طالما كررت في مقالاتي أنني أقف موقفاً وسطاً بين الحكومة والمعارضة، وقد حاولت في أكثر من مقال أن أسلط الضوء على الفساد سواء كان مالياً، أو سياسياً، ولعل المتابع أكثر يعرف أنني كثيراً ما هاجمت المعارضة ليس من خندق الحكومة والسلطة بل من خندق حب الوطن. فالله ابتلانا في ما ابتلانا بمعارضة لا تقل عن السلطة إن لم تكن أسوأ، وعهدنا بالمعارضة في دول العالم أن تكون أكثر (أخلاقاً) من السلطة إن لم يكن عن إيمان بمبادئ ما، فعلى الأقل (تمثيلاً) وتصنعاً حتى تستطيع أن تصل إلى الكرسي، ثم تكشر بعدها عن أنيابها، وتكشف القناع عن وجهها القبيح. أما معارضتنا المحترمة فقد كشفت عن أقبح وجه يمكن للإنسان أن يكشف عنه، وإني لأتساءل كيف يمكنها أن تكشف عن وجه أقبح إذا ما وصلت إلى السلطة؟! إذا كان هذا وجهها كمعارضة تحاول أن تلبس أجمل الأقنعة وأبهاها، فليرحمنا الله برحمته إذا ابتلانا الله بها حزباً حاكماً. إن هذه المقدمة كلها جالت في خاطري بعد أن قرأت تصريحاً بشعاً لمحمد قحطان رئيس الدائرة السياسية للتجمع اليمني للإصلاح (الأخوان المسلمين في اليمن)، قال ضمنه مؤكداً أن: "أحداً لا يستطيع أن ينكر بأن الأستاذ البيض هو صاحب القرار الأول في صنع هذا المنجز العظيم الوحدة المباركة لأنه تنازل عن منصبه من أجلها وإن العدل والإنصاف يقتضي أن نعطي الرجل حقه مستشهداً بأية قرآنية قال تعالى (ولايجرمنكم شنئان قوم على ألا تعدلوا إعدلوا هو أقرب للتقوى) فهو أولى ثم أولى من غيره ممن يحتفى بهم اليوم" إن هذا الكلام –كما هو كلام المعارضة اليمنية دائما- ليس إلا ممارسة عمياء غبية لمبدأ المعارضة، فهم يفهمون المعارضة كما يلي: 1- إذا قال الرئيس أو الحزب الحاكم (يمين) فاذهب (يساراً) ولا تتردد حتى لو وقعت في بيارة عفنة، وذلك ما حدث مراراً، وآخرها في صعدة. 2- إذا واتتك الفرصة أن (تغيظ) أو (تستفز) أحداً من السلطة أو الحزب الحاكم فلا تتردد أبداً، وإذا اكتشفت أن أحد من في (الحاكم) أخوك بالرضاعة فلا تجعل (ألأخلاق) تردعك عن شتم أمه لمجرد أنها أمك أيضاً. 3- تحالف مع من ما شئت الآن لتهزم (الحاكم) حتى لو كنت تختلف تماماً مع من تحالفت معه، فهذا لا يهم، أولاً لأنك لا تختلف مع أحد فعلياً فالاختلاف يستدعي وجود مبادئ، ثانياً أن وصولك إلى (الكرسي) هو المهم، ومن بعدها يمكنك أن تقلب الكرسي ليجلس عليه أربعة بدلاً من واحد! 4- اشتم قدر الإمكان فتحقق أحد غرضين، إما أن يبدأ شتمك في (التسلل) إلى عقول الناس مع التكرار، أو أن تمنع من ذلك فتصيح أن الديمقراطية معدومة، وارسل رسائل عبر الموبايل تدعو إلى الغثيان فإذا أوقفتها شركة الموبايل فقل أن صدر الحاكم لا يتسع لسبعين حرفاً، لكن ليكن في معلومك أنني أستطيع أن أقول عنك ما قد تقتلني بسببه بأقل من هذه السبعين حرفاً!! 5- انتقد كل شيء فلا أسهل من الانتقاد، أما إذا سئلت عن الحل فتملص، ولا أسهل من ذلك أيضاً، فالحل لم تفكر فيه أصلاً، ولا يهمك في شيء، المهم هو الوصول إلى الكرسي. 6- استلم أموالاً من أي جهة، حتى لو جاء الشيطان نفسه وأعطاك مالاً فخذها، فهذه الأموال (مش من بيت أبوه). أعتذر بشدة من قرائي -لا من المعارضة- إذا كنت قد انفعلت قليلاً وتفوهت بما لا يجب، لكن الحقية أن الموضوع استفزني بشدة، فهل (المكايدة السياسية) أهم لدى هؤلاء من بلادهم، وشعبهم، وكرامتهم، هل (يتاجرون) بقضية الوحدة كما يتاجر القواد بشرف العاهرة كي (يحصل على سعر أعلى)؟!! أعلم تماماً أن هذه (التفاهة) هي رد مباشر على تصريحات سابقة لقيادات مؤتمرية قبيل أيام، لكن رد الفعل على ذلك كان بليداً ولا أعلم لماذا ذكرني تصريح قحطان بالنذل الذي قتل أباه وأمه حتى يذهب في رحلة للأيتام!! لن أتناول التصريح نفسه بالنقاش لأنه أتفه من أن يناقش، لكن سؤالاً في الرياضيات يلح في ذهني ومفاده كالآتي: إذا كان قحطان يرى أن البيض أولى من غيره ممن يحتفى بهم اليوم لأن البيض شارك في تحقيق الوحدة مع أنه قام بجريمة الانفصال التي لن ينساها يمني أبداً، أفلا يستحق الرئيس صالح أن يحتفى به مرتين، لأنه كان شريكاً في تحقيق الوحدة ولأنه حافظ عليها؟! مجرد سؤال. وأخيراً، من هو الجدير بالاحترام من قبل الشعب اليمني، المحتفل بالوحدة أم المحتفل بالانفصال؟! أيضاً مجرد سؤال. [email protected]