لم يجتمع ذيوع وسطوع وإضافات مشروعة وغير مشروعة في أي من الأعمال الأدبية الشعبية والتراثية كما اجتمعت كلها في كتاب كمثل كتاب (ألف ليلة وليلة) . وحكايات هذه الليالي كنا قد سمعنا بها كلنا كباراً وصغاراً. وصافحتها آذاننا وعيوننا من خلال الإذاعة والتلفزيون وعلى خشبة المسرح، والكم الهائل من القصص المطبوعة والمصورة للصغار والكبار حكت عن ليالي شهرزاد وقصصها التي ابتدعتها مكرهة للملك شهريار أملاً في أن تطول بها الليالي معه ويطول بذلك أمد العفو عن قتلها مع مرور كل ليلة. كلها أعمال أدبية وفنية وأخرجت من عبادة ألف ليلة مناخاً شرقياً واستحوذت في فلكها المقلدين والمترجمين والناشرين والمسرحيين، والموسيقيين في كل العالم. فجعلت مفكراً مثل (فولتير) يقرؤها عشرات المرات وشاعراً مبدعاً مثل (بوشكين) يضعها إلى جوار سريره لتكون في متناول يده كل مساء. أما الروائي العظيم (استندال) فقد تمنى بعد أن قرأها لو أنها محيت من ذاكرته ليستمتع بلذة قراءتها من جديد. وفي سياق مقالتي هذه، وددت أن أتناول موضوعها في منحيين، الأول منهما حول الإضافات المشروعة وغير المشروعة في هذه الحكايات، أما الثاني فهو لماذا ألف ليلة وليلة وليست ألفاً فقط؟ ففضلت أن أتناول في هذه المقالة المنحى الثاني على أن أرجئ إشكالية الإضافات المشروعة منها وغير المشروعة وكذلك المنتحلة إلى مقالة لاحقة . أعود إلى التساؤل .. لماذا ألف ليلة وليلة وليست ألفاً؟ وما سر تلك الليلة المضافة ..؟ فأول مانجد أنفسنا نسعى لفهمه هو ما القصد في معنى ألف ليلة؟ جاء في مروج الذهب للمسعودي قوله: (وكتاب هزار أفسانه ومعناها بلغة أهل فارس ألف خرافة، والناس يسمون هذا الكتاب ألف ليلة) وهذا يتوافق مع ماذكره ابن النديم في الفهرست عما ذكره المسعودي أما المقريزي في كتابه الخطط والمقري في مؤلفه نفح الطيب فقد أشارا إلى الكتاب تحت مسمى (ألف ليلة وليلة) ونسبا هذه الليلة الزائدة إلى المؤرخ المصري (القرطي) الذي كان محاصراً للخليفة الفاطمي (العاضد) آخر الخلفاء الفاطميين 1150م/ 571ه تقريباً. والسؤال هنا .. لماذا أضاف القرطي ليلة بعد أن كانت تلك الليالي في أصلها ألفاً فقط؟ قيل أن سبب الزيادة إنما كانت رغبة في أن تكون التسمية ألطف إيقاعاً وأكثر تناغماً. أما ما كان عليه الحال عند المؤرخ (جيلد ما تستر) فقد كانت مخالفاً للطرح السابق، إذ قال: (إن العرب كانت تتشاءم من العدد المزدوج وتتفاءل بالمفرد، ولذلك قالوا .. وليلة ولا أتصور أن احد هذين التحليلين يمكن أن يكون اليقين والصواب، ولكن نأخذ بالأقرب وهو أن العرب اعتادوا في فصاحتهم وعاميتهم زيادة الواحد بعد المائة أو الألف كنوع من المبالغة اللطيفة، وكأنهم يقولون ليس بعد هذا من زيادة لمستزيد. ثم يأتي التساؤل الثاني .. وماهي هذه الليلة الزائدة والأخيرة؟ وما حكايتها؟ تقول شهرزاد عن تلك الليلة الزائدة والأخيرة التي بطلها مصري واسمه (معروف الاسكافي) قبيح .. فهرب منها وتركها في بلاد مصر، وتقلبت به الأحوال والديار حتى صار هو السلطان، فعلمت بذلك زوجته واستسمحته عن سابق إساءاتها له فصدق توبتها وأبقاها في القصر تأكل وتشرب ابتغاء مرضاة الله . ولكنها أكل قلبها الحسد والغيرة .. فقد تزوجت منه وهو فقير ولم تنجب منه غلاماً فاحتالت على ابن ضرتها لتسرق منه (خاتم سليمان) وكانت نيتها إهلاكه بواسطة (خادم الخاتم) إلا أن الغلام لمحها وهي تسرق الخاتم، فعالجها بضربة سيف قطعت رأسها المشاغب الحقود. فيقول السلطان معروف لولده أراحك الله في الدنيا وفي الآخرة، كما أرحتني من هذه الخبيثة، ولم يكن سعيها إلا لهلاكها. وتواصل شهرزاد الحكاية بقولها: (وصفت للسلطان معروف الأوقات. وطابت المسرات إلى أن أتاهم هادم اللذات ومفرق الجماعات ومخرب الديار العامرات وميتم البنين والبنات فسبحان الحي الذي لا يموت وبيده مقاليد الملك والملكوت) صفحة 317 المجلد الرابع مطبعة بولاق . لاحظ أيها القارئ الكريم ختام هذه الليلة الأخيرة بعد الألف التي وضعت وأضيفت في أواخر أيام (العاضد) آخر الخلفاء الفاطميين وكأنها كانت إشارة إلى سقوط الدولة الفاطمية وتحققت شهرة تلك الحكايات (حكايات ألف ليلة وليلة) من ذلك التاريخ. أي منذ مايزيد على ثمانمائة عام. وفي لقاء قريب بإذنه تعالى نرجع بالحديث عن الإضافات المشروعة وغير المشروعة في كثير من حكايات تلك الليالي الألف والواحدة.