن تغيراً هيكلياً طرأ على توزيع الدخل في العديد من البلدان الصناعية بين عاملي الإنتاج، العمل ورأس المال لمصلحة رأس المال. ففي ورقة عمل حديثة من أوراق صندوق النقد الدولي (كانون الأول/ ديسمبر 2006) يعزى التغير الهيكلي في حصتي العمل ورأس المال في كعكة الناتج إلى العولمة والتقدم التكنولوجي التغيرات في قوانين حماية العمال. ومثل هذا التطور يسهم في تفسير تزايد عدم المساواة على المستوى الوطني في العديد من البلدان الصناعية كما يتضح من بيانات تقارير التنمية البشرية. وتجدر الملاحظة في هذا المجال، ان جداول عدم المساواة في الدخل أو الإنفاق في تقرير التنمية البشرية لعام 2006 كما في السنوات السابقة لا تتضمن بيانات حديثة للبلدان العربية، ومثل هذا الأمر لا يساعد على تقويم مسيرة البلدان المعنية بأهداف الألفية للتنمية المرسوم لعام 2015. *محاضر في الجامعة الأميركية في الشارقة