هجوم مسلح على النخبة يقوده عناصر مرتبطة بقيادة سالم الغرابي    لماذا قتلوا فيصل وسجنوا الرئيس قحطان؟    قضية الجنوب: هل آن الأوان للعودة إلى الشارع!    عدن تعيش الظلام والعطش.. ساعتان كهرباء كل 12 ساعة ومياه كل ثلاثة أيام    ثم الصواريخ النووية ضد إيران    حل الدولتين في فلسطين والجنوب الغربي    جروندبرغ يقدم احاطة جديدة لمجلس الأمن حول اليمن 5 عصرا    إعلان نتائج الانتخابات العراقية والسوداني يؤكد تصدر ائتلافه    تدشين منافسات بطولة الشركات لألعاب كرة الطاولة والبلياردو والبولينغ والبادل    الكشف عن 132 جريمة مجهولة في صنعاء    ندوة تؤكد على دور علماء اليمن في تحصين المجتمع من التجريف الطائفي الحوثي    الإعلان عن القائمة النهائية لمنتخب الناشئين استعدادا للتصفيات الآسيوية    هيئة النقل البري تتخبط: قرار جديد بإعادة مسار باصات النقل الجماعي بعد أيام من تغييره إلى الطريق الساحلي    لقاءان لقبائل الغيل والعنان في الجوف وفاءً للشهداء وإعلانًا للجاهزية    الأمم المتحدة: اليمن من بين ست دول مهددة بتفاقم انعدام الأمن الغذائي    الحديدة.. المؤتمر العلمي الأول للشباب يؤكد على ترجمة مخرجاته إلى برامج عملية    شبوة تودّع صوتها الرياضي.. فعالية تأبينية للفقيد فائز عوض المحروق    فعاليات وإذاعات مدرسية وزيارة معارض ورياض الشهداء في عمران    بكين تتهم واشنطن: "اختراق على مستوى دولة" وسرقة 13 مليار دولار من البيتكوين    مناقشة جوانب ترميم وتأهيل قلعة القاهرة وحصن نعمان بحجة    افتتاح مركز الصادرات الزراعية بمديرية تريم بتمويل من الاتحاد الأوروبي    شليل يحرز لقب فردي الرمح في انطلاق بطولة 30 نوفمبر لالتقاط الأوتاد بصنعاء    قراءة تحليلية لنص "اسحقوا مخاوفكم" ل"أحمد سيف حاشد"    القرود تتوحش في البيضاء وتفترس أكثر من مائة رأس من الأغنام    مفتاح: مسيرة التغيير التي يتطلع اليها شعبنا ماضية للامام    من المرشح لخلافة محمد صلاح في ليفربول؟    المنتصر يدعوا لإعادة ترتيب بيت الإعلام الرياضي بعدن قبل موعد الانتخابات المرتقبة    تألق عدني في جدة.. لاعبو نادي التنس العدني يواصلون النجاح في البطولة الآسيوية    دربحة وفواز إلى النهائي الكبير بعد منافسات حماسية في كأس دوري الملوك – الشرق الأوسط    عالميا..ارتفاع أسعار الذهب مدعوما بتراجع الدولار    إيفانكا ترامب في أحضان الجولاني    حضرموت.. تُسرق في وضح النهار باسم "اليمن"!    زيارة ومناورة ومبادرة مؤامرات سعودية جديدة على اليمن    احتجاج على تهميش الثقافة: كيف تُقوِّض "أيديولوجيا النجاة العاجلة" بناء المجتمعات المرنة في الوطن العربي    اليوم انطلاق بطولة الشركات تحت شعار "شهداء على طريق القدس"    وزير الإعلام الإرياني متهم بتهريب مخطوطات عبرية نادرة    تمرد إخواني في مأرب يضع مجلس القيادة أمام امتحان مصيري    عسل شبوة يغزو معارض الصين التجارية في شنغهاي    الواقع الثقافي اليمني في ظل حالة "اللاسلم واللاحرب"    تغاريد حرة .. انكشاف يكبر واحتقان يتوسع قبل ان يتحول إلى غضب    كلمة الحق هي المغامرة الأكثر خطورة    "فيديو" جسم مجهول قبالة سواحل اليمن يتحدى صاروخ أمريكي ويحدث صدمة في الكونغرس    قرار جديد في تعز لضبط رسوم المدارس الأهلية وإعفاء أبناء الشهداء والجرحى من الدفع    مشاريع نوعية تنهض بشبكة الطرق في أمانة العاصمة    ارشادات صحية حول اسباب جلطات الشتاء؟    انتقالي الطلح يقدم كمية من الكتب المدرسية لإدارة مكتب التربية والتعليم بالمديرية    مواطنون يعثرون على جثة مواطن قتيلا في إب بظروف غامضة    اليونيسيف: إسرائيل تمنع وصول اللقاحات وحليب الأطفال الى غزة    قيمة الجواسيس والعملاء وعقوبتهم في قوانين الأرض والسماء    عدن في قلب وذكريات الملكة إليزابيث الثانية: زيارة خلدتها الذاكرة البريطانية والعربية    5 عناصر تعزّز المناعة في الشتاء!    الشهادة .. بين التقديس الإنساني والمفهوم القرآني    الزعوري: العلاقات اليمنية السعودية تتجاوز حدود الجغرافيا والدين واللغة لتصل إلى درجة النسيج الاجتماعي الواحد    كم خطوة تحتاج يوميا لتؤخر شيخوخة دماغك؟    مأرب.. تسجيل 61 حالة وفاة وإصابة بمرض الدفتيريا منذ بداية العام    كما تدين تدان .. في الخير قبل الشر    الزكاة تدشن تحصيل وصرف زكاة الحبوب في جبل المحويت    "جنوب يتناحر.. بعد أن كان جسداً واحداً"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



زيارة إلى معابر التهريب في حدود اليمن والسعودية
نشر في نشوان نيوز يوم 27 - 07 - 2012

لعبور حدود أي دولة بطريقة نظامية هيبة كبيرة، لكنها تزداد وتصبح مصحوبة بحذر أكبر عندمام تغدو محاولة لتجاوز تلك الحدود بطريقة غير نظامية.. فتجربة اختراق جدار الموت التي خاضتها "الوطن" في سورية، دفعت إلى خوض تجربة مماثلة للتوغل في الوجه الآخر من ملف "عملاء إيران" في المنطقة.

فبعد سورية التي تسعى من خلالها طهران إلى تكوين جسر من الأعداء شمال المملكة، اتجهت إلى الجنوب لرصد نشاطات التنظيم الحوثي الذي يعمل جنباً إلى جنب مع "القاعدة" في خدمة مصالح القوى اليمنية العنصرية الفارسية المتشددة في الحكومة الإيرانية، والتي تحاول فرض نفوذها خارج إيران كما تعمل في الداخل الإيراني من خلال السيطرة على خيوط الواقع السياسي والأمني والعسكري والاقتصادي.
اختراق الحد الجنوبي
عند بدء التخطيط للرحلة إلى اليمن، كانت الفكرة أن أعبر الحدود. وكان الهدف أن أرى وأقوم الوضع الأمني على هذه الحدود التي تتصدى المملكة لمواجهة 3 أخطار داهمة: أولها تنظيم "القاعدة" الذي نقل قيادة عملياته إلى هناك مصدراً العناصر والطابعات والسيارات المفخخة والتي يقوم على تجهيزها مهندس التنظيم إبراهيم حسن عسيري، خبير المتفجرات والسموم. والثاني هو الحوثي وعناصره الذين تحولوا من مذهبهم الزيدي إلى الشيعي الاثني عشري المتشدد عميل إيران في اليمن. أما العنصر الثالث فهو المتسللون القادمون من أفريقيا ومن اليمن ويحملون في جعبتهم أجندات لدول معادية للمملكة. خرجت من المكتب وأنا أفكر في رحلتي إلى اليمن، لأجد عند إشارة المرور الضوئية طفلا يمنيا أعاد إلى ذهني الجانب الإنساني الذي غيبته المعادلات السياسية والإستراتجية.
ولطالما مثلت المملكة الجارة لدولة اليمن، مركز جذب لملايين من الشباب اليمني الهارب من سوء الأوضاع الاقتصادية في بلادهم وندرة فرص العمل. والطريق إلى المملكة هو طريق الحياة أو الموت، بسبب وعورة الطريق الذي زادته صعوبة العمليات العسكرية المشتعلة بين الحوثيين وجيرانهم من القبائل والسلفيين ومع الجيش اليمني وتوقفت مع تسببه في مزيد من التواجد الأمني والعسكري شمالا من جانب اليمن وفي الجنوب السعودي حيث أغلقت الحدود في وجه الجميع ليدفع فقراء اليمن ثمن الحرب مع تردي الوضع الاقتصادي الداخلي.
توجهت إلى صناعية العروبة في الرياض محاولا التحدث مع عابرين للحدود وقد نجحت بسرعة في التواصل مع أحدهم. إنه وليد الأمين، يماني عبر الحدود باحثا عن لقمة العيش في إحدى المناطق الصناعية في الرياض. هو شاب ظهر التعب على محياه والقلق والخوف بسبب عدم نظامية عمله في المملكة، وعدم استقراره في اليمن بسبب الفقر وغياب الفرص الوظيفية. سألته: "كيف وصلت وكم دفعت مقابل ذلك؟". فأجاب: "عملية التهريب كانت تكلف في السابق ما بين ألف إلى ألفي ريال للشخص الواحد من اليمن إلى الرياض، لكنها ترتفع في الظروف الأمنية الصعبة كالتي حصلت بسبب الحرب مع الحوثيين من أول السنة ليصبح المبلغ ما بين 4 آلاف و6 ثلثها للمهرب اليمني من منطقة الطوال والباقي للمهرب داخل المملكة، والآن وصلت إلى أكثر من 18 آلاف وكثير منها تنتهي بخيانة المهرب لنا".
رحلة المتاهة
سألته "أين يوصلكم المهرب السعودي ومن يعرفكم به؟". فقال "المهرب اليمني يعطينا أحيانا هاتفاً لشخص نتواصل معه وأحيانا نصل فنجد سيارات عادية نتفاوض معهم على التوصيلة إلى أقرب مدينة أو إلى المنطقة التي نريد الذهاب لها". سألته "هل يقوم عادة بالمهمة أم يتخلى عنك؟". فقال: "أنا حظي كان طيبا كل مرة أدخل فيها للمملكة، يوصلني السائق إلى إخواني في الرياض، لكننا نعرف أن احتمال الخيانة موجود أن يوصلك لمكان خطأ أو يتخلص منك إذا رأى سيارة شرطة أو يسلبك فلوسك تحت تهديد السلاح، كثير من المشاكل يمكن أن تحصل لكن الدخول الآن أصبح صعباً منذ الحرب على الحوثيين".
وأثناء حديث "الوطن" حصلت تحركات غير عادية حيث ركض عدد من العمال وتوجهت الأنظار بخوف نحو بوابة المنطقة الصناعية، وازداد عدد الراكضين هربا بين السيارات المعطلة وفي أبواب تؤدي إلى الشوارع الخلفية، ونظرت إلى حيث نظر الجميع قبل هروبهم لأجد سيارة للجوازات "تتولى عملية القبض على العمالة غير النظامية"، وبطبيعة الحال فقد كان من ضمن الهاربين وليد الأمين، كل من بقي آنذاك كان من العمالة اليمنية النظامية الذين لم يكن الموضوع يعنيهم فهم يبتسمون ويقولون لي "نظاميين نحن لدينا إقامة".
العودة إلى وليد
رجعت في اليوم التالي، وقمت ببعض الاتصالات حتى نجحت في الوصول إلى وليد الأمين وكان سؤالي: "لماذا هربت أمس.. وإلى أين؟". فقال "ألم تشاهد دورية الحكومة، هربت لأنهم لو مسكوني تكون مصيبة على أهلي وعلي لأنني منذ عودتي لم أوفر المبلغ الذي استدنته للوصول إلى المملكة، وهربت إلى الشوارع الجانبية ونمت في حي البطحا". سألته: "إذا كنت تعيش في مثل هذا القلق والخوف، فلماذا لا ترتب وضعك القانوني وتحاول الحصول على إقامة نظامية؟"؟ فأجاب وليد وعيونه تحكي الهموم والخوف وكان لا يتوقف عن المراقبة خوفا من دخول سيارة الجوازات: "يا أستاذ تتكلم كأنك جاهل بالوضع، كيف أحصل على تأشيرة، لازم أشتريها وتكلفني 17 ألف ريال. من أين آتي بها"؟.
رحلة الموت
أثناء حواري مع وليد الأمين، اقترب شاب طلب أن يتحدث لي فقال: "أنا أحمد العوذلي يماني جئت إلى السعودية 3 مرات بشكل غير نظامي، وكانت كل رحلة تعني لي الموت قبل الحياة لا اصدق أننا نصل إلى الرياض، مرة انقلبت فينا السيارة ومات معي خلق كثير لأننا كنا نركب في الخلف، وكانوا يسرقون أموالنا، وأناس يموتون وهم في الطريق لأن ليس لديهم مال يدفعونه للمهربين، فيمشون على أقدامهم ويموتون من العطش أو من الأفاعي والعقارب المنتشرة على الحدود، لكن الجوع وبكاء الأطفال والعجز يدفعنا إلى الموت هربا من الموت الأصعب الموت البطيء إنه الموت من العجز وأطفالنا يبكون أمامنا جوعا في بلد الناس فيه طبقتان أغنياء جدا أو فقراء جدا".
سألته "كم تدفع في كل زيارة؟"، فأجاب: "بين 3 آلاف ريال و6 آلاف وتصل أحيانا إلى 8 آلاف، حسب المهربين الذين نلقاهم في مواقف السيارات في الطوال يصيحون علنا "الطوال - السعودية". لا يسألونك من أنت وماذا تحمل، فهذا لا يهمهم". سألته "كيف ترون الحوثيين؟"، فقال: "والله ابلشونا، صرنا نخاف نمر في منطقتهم، يسلبون سياراتنا وحلالنا. الحرب سكرت الطريق علينا إلى السعودية إذ أصبج هناك أمن وجيش رغم أن الحرب انتهت من زمان. صار التهريب إلى المملكة خطراً".
غدر وكذب المهربين
قلت له "بالأمس كنت تسمع كلام وليد الأمين، لكنك لم تهرب عندما جاءت سيارة الجوازات، لماذا؟". فقال "أنا نظامي. سعودي يعمل في التجارة، التقيته وصلحت له سيارته فعرض علي أن يعطيني إقامة، وفعلاً راجعته أعطاني فيزا فغادرت المملكة ثم رجعت نظامياً الأسبوع الماضي". سألته "كم دفعت له؟"، فقال: "مجاناً، أراد مساعدتي. شرحت له وضعي وأعطاني فيزا لوجه الله". وكان سؤالي الأخير: "هل صادفت أطفالاً يحاولون العبور؟"، وأجاب: "كثيرون ومن دون أهلهم أيضاً". فتابعت استفسر عن أوضاعهم وقيمة تهريبهم واستغلالهم، فكان الجواب مع ابتسامة حزينة من العوذلي وهو يقول: "والله ما أعرف عنهم شيئا كل واحد مشغول بنفسه". قلت له: "أنا أحاول الدخول لليمن من الحدود وأبحث عن مهرب هل يمكن أن تساعدني؟". فقال: "أنا توقفت عن الدخول لأن الموضوع أصبح شبه مستحيل ونجلس شهرين أو ثلاثة في بحث متواصل حتى نجد مهرباً، وكثيرا ما يغدرون بنا ويكذبون علينا لأنهم يعرفون أن الطريق أصبح مغلقاً منذ الحرب على الحوثيين".
فبقي السؤال حول الأطفال العابرين للحدود بين السعودية واليمن وهدفهم مساعدة أهلهم هو ما يحتاج إلى إجابة في الرياض أو اليمن قبل سفري إلى هناك حيث كانت الاتصالات لا تزال مستمرة للبحث عن وسيلة لعبور الحدود بين الجانبين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.