وزارة الشباب والرياضة تكرم موظفي الديوان العام ومكتب عدن بمناسبة عيد العمال    إلى رئيس الوزراء الجديد    كيف أصبح السيئ بطلاً؟    مؤسستي الكهرباء والمياه بذمار تحييان الذكرى السنوية للصرخة    مليون لكل لاعب.. مكافأة "خيالية" للأهلي السعودي بعد الفوز بأبطال آسيا    أرواحهم في رقبة رشاد العليمي.. وفاة رجل وزوجته في سيارتهما اختناقا هربا من الحر    القسام توقع قوة صهيونية بين قتيل وجريح بكمين مركب في خانيونس    15 غارة للعدوان على الجوف ومأرب    الأرصاد تتوقع أمطاراً رعدية بالمناطق الساحلية والجبلية وطقساً حاراً بالمناطق الصحراوية    من أين تأتي قوة الحوثيين؟    تفاصيل جديدة لمقتل شاب دافع عن أرضه بالحسوة برصاص من داخل مسجد    بيع شهادات في جامعة عدن: الفاسد يُكافأ بمنصب رفيع (وثيقة)    شركات الطيران العالمية تلغي رحلاتها إلى كيان العدو بعد تحذيرات اليمن    رسميًا.. بايرن ميونخ بطلًا للبوندسليجا    تشيلسي يضرب ليفربول ويتمسك بأمل الأبطال    تدشين برنامج ترسيخ قيم النزاهة لطلاب الدورات الصيفية بمديرية الوحدة بأمانة العاصمة    نائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي الدكتور عبدالله العليمي يعزي في استشهاد عمر عبده فرحان    بدء تنفيذ قرار فرض حظر على الملاحة الجوية لمطارات الكيان    فشل المنظومات الاعتراضية الأمريكية والإسرائيلية وهروب ثلاثة ملايين صهيوني إلى الملاجئ    ورطة إسرائيل.. "أرو" و"ثاد" فشلا في اعتراض صاروخ الحوثيين    تدمير المؤسسة العسكرية الجنوبية مفتاح عودة صنعاء لحكم الجنوب    يادوب مرت علي 24 ساعة"... لكن بلا كهرباء!    وزير الصحة ومنظمات دولية يتفقدون مستشفى إسناد للطب النفسي    قدسية نصوص الشريعة    فيما مصير علي عشال ما يزال مجهولا .. مجهولون يختطفون عمه من وسط عدن    صرخةُ البراءة.. المسار والمسير    الاجتماع ال 19 للجمعية العامة يستعرض انجازات العام 2024م ومسيرة العطاء والتطور النوعي للشركة: «يمن موبايل» تحافظ على مركزها المالي وتوزع أعلى الارباح على المساهمين بنسبة 40 بالمائة    متى نعثر على وطن لا نحلم بمغادرته؟    تطور القدرات العسكرية والتصنيع الحربي    من أسبرطة إلى صنعاء: درس لم نتعلمه بعد    أمريكا بين صناعة الأساطير في هوليود وواقع الهشاشة    ملفات على طاولة بن بريك.. "الاقتصاد والخدمات واستعادة الدولة" هل يخترق جدار الأزمات؟    المصلحة الحقيقية    أول النصر صرخة    مرض الفشل الكلوي (3)    دوي انفجارات في صنعاء بالتزامن مع تحليق للطيران    التحذير من شراء الأراضي الواقعة ضمن حمى المواقع الأثرية    العشاري: احراق محتويات مكتب المعهد العالي للتوجيه والارشاد بصنعاء توجه إلغائي عنصري    إلى متى سيظل العبر طريق الموت ؟!!    وسط إغلاق شامل للمحطات.. الحوثيون يفرضون تقنينًا جديدًا للوقود    صنعاء .. طوابير سيارات واسطوانات أما محطات الوقود وشركتا النفط والغاز توضحان    نصيحة لبن بريك سالم: لا تقترب من ملف الكهرباء ولا نصوص الدستور    قيادي حوثي يفتتح صيدلية خاصة داخل حرم مستشفى العدين بإب    «كاك بنك» يدشن خدمة التحصيل والسداد الإلكتروني للإيرادات الضريبية عبر تطبيق "كاك بنكي"    ريال مدريد يحقق فوزًا ثمينًا على سيلتا فيغو    الدكتور أحمد المغربي .. من غزة إلى بلجيكا.. طبيب تشكّل وعيه في الانتفاضة، يروي قصة الحرب والمنفى    أطباء تعز يسرقون "كُعال" مرضاهم (وثيقة)    92 ألف طالب وطالبة يتقدمون لاختبارات الثانوية العامة في المحافظات المحررة    يفتقد لكل المرافق الخدمية ..السعودية تتعمد اذلال اليمنيين في الوديعة    لاعب في الدوري الإنجليزي يوقف المباراة بسبب إصابة الحكم    الأهلي السعودي يتوج بطلاً لكأس النخبة الآسيوية الأولى    المعهد الثقافي الفرنسي في القاهرة حاضنة للإبداع    - حكومة صنعاء تحذير من شراء الأراضي بمناطق معينة وإجراءات صارمة بحق المخالفين! اقرا ماهي المناطق ؟    "ألغام غرفة الأخبار".. كتاب إعلامي "مثير" للصحفي آلجي حسين    مقاومة الحوثي انتصار للحق و الحرية    مقاومة الحوثي انتصار للحق و الحرية    القاعدة الأساسية للأكل الصحي    الكوليرا تدق ناقوس الخطر في عدن ومحافظات مجاورة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



السعودية.. طرف ثالث في الشأن اليمني لا وسيط!!

دخلت المملكة العربية السعودية على خط الحدث الكبير الذي تشهده اليمن اليوم بمبادرة لا تزال تحظى باهتمام من قبل وسائل الإعلام المحلية والعالمية يفوق -ربما- الحدث الذي استدعاها، ومن دهاء النظام السعودي المسنود بدهاء الإدارة الأمريكية، أنها دخلت تحت غطاء «دول مجلس التعاون الخليجي».

لم يأت الموقف السعودي الساعي -في ظاهر الأمر- للوساطة استجابة لطلب الرئيس وإن كان هو من طلب المبادرة، ولا استجابة لنداءات الشباب المعتصمين الذين لا يزالون يطالبونها وغيرها باتخاذ موقف إزاء ما يتعرضون له من تقتيل وتنكيل، كما لم تفعل ذلك استجابة لنداء الضمير ولا بدافع أخلاقي أو إنساني، باعتبار أن مفردات الأخلاق والإنسانية من المفردات البائدة في قواميس الأنظمة السياسية وقد حلت محلها مفردات المصلحة والنفوذ والسيطرة.
وإذن فمبادرتها مطروحة ولن تسحبها ولو رفضها كل من في اليمن، وهي تقريباً مرفوضة من كل الأطراف اليمنية: الرئيس ونظامه، والمشترك وشركائه، وشباب الثورة وشيوخها.
بدأت المملكة التعامل مع الحدث اليمني على أساس أنه أزمة سياسية بين النظام والمعارضة. وكان هذا طبيعياً ومنطقياً، ذلك أن توصيفها كأزمة سياسية بين النظام والمعارضة أمر يفتح نافذة للدخول والوصول إلى أشخاص وأطراف يمكن التواصل معهم، وهذه الأطراف هي الرئيس والمعارضة، ولا بأس بعد ذلك من تواصل مع قوى وشخصيات أخرى بشكل غير رسمي. وفي حال كانت أعلنت توصيفها لما يحدث بأنه ثورة شعب فإن هذا كان سيعني إغلاق هذه النافذة، إذ ليس -مع الثورة- مجال للمبادرة والوساطة.
معنى هذا أنها نظرياً تعاملت مع ما يحدث على أنه أزمة سياسية، وعملياً على أنه ثورة، أو أقرب إلى الثورة منه إلى الأزمة.
وتدرج الأمر وتسارعت التطورات بصورة جعلتها تغير البند الذي يتعلق بالطرفين المطلوب توقيعهما من: الرئيس والمعارضة، إلى: المؤتمر والمعارضة. وبهذا -مع بعض التعديلات الأخرى- أصبح تعاملها مع الأمر نظرياً وعملياً على أنه أزمة سياسية بين سلطة ومعارضة وليست ثورة شعب ضد نظام.
رفع الغطاء السعودي عن الرئيس صالح
تستمد المبادرة الخليجية خطورتها وأهميتها وبعدها السياسي من الجديد الذي تتضمنه بشأن الموقف السعودي من نظام صالح، إذ أعلنت المملكة عبر هذه المبادرة رفعها الغطاء عن صالح الذي ظل طيلة سنوات حكمه معتمدا عليها سياسيا وماديا. إذ أن المبادرة تعلن تخلي المملكة صراحة عن نظام صالح ورفع الغطاء عنه. وهو أمر فوق ما كان متوقعا، وكانت صدمة الرئيس بها أكبر من صدمة الشباب في الساحات والميادين رغم رفضهم لها منذ اللحظات الأولى. أما عدم انحيازها إلى الثورة فهو أمر طبيعي ولا يتوقع عكسه. أو على الأقل: يستطيع الشباب أن ينجزوا ثورتهم من غير دعم المملكة -رغم ما سيواجهون من صعوبة- بينما لا يستطيع النظام الصمود من غير هذا الدعم لساعات فضلا عن أيام.
كان على الشباب أن يدركوا هذه النقطة من البداية، وأن مجرد إعلان المملكة رغبتها في تنحي صالح، يعني أنها قد حددت وجهتها وألقت الكرة في ملعبهم. وكان مطلوبا منهم أحد أمرين: إما القبول مباشرة بهذه المبادرة. وإما رفضها والتصعيد باتجاه إسقاط النظام الذي لن يجد مساندة من المملكة التي ستلجأ إلى تصعيد موقفها منه بشكل متواز مع تصعيد الشباب في الداخل، باعتبار أن هذا الموقف السعودي قد جاء أصلا انعكاسا لثورة الشباب، ومن الطبيعي أن يوازيه في التصعيد. إلا أن هذا لم يحدث، وعدم حدوث أي منهما كان خطأ جوهريا. ولا علاقة لهذه الأسطر بتفسير عدم حدوث التصعيد الذي كان مطلوبا خلال الشهر الفائت الذي انقضى حوارا بلا جدوى بين النظام والمعارضة بشأن المبادرة الخليجية، ولكن المقام يقتضي التطرق إلى خطأ رفض المبادرة أول مرة.
والخلاصة في هذه النقطة أن المملكة كانت تتوقع من الرئيس رفضا مباشرا للمبادرة وبصورة قاطعة نظرا لأنها تنص على تنحيه وإن خلال شهر (منذ طرحت المبادرة فترة شهر للتنحي، انقضى أكثر شهر!!). ولهذا فرفضه لها في خطابه الشهير حين وصفها بالقطرية وقال إنها «مرفوضة، مرفوضة، مرفوضة»، كان أمرا متوقعا لأنه هو من سيغادر السلطة، ورأت المملكة أن هذه الصدمة التي صدمت بها صالح يمكنها تلطيفها ببعض البنود التالية للبند الأول الذي ينص على التنحي في صيغة نقل السلطات إلى نائبه.
ما لم يكن متوقعا هو رفض المشترك لهذه المبادرة في ذلك الحين، ومن ورائهم الشباب في الساحات، وكان محمد قحطان الناطق الرسمي للمشترك قد قال فور إعلان المبادرة إن قرار المشترك إزاءها بيد المجلس الأعلى المشترك واعتبرها من وجهة نظره جيدة وإيجابية. وكان نظره يتصف بالبعد في هذه الكلمة، لكن المشترك رفضها في اليوم التالي ثم عاد يعبر عن تحفظه ثم أعلن قبولها، وبد موقفه ملجلجا.
وربما أن هذا الموقف استفز المملكة، وأضيف إليه موقف الشباب الرافض لها، وكأن تراجع المبادرة وانحيازها تدريجيا لصالح الرئيس جاء نكاية بالمعارضة وكل أبناء الشعب اليمني المنخرطين في الثورة، وخلف هذا التراجع رسالة سعودية مفادها: مادمتم رفضتم المبادرة فدونكم الساحات والميادين، وليمعن علي صالح فيكم القتل حتى تستنجدوا بنا وتستجدوا مبادرتنا وتوقعوا عليها قبل أن تعرفوا مضمونها وتعترفوا لنا -فوق ذلك- بالجميل!!
نجاح الثورة أو الفوضى
الأسبوع الماضي منحت أحزاب المعارضة الرئيس مهلة للتوقيع على المبادرة أو تلتحم بالجماهير ماضية في خيار المسار الثوري، وكان ذلك سابقا بيوم واحد لانعقاد القمة الخليجية الثلاثاء الماضي، الأمر الذي جعل المهلة تبدو وكأنها رسالة إلى الخليج أكثر مما هي موجهة للرئيس.
وكانت التعديلات الأخيرة التي أدخلت على المبادرة الخليجية وقدمت المبادرة بموجبها فيما أطلق عليه ب»النسخة الرابعة»، قد أثارت حفيظة المشترك وخلقت شعورا لدى كثير من المتابعين والمحللين بأن هناك مؤامرة بين السعودية والرئيس، أو على الأقل شيئا من التفاهم بين الطرفين على حساب الشعب اليمني وثورته.
وفي حال صح أن دول الخليج أضمرت سوء النية وراء مبادرتها، وأنها هدفت من ورائها إلى امتصاص التوجه الثوري وتمييع خيار الثورة، فإن العسكريين المنضمين إلى الثورة، وفي مقدمتهم علي محسن الأحمر ومن إليه من القيادات الرفيعة في القوات المسلحة لن يعودوا إلى منازلهم -في حال نجحت هذه المؤامرة- وإنما سيعودون إلى الزنازين. بل يصدق مثل هذا الكلام في ظل أي نظام عربي، أما في ظل نظام الرئيس صالح، فلن يكون مصيرهم الزنازين وسيكون مصيرا آخر هم أدرى الناس به وأكثر الناس قدرة على توقعه، ولا شك أنهم يعرفون أن العودة إلى الزنازين أرحم لهم بكثير من ذلك المصير. لذا: لا يمكنهم التراجع عن الثورة حتى لو تراجع عنها بقية الشعب!!
وذات الأمر ينسحب على موظفي السلك المدني وفي المقدمة كبار المسؤولين. ومن المؤكد أن يد الانتقام المستعر ستكون أطول من أن تنتهي عند هؤلاء لتشهد فترة ما بعد إجهاض الثورة -إن نجح هذا المخطط المفترض- صورا من الانتقام التي تستهدف جميع الناشطين في الثورة من السياسيين والحقوققين والحزبيين..إلخ. بمعنى أن تمييع الثورة أو إجهاضها خيار يعني الفوضى المحققة، وهو الخيار الذي نخشاه جميعا وتخشاه دول الخليج ودول العالم الكبرى بذات القدر. وهذا ما يجعلني أثق أن تآمر دول الخليج وتبييتها سوء النية في هذه المبادرة أمر مستبعد ولا يمكن أن يكون صحيحا، فضلا عن أن دول الخليج لا تحتاج إلى الخوض في تفاصيل هذه المؤامرة بهذه الطريقة، ولو أرادت تمييع الثورة اليمنية -وبغض النظر عن إمكانية نجاحها في ذلك من عدمه- لكان بإمكانها أن تسعى لتحقيق هدفها هذا من طرق أقصر وأجدى.
إلى هذا فإن المملكة -في حال انخرطت في هذا المخطط- ستجبر جميع الأطراف المنخرطة في الثورة على تجاوزها، وبذلك ستفقد في اليمن أكثر أوراق اللعبة التي ظلت تمسك بها وتدخرها لوقت الشدة، وستفقد صفة «المرجعية» التي لا تزال تحتفظ بها حتى اللحظة. وأعني هنا أشخاصا (عسكريين ومدنيين) بل وأطرافا وقوى بالغة الأهمية والتأثير في المجتمع اليمني من المؤكد أن المملكة ستخسرهم في حال حدثت نفسها بالتآمر على الثورة. وهي خسارة ليست هينة بالنسبة لها وإن بدت -ظاهريا- الطرف الأقوى الذي يحتاج إليه كل هؤلاء وهو الغني عنهم، ذلك أن بناء المملكة علاقتها مع هؤلاء عملية استمرت عقودا ومرت بتجارب كثيرة وليس من السهل على المملكة التفريط فيهم جميعا وفي ساعة واحدة، لأن اللحظة التي ستخسرهم فيها ستكون بمثابة انفلات اليمن من يدها بشكل شبه كلي.
صراع الأجنحة في المملكة..
هناك من لا يرى الدور السعودي الحالي في اليمن نائيا عن الصراع بين أجنحة الحكم داخل أسرة آل سعود، وتحديدا بين الملك عبدالله وولي عهده الأمير سلطان. وبحسب هؤلاء فإن الملك لا يزال يحفظ الود للرئيس صالح ولربما لا يزال يواصل دعمه سياسيا وماليا وأنه بذلك يسير في الاتجاه النقيض لما يريده الأمير سلطان الذي يسعى لتقويض صالح. والحقيقة أن مثل هذا القول ليس -من وجهة نظري- إلا ضربا فيما لا طائل منه، وليس إلا لإقناع الذات والآخرين بأن أصحابه من ذوي المقدرة الفائقة على استظهار البواطن وما يخفى من الأمور. ولا أجزم بوجهة نظري كما لا يمكن هؤلاء أن يجزموا بوجهة نظرهم، لأن الأمر -في الحالتين- لا يستند إلى معلومة. وطالما أن وجهتي النظر متساويتان في عدم استنادهما إلى المعلومة، فليكن الاحتكام إلى ما هو أصل لا ما هو استثناء. والأصل هنا يقول إن الصراع داخل الأسرة الحاكمة لا يعدو صراعا على أوراق القوة ومواقع الثقل داخل المملكة وداخل النظام، أما فيما يتعلق بالشأن الخارجي مما يتعلق بالأمن القومي للدولة كالشأن اليمني خاصة في المحطات المصيرية الفاصلة في تاريخ اليمن كلحظة الثورة الشعبية التي نعيشها اليوم، فلا مجال للحديث عن خلافات داخل الأسرة، وإنما هو قرار واحد.
المملكة.. هل تفقد خيوط اللعبة؟
يحرص الشعب اليمني على مد جسور علاقة الود مع المملكة والجميع يدرك مدى قدرتها التأثيرية على الوضع في «حديقتها الخليفة»، ويكفي الإشارة هنا إلى أن الشباب المعتصمين في الساحات ظلوا يعبرون عن رفضهم القاطع للمبادرة الخليجية لتضمنها بندا يتحدث عن منح الرئيس صالح حصانة من الملاحقة القانونية، منطلقين -في رفضهم لهذه المبادرة «الثانية والثالثة»- من معرفتهم بعلي عبدالله صالح وأنه سيرفض المبادرة أو سيحتال عليها، وإلا فهم موافقون عليها -وإن صرحوا بعكس ذلك- بدليل أنهم ظلوا متمسكين بشعار «ارحل» وظلوا -خلال فترة التباحث في بنود المبادرة- يرددون هتافات تطالب الرئيس بالرحيل، والرحيل المطلوب في هذه الهتافات هو ذاته الرحيل الذي كانوا يطالبون به قبل سقوط أول شهيد وقبل أن يتخلق مطلب محاكمة الرئيس. بل ومنذ الإعلان عن المبادرة وخلال فترة التباحث توقفوا عن التصعيد إلا من مسيرات رمزية منتظرين -من غير إفصاح- ما ستنجلي عنه المبادرة الخليجية، وعندما بدا لهم أن المبادرة تنحاز تدريجيا للرئيس وتبتعد عنهم شيئا فشيئا صرفوا النظر عنها وقطعوا الأمل وأعلنوا عن دخول ثورتهم مراحلها النهائية، في إشارة إلى اعتزامهم الاعتماد على خيار المسار الثوري فقط.. أي أن الشباب في الساحات قد لا يصرون على مطلب المحاكمة للرئيس فيما لو اقتنع الرجل بالتنحي فعلا ولم يثر الفوضى في البلاد.
والخلاصة أن المملكة بانحيازها للرئيس صالح ستفلت من يدها أغلب خيوط اللعبة، ولن تكسب -بالمقابل- الرئيس صالح الذي جربته كثيرا، وتعرف أنه إلى اليوم وهو يستجدي دعمها ويكاد يقبل أقدامها أو قد فعل ذلك حقا، تعرف أنه -رغم استجدائه لها- يجري اتصالات سرية في الوقت الراهن ببعض القيادات الحوثية ويفاوضهم على مواقع وأسلحة يسلمها لهم مقابل تراجعهم عن خيار المشاركة في الثورة السلمية، ولا يكف عن التواصل مع خصومها في المنطقة وتحديدا معمر القذافي وبشار الأسد، كما تعلم علم اليقين أن علي صالح سيريها الجحيم بمجرد أن يصل إلى هدفه، بل سينتقم منها لموقفها في المبادرة ومطالبتها له بالتنحي، ذلك أن مجرد مطالبتها له بالتنحي خلال الشهر الماضي وإن ظل في حدود مبادرة مطروحة للنقاش، هو أمر لا يمكن للرجل أن يغفره لها (ربما أن إدراكها لهذه النقطة يعتبر واحدا من أسباب تدثرها بغطاء مجلس التعاون).
وإذا كانت تراهن على أن تلك الأطراف المشار إليها آنفا بكلمة «خيوط اللعبة» من القيادات العسكرية والحزبية والاجتماعية والرأسمالية.. إذا كانت تراهن أنهم يتحرجون كثيرا من تجاوزها، فإنها مخطئة وتبالغ في الأمر أكثر مما يجب، لأن هؤلاء جميعا سيجدون أنفسهم مضطرين لتجاوزها والمضي في خيار الثورة من غير احتفال بحسابات السياسة ولا لمدى احتياجهم للمملكة بعد الثورة، ذلك أن هذا الأمر مفروض عليهم كأمر واقع أولا، وثانيا لأن المملكة ستكون مجبرة للتعامل معهم على أي حال، وسواء أثناء الثورة أو بعد الثورة، تماما كما كانت مجبرة على مد جسور العلاقة مع الشيخ عبدالله بن حسين وقبائله بعد مؤتمر حرض في 67م إلى درجة أن الرجل أصبح وكيلها في اليمن ورجلها الأول على امتداد الفترة الفاصلة بين ذلك التاريخ أواخر الستينات وإلى حين وفاته.
لقد أجبرت على مد جسور العلاقة معه رغم أنه ناصبها العداء واتخذ منها موقفا مضادا أثناء ثورة 62م بل ووقف ببندقيته وبذل كل وسعه للقتال مع الجمهورية ضد الملكية المدعومة منها مباشرة وبشكل سافر ولعقد من الزمن.
ذات الأمر سيتكرر اليوم إن رأت المملكة أن تكرره، وبدلا من أن تكون هي الطرف الأقوى في العلاقة التي تربطها حاليا بالأطراف اليمنية المذكورة سابقا، ستغدو الطرف الأضعف في ذات العلاقة ومع ذات الأطراف بعد إنجازهم الثورة مع كافة أبناء الشعب اليمني، إذ ليس المال -وحده- هو أداة التحكم بهذه العلاقة، بل هناك فكرة متأصلة وراسخة لدى هذه الأطراف مفادها أن الاحتياج للملكة والارتباط بها أمر حتمي ومصيري، وإذا اهتزت هذه الفكرة وثبت لهم أن عكسها ممكن الحدوث، فإن تلك -بحد ذاتها- خسارة ليست بالهينة بالنسبة للمملكة.
وما أريد أن أنتهي إليه، هو أن هذا الأطراف التي تعول السعودية عليها وتظن أنها لن تتجاوزها ولن تعصي لها أمرا، ستتجاوزها فعلا ولا تبالي في حال لم تعد المملكة حساباتها وتراجع تقدير الموقف وتبحث بشكل جاد في مدى إمكانية تراجع هذه الأطراف عن الثورة من عدمها.
في الستينات اعترفت بالثورة وضغطت لصياغة النظام، وهو ما تفعله اليوم..
المملكة وثورات اليمن.. التاريخ يعيد نفسه
إن موقف المملكة الحالي ليس ناشئا من خوفها من ثورة اليمن ولا من ديمقراطيته المكذوبة، وإنما ناشئ من عدم رغبتها في بقاء صالح الذي أساء إليها في الماضي، وأصبح مصدر خطر يهدد حاضرها ومستقبلها، وناشئ أيضا وفي ذات الوقت من عدم رغبتها في أن يكون البديل هو أحزاب المعارضة التي ستكون الطرف الأثقل بعد رحيل صالح وتفككت منظومته بالطريقة التي تراها المعارضة ومعها الشباب.
وبالتالي فهي لا تراوغ لتمييع الثورة ودعم صالح، ولا تمنحه الفرصة والوقت ليجد طريقا للاستمرار والبقاء، وإنما تبحث عن فترة زمنية تتمكن خلالها من صياغة المرحلة الانتقالية بالشكل المقبول لديها، وتجد الأشخاص الذين يتولون لها هذه المهمة. لأن الفترة الانتقالية سينبني عليها كل المستقبل، ومن يسيطر على هذه الفترة يتمكن -بعد ذلك- من التحكم في المستقبل ولفترة من المؤكد أنها لن تكون قصيرة.
إذ ذلك هو ما فعلته المملكة في مفاوضات الستينات مع الجمهوريين حين فرضت جملة من النقاط بما فيها أسماء شخصيات طرحتهم وحددت مواقعهم في مؤسسات الدولة التي تريد أن يكونوا فيها.
هنا، وعند هذه النقطة بالتحديد، تتقاطع مصلحتها مع مصلحة الرئيس صالح. فكلاهما يريد الوقت ليرتب أوراقه، وكل منهما يلعب الآن على طريقته حتى يسبق أحدهما الآخر، والفترة التي يتواطأ الطرفان على إطالتها ولكل هدفه منها، هي ذاتها الفترة التي يبني فيها الشباب ساحاتهم وقناعاتهم ومشاعرهم ورؤاهم المستقبلية، ومن سيصل أولا من هذه الأطراف الثلاثة إلى هدفه سيتولى صدارة المشهد في اليمن.
بعبارة مقتضبة أخيرة: لم تتدخل المملكة في اليمن وسيطا محايدا، ولم تتدخل كوسيط منحاز إلى الرئيس ولا طرفا يستهدف ثورة الشباب لإجهاضها، بل دخلت كطرف ثالث له هدف، كما لعلي عبدالله صالح هدف، وكما للشباب والمعارضة هدف.
والفارق بين تعامل كل من الرئيس والمعارضة والشباب مع المملكة، أن المعارضة والشباب ظلوا ينتظرون منها موقفا منحازا إليهم ويوجهون لها خطابا يقوم على التالي:
أولا: أنهم الشعب، والمنطق أن الشعب هو الباقي والحاكم زائل. وثانيا: يطمئنونها بالوعود والحديث عن مستقبل تكون فيه علاقة بلدهم معها أفضل وأحسن.. وثالثا: يثيرون لديها المخاوف من استمرار صالح الذي يعني بالنسبة لها المشاكل التي لا تعد ولا تحصى. ورابعا: يتحسسون فيها الرحمة والشفقة ويتحسسون لديها الشعور بالمسؤولية الأخلاقية والتاريخية تجاه شعب شقيق مستضعف يتعرض للقتل والاضطهاد وينتظر من يرق لحاله ويهب لنصرته.
وهي -بالمقابل- لا تحفل بكل هذه الخطابات لأن ما تريده هو تفصيل مستقبل اليمن بيدها هي، ووفق رؤيتها التي لا تزال غير واضحة وغير مكتملة، ولا معنى -عندها- لكل تلك الوعود التي تطلقها المعارضة ويطلقها الشباب ولا أثر في قلبها لمشاعر الرحمة والشفقة، وهي محقة في ذلك إذ لا مكان لمفردات الأخلاق والمسؤوليات التاريخية في عالم السياسة إلا أن تكون تلك المفردات -كما سبق القول- من لغة دبلوماسية تخفي وراءها أهدافا لا صلة لها بالأخلاق من قريب أو بعيد.
في اتجاه الرئيس، يبدو الرجل قد أدرك حاجتها وهدفها وأنها تريد الوقت لتصوغ المرحلة الانتقالية، وصادف أن الوقت هو ما يريده أيضا ليفكفك الاعتصامات ويرتب أوراقه بشكل أفضل وليمارس لعبته المفضلة في التحريش بين مكونات الثورة لأن عقليته في الإدارة طبعت على التحريش والإدارة بالأزمات. وممارسة التحريش وتصميم الأزمات أمر يحتاج إلى الوقت مهما كانت وفرة الإمكانيات الأخرى. ومن هنا، ولأن أحسن الطاعات ما وافق الهوى كما يقال، فقد سار الرئيس مع المملكة باتجاه ما تريد، واستمال موقفها أولا ونجح ثانيا في إقناعها بالتراجع عن حدة طرحها لفكرة تنحيه. وكلما تعقدت مهمة تدخلها في صياغة المرحلة الانتقالية مالت إليه أكثر على حساب ثورة الشباب، ليس حبا فيه ولا حتى دعما له، ولا استهدافا مقصودا لثورة الشباب، بل لأن صالح يعني لها الوقت الذي تحتاجه!!
الآن فهمت لماذا ثارت حفيظة الأمريكان حين خرج الشباب في مسيرة يوم الأربعاء 27 إبريل وراح منهم 12 شهيدا ووصل العدد حاليا إلى 15 شهيدا، ووراءهم عشرات الجرحى بالرصاص الحي، وقد أطلقت السفارة الأمريكية يومها في بيان لها تحذيرات للمعارضة من الممارسات «الاستفزازية» ولم تخجل من إصدار هذا البيان بما حوى من تحذيرات رغم سقوط ذلك العدد من الشهداء والجرحى برصاص قناصة الرئيس صالح أمام ملعب الثورة.. المسألة ببساطة: إنهم جميعا يحتاجون الوقت، والشباب وحدهم هم من يملك إنهاء الوقت وحسم اللعبة برمتها. وكلما خرجوا في مظاهرة أو شيء من هذا القبيل أثاروا المخاوف لدى الأمريكان والخليجيين على حد سواء، لأن هذا التصعيد هو الشيء الوحيد الذي يخلط عليهم الأوراق ويربكهم وربما ينهي عليهم اللعبة قبل أن يفرغوا من رسمها والإعداد لها، وهو ما لا يريدونه على الإطلاق.
نعم أيها الشباب، نعم أيتها الأحزاب.. إنهم لا يريدون أن تقوموا بحسم اللعبة، فاللعبة يجب أن يحسموها هم متى رأوا ذلك مناسبا.. هل تثور لدينا المخاوف لأنهم لا يريدون منا أن نحسم الأمر!؟ ربما، لكن المطمئن جدا مقابل هذا الخوف، أنهم -في الأخير- لا يملكون إلا الاعتراف بهذا الحسم والتعامل معه كأمر واقع!
لقد سجلتم أنفسكم لاعبا في نادي الكبار، ويجب أن تكونوا عند مستوى اللعب مع هؤلاء الكبار.. الكرة في ملعبكم، وهي مسألة وقت يزيد أو ينقص، فإما أن تثبتوا فيه أنكم كبار والفرصة أمامكم وقد تثبتوا أنكم الأكبر على الإطلاق، وإما أن تغادروا هذا النادي وتعودوا إلى منتخب الناشئين!!
[email protected]
5/19/2011


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.