لا أدري ما يعني الموت *** ان يشغلنا منه القوت فإذا مامات لنا أحد *** نبكيه .. ويطويه الموت ويعود الصمت .. فلاشيء *** في الدار هناك .. لا صوت منسياً .. عاش .. وما دمعت *** عيناه فينعيه البيت هكذا وبكلمة الوفاء هذه نعى شاعرنا الكبير الأستاذ أحمد الجابري أطال الله في عمره ومتعه بموفور الصحة، الراحل عنا جسداً الباقي في وجداننا روحاً والساكن في ذاكرة الوطن كله أستاذنا ومعلمنا عبدالله فاضل فارع طيب الله ثراه. ففي الرابع عشر من شهر أبريل عام 2008م كان قد تلقى دعوة الداعي في السموات العلى للقائه، فخمد نبضه وانطفأ قلبه وسكت عن الخفقان من بعد وعكة ألمت به لم تكن إلا سبباً ليستجيب لقدره المحتوم. الخميس الفارط كان ذكرى يوم رحيل عبدالله فاضل فارع الثالثة، وهو واحد من أقطاب التنوير والمعرفة ممن نشروا العلم والإبداع في فضاءات عقولنا وزرعوا الثقافة والأدب في رحم أرضنا الطيبة هذه، فأعطى لوطنه وشعبه مما وهبه الله من إبداع ومعارف دون حدود بلا منة أو استعلاء، وهو الذي افنى عمره وعاش حياته بسرائها وضرائها بكبرياءٍ وعنفوان وعلم وأدب وثقافة وتنوير وسترِ حال تصحبه معه كنوزه من نفائس الكتب ونوادر المراجع المنشورة بأكثر من لغة يخاطبها بلغتها نهاراً ويسامر معانيها مع هجيع كل ليل وهو الذي يجيد الإنجليزية والفرنسية والإسبانية والروسية وشيئاً من اللاتينية القديمة والعبرية والفارسية والتركية. هذا العلم الفذ (فارع) أحد الرجال الذين حملوا على عواتقهم مشاريعهم النهضوية لاستنهاض الوعي الوطني لدى أبناء جيله ومن جاء من بعدهم، ونادوا بالتحرر من ربق الاحتلال البريطاني منذ عهود مبكرة ودعوا إلى مقاومة الظلم والاضطهاد والتمييز الذي كان يمارسه المحتل من خلال إصراره على إقصاء الوطنيين عن حقهم في الحصول على فرص التعليم العالي وتولي الوظائف القيادية في المجتمع في وقت كان محصوراً على فئات من غير أبناء هذه الأرض إلا فيما ندر. المعلم والأستاذ الأكاديمي والتربوي الجليل كما يصفه الدكتور عبد يحيى الدباني كان التعليم بالنسبة له مقوماً أساسياً في بقائه حياً، فلما انقطع عنه في الشهر الأخير ولزم الفراش دنا أجله. عبدالله فاضل فارع الشاعر عكس في شعره ذوق مدينة عدن الخالدة وإنسانيتها، وتفردها الحضاري وفلسفتها في ميدان العلاقات الإنسانية، فقد كان من أبرز رواد الشعر الرومانسي إن لم يكن الرائد الأول في النصف الاول من القرن المنصرم، وكان ناقداً متميزاً .. تجد في نقده إبداعاً على إبداع مثلما تجده في لغته ومفرداته وفي مضامين أفكاره وملاحظاته ومقارناته، وهو رائد من رواد الترجمة وأعلامها. الدكتور علي عبده الزبير كان أحد الذين نعوه من تلامذته وطلابه، بتعداد مناقبه (لقد كان الاستاذ فاضل معلماً قديراً ومربياً فاضلاً وناقداً حصيفاً، ومثقفاً موسوعياً وشاعراً مرهفاً بكل ما تحمله هذه الأوصاف من معان سامية ودلالات أخلاقية). نداء أوجهه إلى قيادة جامعة عدن مع كل النداءات السابقة لجمع تراثه من شعر وتراجم ومقالات نقدية وغيرها وإصدارها في مجموعة كاملة.