كان الفجر معتاداً أن يبعثر أضواءه على ابتسامتها المشرقة من خلف تلك النافذة الصغيرة . في أحد الملاجئ، البعيد عن المدينة.. لا تعلم من أين أتت.. ومن هي ؟ ... ومن هؤلاء المحيطون بها .. لا تعلم سوى أنها تأكل وتشرب بكآبة الوجود . مرت أعوامها الأولى وبدأ عقلها في النضوج، وبدأت الأسئلة تغزو ذاكرتها منذ لحظة عند قدوم مجموعة فتيات لزيارة الملجأ ... من هؤلاء ؟ ! ولماذا يزرننا ؟ ولماذا يبدون بملابسهن أكثر لياقة ونظافة منا أتعبت الأسئلة عقلها الذي لم يجد جواباً ........ فعادت إلى نافذتها ذات فجر ليس كالمعتاد لترسل ابتسامتها تشارك الصباح فرحة الميلاد بل هذه المرة تشارك الفجر ميلاده بدموع تائهة تبحث عن مصير . لماذا ليس لي أب أو أم أو دار تحضن أحلامي ؟ لماذا لم أسأل من أنا ؟ ومن أسال ؟ .... هداها عقلها إلى مشرفة الملجأ فلعلها تعلم جواباً شافياً لحيرتها. تقدمت ذات صباح إلى باب غرفة المشرفة وطرقته بهدوء فسمح لها بالدخول . ألقت التحية على المشرفة ( وبدأت ذاكراتها تنسج الأسئلة ) باغتها صوت المشرفة: ماذا تريدين ؟ بلا تفكير أجابت: من أنا ؟! أنت نهى . اعلم ولكن نهى من .......... لم تتوقع المشرفة السؤال القادم إليها فاعتدلت في جلستها ثم قالت : أنت يتيمة يا نهى . وهل الأيتام لا ينسبون لأحد من هم أقاربي ؟ .... لا حظت المشرفة النضوج الظاهر فقالت: لقد كبرت يا نهى في أحضان هذا الملجأ . وسأخبرك الحقيقة لقد وجدك أحد المارة قرب المستشفى فأتى بك إلى هنا وأنت بنت الملجأ .. صرخت نهى . إنا لقيطة .............. وهرعت باكية . وقررت إن لا تسأل أي شيء ..... تمتمت في نفسها " كم هم ملعونون " من يصنعون الخطيئة ليتحمل ثمنها الأبرياء " ومنذ ذلك اليوم عادت ترسل ابتساماتها الخالية من الألوان لتمر الأعوام وتجد نفسها أمام موقف يصعب عليها فهمه ها هي المشرفة تقف أمامها قائلة : ستغادرين الملجأ اليوم. إلى أين ؟ وصلت إلى سن تسمح لك بكسب عيشك ولتبحثي لك عن ماوى . لماذا ؟ لان الملجأ قدم إليه أطفال آخرون وهو صغير لا يحتمل هذا العدد . فردت باكية : إنا لم أتعلم شيئاً لاستطيع كسب عيشي وأين سأنام ؟ وبين عشية وضحاها وجدت نهى نفسها تدور في أزقة الحارات تائهة قائلة لنفسها: " تذمرت ذات يوم لعدم وجود أب أو أم والآن لا أب ولا أم ولا ملجأ . فكان المحتضن الوحيد لنهى هو الشارع .