كثيرا ما يتداول الناس في اليمن واحدة من اشهر الأساطير اليمنية القديمة، تقول الأسطورة أن أسدا من الأسود الكاسرة كان يهاجم أحد القرى الآمنة ويعمل فيها وفي أهلها قتلا وتدميرا، والأدهى أنه كان يداهمهم بغتة فلا يتمكنون من الفرار أو عمل شيء لمواجهته، حتى ضاق بهم الحال وفقدوا الكثير من أبنائهم وتحولت قريتهم الآمنة إلى مكانا للخوف والفزع والموت. اجتمع عقال هذه القرية يتدارسون الموقف بعد أن اوشكو على الهلاك جميعهم، واهتدوا إلى فكرة أن طبقت ستمكنهم من الاستعداد للأسد عند قدومه ومواجهته بشكل أفضل وبالتالي لن يتمكن من مباغتتهم أو أخذهم على حين غرة. الفكرة تقضي بان يُعلقوا ناقوسا في عنق ذاك الوحش كي يتنبهوا لقدومه .. استحسن الجميع الفكرة ووافقوا عليها وجاء وقت التنفيذ فوقفوا عاجزين .. إذ من يمكنهم تعليق هذا الناقوس على عنق هذا الأسد المفترس ، وهكذا ظل الأسد يمارس عليهم هوايته وظلوا عاجزين عن تعليق الناقوس. هذه الأسطورة تنطبق تماما على واقع الفساد في اليمن، فالفساد يشكل غولا يلتهم الأخضر واليابس ويقضي على كل أحلام اليمنيين وآمالهم . كان الجميع بداية من الرئيس وانتهاء بأقل المواطنين شأنا يدرك أن هناك فسادا ويعاني منه، وكان الجميع يعلم انه لابد من مواجهة هذا الفساد، بل إن الفساد خرج من كونه شبحا غير معلوما، وأصبح الكثير من الفاسدين معروفين للجميع، لكن أحدا لم يجرؤ على أن يعلق لهم ناقوسا. كان الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة التابع مباشرة لمكتب رئاسة الجمهورية يكتشف أولئك الفاسدين، لكنه لم يجرؤ على تعليق ناقوس لأي منهم – اللهم إن كانوا من صغار صغار الفاسدين – وبدلا من تعليق الناقوس كان يكتفي برفع تقارير تظل حبيسة أدراج المكاتب. ولما بلغ السيل الزبى اتفق أهل اليمن وبمبادرة وتوجيه من القيادة السياسية العليا، اتفقوا على تشكيل هيئة عليا لمكافحة الفساد، تكون هيئة مستقلة ومحايدة ويتم انتخابها من قبل مجلسي الشورى والنواب. وبعد مخاض عسير حول أهدافها وطريقة انتخابها وبإصرار من القيادة السياسية العليا انتخبت أعضاء الهيئة وبرغم مقاطعة أحزاب المعارضة لجلسة البرلمان التي خصصت لانتخاب أعضاء الهيئة فقد انتخبت الهيئة وأدت اليمن الدستورية أمام رئيس الجمهورية وظهرت للوجود أول هيئة يمنية لمكافحة الفساد في سابقة هي الأولى والوحيدة في المنطقة. ولعل أفضل ما في هذه الهيئة انه تم انتخاب المهندس احمد الآنسي ليكون رئيسا لها وإنها ضمت أعضاء يشهد لهم بالنزاهة وضمت أيضا سيدة ضمن أعضائها وهذا أمر في غاية الأهمية. المهندس احمد الآنسي شخصية يمنية تحظى باحترام وتقدير كبيرين ويكاد الجميع يجمع على نزاهته وبراعته وإبداعه ووطنييه العالية، وهي السمعة التي اكتسبها من خلال عمله لسنوات عديدة وتنقله بين الوزارات. احمد الآنسي في عام 1988 عندما كان وزيرا للتربية والتعليم استقبل حشدا من الطلاب المبتعثين للدراسة في الخارج وكنت واحدا منهم وألقى فيهم محاضرة بمعهد الميثاق بصنعاء، خاطبنا يومها لا بصفته وزيرا بل كأب وأخ، درس في الخارج أيضا وكان ضمن أول بعثة يمنية إلى الاتحاد السوفيتي ولحسن الطالع فقد كان حظي أن ادرس في مدينة كييف التي تخرج منها الآنسي وان في معهد مختلف. في تلك المحاضرة علق الآنسي ناقوسا على عنق كل واحد منا وظل هذا الناقوس يرن كلما اقتربنا من الانزلاق آو اقترب منا الخطر .. وظل الغالبية العظمي يدعون له ويحفظون جميله وأجراسه التي علقها. ومن هنا فكلنا ثقة بأن احمد الآنسي بحكمته وبصيرته النافذة وحنكته المعهودة سيقود الهيئة بشكل ممتاز، وستتمكن الهيئة تحت قيادته من تأدية مهامها على الوجه الأمثل بما يحجم الفساد ويحصره في أضيق الحدود. ليس مطلوبا من الآنسي وهيئته وضع حد للفساد والقضاء عليه نهائيا فتلك مهمة عسيرة والطريق إليها طويل، والمعوقات أكثر من أن تحصى .. لكن المطلوب من الآنسي ومن الهيئة أن تعلق الناقوس على عنق كل فاسد. حتى إذا ما سار بين الناس بناقوسه قال له الناس: قف .. أنت فاسد . .. فهل يفعلها الآنسي.؟! [email protected]