تقول تقارير إن الولاياتالمتحدةالأمريكية تخطط للاستغناء عن استيراد النفط والاكتفاء الذاتي من الناتج المحلي بعد مؤشرات تحول حقيقي بزيادة المخزون النفطي والاعتماد على طرق حديثة لاستخراجه اضافة الى تفعيل وسائل الطاقة البديلة والتركيز على نفط الصحراء الكبرى بأفريقيا ونفط البحر الكاريبي، بعد السيطرة على مخزون العراق، وهذا هو مشروع وزير الخارجية الأمريكي الجديد (جون كيري) منذ كان منافسا لرئاسة البيت الأبيض في 2004.. ما يعني أن منطقة الجزيرة العربية لم تعد البقعة الجغرافية التي تؤمّن العالم ويجب الحفاظ عليها، ولم يعد عصب الحياة الحديثة بيد مجاميع البدو التي تطاولت بالبنيان. وإذا ما ربطنا ذلك التطور المتوقع بصعود قوى إسلامية إلى الحكم في أكثر من قطر هام، وخصوصاً مصر و اليمن ومخاوف الصهيونية من كيان عربي، فإن قادماً أسود ينتظر المنطقة وخصوصاً منطقة الجزيرة العربية، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية. ويبدأ الشرق الأوسط الجديد المتزامن مع مرور عقد على احتلال العراق ، بتقسيم اليمن أو وضعه على أهبة الاستعداد للتقسيم تدريجياً عن طريق التدخل في شكل نظامه وتقسيمه إلى أقاليم جاهزة للانفصال ومتصارعة في المركز الهش الأضعف في الوضع الحالي.. ويلي ذلك السعودية، ليس بتقسيمها، وإنما بإنهاء الدولة فيها، وإعادتها إلى الصفر.. إذ أن اليمن يحتفظ بهوية تاريخية وجغرافية تجعل الصراع فيه على الحكم والوحدة.. بينما يراهن أعداء السعودية على عدم وجود صيغة تجعل تلك المنطقة الجغرافية كتلة متحدة أو منقسمة على اثنين أو حتى ثلاثة. لقد أدرك المجموع الصهيوني الذي يوجه سياسات الدول العظمى تجاه المنطقة العربية أن الشعوب لم تنقسم كما هو حاصل في الأنظمة الحاكمة وأن الخارطة التي رسمتها بريطانيا وفرنسا في القرن الماضي لم تفلح في القضاء على شعور عربي موحد.. وذلك ما ثبت عملياً من خلال ثورات الربيع الذي بدت فيه الجماهير العربية من تونس إلى مصر إلى ليبيا واليمن وسوريا ... كما لو أنها في مدينة واحدة. ولم يكن الوقت كافياً للتحكم بمخرجات الربيع في مصر وتونس، وبدا الاسلاميون الواقع الذي سيفرض نفسه كبديل للأنظمة المنهارة، كما جرى التحكم في اليمن وليبيا وسوريا بعد ذلك.. ففي الأخيرة أعطيت الفرصة للأنظمة وشجعت من تحت الطاولة للدخول في حرب مع الشعوب.. ليس لإبقاء تلك الأنظمة بل من أجل ثمن باهظ للثورة تتحكم في مخرجاته القوى الدولية المهيمنة بعد أن يكون الوقت قد فرز الواقع واحتاج الجميع إلى الخارج الأقل إثماً. ومن نقطة الحركات الإسلامية يعتقد الجمع الصهيوني أن انفتاحها على الغرب ووعودها له مجرد تكتيك لحين الانتهاء من استقرارهم في السلطة، ثم ليس مؤكداً البتة أن هذه الأنظمة المنبثقة من ثورات شعبية ستقبل ببقاء الكيان الإسرائيلي في الجسد العربي كما كان حاصلاً في العقود الماضية، وذلك ما بدا أيضاً من خلال الدور الذي لعبته مصر في الحرب الأخيرة على غزة، والتي كان واضحاً أنها قامت كاختبار لمصر الذي يقودها الرئيس محمد مرسي.. وبالرغم من الاطمئنان الخارجي للوضع في اليمن بعد الثورة والذي أصبحت فيه الولاياتالمتحدةالأمريكية اللاعب الأول، إلا أن بوادر صعود التيارات الإسلامية إلى الواجهة الجديدة هي المسيطر، والخوف إذا نشأ تحالف سني بين هذه الأنظمة الصاعدة مع دول الخليج العربي وعلى رأسها المملكة العربية السعودية في ظل وجود عدو إقليمي مشترك هو إيران، وبإمكان الدعم الخليجي أن يسهم في تعزيز الأمن والاستقرار لدى الأنظمة الجديدة، وهذا التحالف المستند إلى الجماهير والمستفيد من أخطاء الماضي مضافاً إليه تركيا، لا يهدد المشروع الصهيوني الإيراني فحسب، بل ينذر بتكون كيان عربي إسلامي واستقرار بعيد المدى. هنالك لابد من إشغال الشعوب بنفسها وتقسيم المقسم وتجزئة المجزأ ولا تُستثنى قبلة المسلمين والدولة الراعية للحرمين، المملكة العربية السعودية التي تشهد شيخوخة في القرار على أبواب انتقالة الحكم من الجيل الأول للجيل الثاني دون منهج واضح وفي ظل غموض مسيطر.. وتسعى الجهات المنفذة للسياسة الصهيونية إلى إقناع السعودية أن الخطر الشيعي على أنظمة الحكم في الخليج السني ليس له أي تأثير، مقابل الخطر الحقيقي المتمثل في تنظيم الإخوان المسلمين الذين أسقطوا الأنظمة المجاورة ولن يكتفوا بما لديهم.. وبالتالي التحالف بين الإخوان والسعودية ضد إيران سيزيد التغلغل.. والتحالف أو الهدنة بين السعودية وإيران مقابل تطمينات تقدمها الأخيرة، لمواجهة الإخوان سيكون أنجع، بصيغة مقاربة لما كان في السابق، حين اجتمع هدف إسقاط النظام العراقي السابق لدى الخليج وإيران.. بعد أن وقعت الفتنة الأولى بين الحليفين: العراق والخليج. هذا الطرح- لضرب الإخوان بالسعودية والسعودية بالإخوان- تدفع إليه بعض التيارات في الخليج، كما يقوم اللوبي الصهيوني بفرضه برنامجاً على الولاياتالمتحدةالأمريكية والدول العظمى.. واليمن الذي أصبح بيد السفراء الغربيين ومساحات شاسعة منه بيد الميليشيات الانفصالية المدعومة والموالية لإيران شمالاً وجنوباً، يبدو المنطلق نحو الشرق الأوسط الجديد، وقد كان لافتاً الانفتاح الخليجي على الانفصاليين واستقبالهم في الرياض والبيانات التي أصدرها انفصاليون مقربون من السعودية، كما هو لافت ذلك التصعيد الانفصالي في بعض المحافظات الجنوبية رغم وجود (وجهود) عبدربه منصور هادي كرئيس من أبناء المحافظات الجنوبية ومثله رئيس الوزراء وقادة الجيش.. ويطرح بعض الانفصاليين أنفسهم على السعودية كحليف في مواجهة الانفصاليين المدعومين من إيران لتوريطها في الفخ وتسليم اليمن لإيران بأموال سعودية، مثلما تم احتلال العراق وتسليمه لإيران وكانت الدوائر الأمريكية تردد أنها ستزيح الخطر عن السعودية، ثم ظهر بعد ذلك إن البديل هو إيران.. وحتى عملاء أمريكا غير المرتبطين بإيران، لم يجدوا لهم مكانا في العراق المحتل. ويبدو أن أطرافاً تسعى لإقناع دول الخليج بأن الحل في اليمن هو انفصال آمن وسلس ومحمي بقوات وقواعد دولية، والأرجح إلى ثلاث جبهات: في الشمال والوسط جبهة شيعية تتقاتل مع القوى الإسلامية والقبلية والأغلبية السنية وقتال مناطقي على الحدود من المحافظات المنفصلة.. وفي الجنوب، عدن وما جاورها، قواعد أمريكية وبريطانية تؤمن باب المندب وتكون جداراً يمنع تسرب سيول الدماء اليمنية إلى البحر حتى لا تعكر صفو الممرات المائية الدولية.. ويتم إغراء السعودية بفتح منفذ لها إلى البحر العربي عن طريق فصل حضرموت كجبهة ثالثة بموالين لها والحقيقة أن إيران سبقتها على الميدان وقامت (عبر الجبهة الشرقية عُمان) بإعداد المسرح بما يناسبها هي، ويتضح ذلك من خلال ألقاب قيادات المشروع الانفصالي شمالا وجنوبا وشرقا. ولم نسمّ ما سبق دويلات بقدر ما هي جبهات. وفي مرحلة ما من العملية الجارية تتسلم الأذرع الإيرانية شظايا اليمن المنقسم وتبدأ بنهش السعودية من جهتها، لإنهاء دولة آل سعود التي قامت بطباعة ملايين المصاحف وأمنت مركز الدعوة الإسلامية، وجلبت خزائن العالم مقابل ما كان من ثروة نفطية مخزونة في باطن الأرض.. ليس هناك صيغة بديلة لدولة في تلك المنطقة الواسعة.. وستصبح عشرات، والبدو الذين أكلوا مليارات العالم وتطاولوا في البنيان يجب أن يعودوا، ليس أمراء للمناطق المقسمة، ولكن إلى جمالهم بعد أن تم تجاوز جريمة الطاقة أو "خطأ الرب" (سبحانه)، بتعبير أحد جنود المارينز! وأثناء ذلك لن تكون مصر بعيدة عن تقسيم المقسم وتجزئة المجزأ، بل لها ما يتناسب معها، ويبدو الوضع الجديد أيضاً وكأنه منطلق من نظرية السياسي الإمامي المنظّر للحوثيين محمد عبدالملك المتوكل والخاصة ب"توازن القوى" كبديل عن الدولة وتعميم النموذج اللبناني، وتبدو عبارات الحوار التي تتكرر في يوميات السياسة المصرية بطريقة شبيهة بما جرى في اليمن وكأنها تعميم. وبالتالي يبدو "الحوار" كأنه البدعة الجديدة كبديل للديمقراطية وإرادة الأغلبية التي بدا أنها منحازة إلى القوى الإسلامية والقومية المحافظة. إن خطورة التواطؤ مع تقسيم اليمن على الخليج لا تقارن مع تجربة ما حصل في العراق، والتي أثبت فيها الغرب أنه لا يأتمن سوى العنصر الإيراني ولا يطمئن إلا له مهما قدم الاخرون من تنازلات، وأول من تضرر هو الخليج العربي.. أما في اليمن فسيكون كارثياً وهو ليس إلا بداية.. وقد سمعنا الكثير من الأصوات الخليجية تعبئ ضد الإخوان المسلمين والأنظمة الجديدة في دول الربيع العربي، رغم ما بدا واضحاً من حرص من قبل الأحزاب الإسلامية (الاخوان تحديدا) في مصر واليمن وغيرها على علاقات واسعة واستراتيجية مع دول الخليج.. ثم رأينا التساهل الخليجي في استقبال الأصوات الانفصالية اليمنية ما يشير إلى أن هناك جهات تدفع بقوة لضرب المنطقة وقطف ثمار الربيع في القضاء على المنطقة عشرات ومئات السنوات القادمة. على أن ما يضاعف من خطورة الأمر أن الإخوان لم يستطيعوا حتى الان تقديم الطمأنات اللازمة لحكام الخليج في أن تصدير الربيع لدولهم أمر غير وارد ظاهرا وباطنا، كما لم يستطيعوا تجنب فخاخ الوقيعة الإيرانية بينهم والخليج رغم ان طهران تعتبرهم العدو التاريخي لكنها تحاول تحييدهم قدر الإمكان ريثما تنجح في إسقاط دول الخليج.