ريمة سَّكاب اليمن !    حزب الرابطة أول من دعا إلى جنوب عربي فيدرالي عام 1956 (بيان)    الأحلاف القبلية في محافظة شبوة    السعودية تعيد مراجعة مشاريعها الاقتصادية "بعيدا عن الغرور"    في ذكرى رحيل الاسطورة نبراس الصحافة والقلم "عادل الأعسم"    نداء إلى محافظ شبوة.. وثقوا الأرضية المتنازع عليها لمستشفى عتق    الشيخ هاني بن بريك يعدد عشرة أخطاء قاتلة لتنظيم إخوان المسلمين    طلاب جامعة حضرموت يرفعون الرايات الحمراء: ثورة على الظلم أم مجرد صرخة احتجاج؟    باريس سان جرمان بطلا للدوري الفرنسي    كيف يزيد رزقك ويطول عمرك وتختفي كل مشاكلك؟.. ب8 أعمال وآية قرآنية    النضال مستمر: قيادي بالانتقالي يؤكد على مواجهة التحديات    كيف حافظ الحوثيون على نفوذهم؟..كاتب صحفي يجيب    جماعة الحوثي تعلن حالة الطوارئ في جامعة إب وحينما حضر العمداء ومدراء الكليات كانت الصدمة!    عودة الحوثيين إلى الجنوب: خبير عسكري يحذر من "طريق سالكة"    أسئلة مثيرة في اختبارات جامعة صنعاء.. والطلاب يغادرون قاعات الامتحان    "جيل الموت" يُحضّر في مراكز الحوثيين: صرخة نجاة من وكيل حقوق الإنسان!    مذكرات صدام حسين.. تفاصيل حلم "البنطلون" وصرة القماش والصحفية العراقية    الدوري الانكليزي الممتاز: مانشستر سيتي يواصل ثباته نحو اللقب    هيئة عمليات التجارة البريطانية تؤكد وقوع حادث قبالة سواحل المهرة    يوميا .. إفراغ 14 مليون لتر إشعاعات نووية ومسرطنة في حضرموت    الوزير الزعوري يطّلع على الدراسة التنموية التي أعدها معهد العمران لأرخبيل سقطرى    كل 13 دقيقة يموت طفل.. تقارير أممية: تفشٍّ كارثي لأمراض الأطفال في اليمن    طوارئ مارب تقر عدداً من الإجراءات لمواجهة كوارث السيول وتفشي الأمراض    بايرن ميونيخ يسعى للتعاقد مع كايل ووكر    البنك الإسلامي للتنمية يخصص نحو 418 مليون دولار لتمويل مشاريع تنموية جديدة في الدول الأعضاء    ميسي يقود إنتر ميامي للفوز على نيو إنجلاند برباعية في الدوري الأمريكي    الدوري الانكليزي الممتاز: ارسنال يطيح بتوتنهام ويعزز صدارته    اشتراكي الضالع ينعي رحيل المناضل محمد سعيد الجماعي مميز    العليمي يؤكد دعم جهود السعودية والمبعوث الأممي لإطلاق عملية سياسية شاملة في اليمن    من هنا تبدأ الحكاية: البحث عن الخلافة تحت عباءة الدين    - نورا الفرح مذيعة قناة اليمن اليوم بصنعاء التي ابكت ضيوفها    الشبكة اليمنية تدين استمرار استهداف المليشيا للمدنيين في تعز وتدعو لردعها وإدانة جرائمها    قضية اليمن واحدة والوجع في الرأس    بالصور.. محمد صلاح ينفجر في وجه كلوب    مئات المستوطنين والمتطرفين يقتحمون باحات الأقصى    وفاة فنان عربي شهير.. رحل بطل ''أسد الجزيرة''    أسعار صرف العملات الأجنبية أمام الريال اليمني    ضبط شحنة أدوية ممنوعة شرقي اليمن وإنقاذ البلاد من كارثة    مجهولون يشعلون النيران في أكبر جمعية تعاونية لتسويق المحاصيل الزراعية خارج اليمن    تضامن حضرموت يحسم الصراع ويبلغ المربع الذهبي لبطولة كرة السلة لأندية حضرموت    شرطة أمريكا تواجه احتجاجات دعم غزة بسلاح الاعتقالات    فريدمان أولا أمن إسرائيل والباقي تفاصيل    دعاء يغفر الذنوب لو كانت كالجبال.. ردده الآن وافتح صفحة جديدة مع الله    اليمنية تنفي شراء طائرات جديدة من الإمارات وتؤكد سعيها لتطوير أسطولها    وصول أول دفعة من الفرق الطبية السعودية للمخيم التطوعي بمستشفى الأمير محمد بن سلمان في عدن (فيديو)    القات: عدو صامت يُحصد أرواح اليمنيين!    وزارة الحج والعمرة السعودية تحذر من شركات الحج الوهمية وتؤكد أنه لا حج إلا بتأشيرة حج    «كاك بنك» يدشن برنامج تدريبي في إعداد الخطة التشغيلية لقياداته الإدارية    الذهب يتجه لتسجيل أول خسارة أسبوعية في 6 أسابيع    الزنداني لم يكن حاله حال نفسه من المسجد إلى بيته، الزنداني تاريخ أسود بقهر الرجال    «كاك بنك» يشارك في اليوم العربي للشمول المالي 2024    أكاديمي سعودي يلعنهم ويعدد جرائم الاخوان المخترقين لمنظومة التعليم السعودي    من كتب يلُبج.. قاعدة تعامل حكام صنعاء مع قادة الفكر الجنوبي ومثقفيه    نقابة مستوردي وتجار الأدوية تحذر من نفاذ الأدوية من السوق الدوائي مع عودة وباء كوليرا    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    - أقرأ كيف يقارع حسين العماد بشعره الظلم والفساد ويحوله لوقود من الجمر والدموع،فاق العشرات من التقارير والتحقيقات الصحفية في كشفها    لحظة يازمن    لا بكاء ينفع ولا شكوى تفيد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



معظم الفنانين التشكيليين المهاجرين تشكلت رؤيتهم داخل العراق
الفن التشكيلي في العراق وظروف بدايته الأولى
نشر في 14 أكتوبر يوم 30 - 10 - 2011

لم يكن النقد التشكيلي العراقي بعيداً عن منجز التشكيل منذ بداياته حتى الآن ليس ما يفهم من سياقه تخصصاً بل مرادفا معرفياً بحدود نشأته المتزامنة وحداثة التشكيل نفسه (محمود صبري) و (جبرا إبراهيم جبرا) حتى (جواد سليم)، هم بشكل من الأشكال نقاد، كما افرزتهم ظروف التأسيس، لكل منهم نضج فني وثقافي بحدود التفسير والتنظير الموازي لفترة التأسيس، رغم اختلاف مصادرهم الثقافية والذوقية. و لم يكن التشكيلي في العراق بعيداً بشكل مطلق عن رصد نتاجه الفني بما يوازي دور النقد، رغم خطابية معظم تنظيراتهم التي ساهمت فترة ما ببروز هذه النبرة الخطابية، مثلما توزع النقد نفسه مساحة ما بين (سهيل سامي نادر) و (شاكر حسن إل سعيد) مع ما للصحافة من مساحة من النقد الذي لم يكن كله بريئا، مع ذلك فإن ملامح أبرز التجارب التشكيلية العراقية لم يغيبها النقد ولم تستطع السياسة الهوجاء في أتعس أوقاتها أن تغيب معظمها وما يشيع من خطاب جديد (أظنه طارئا) يتجاوز أو يلغي حصيلة النقد التشكيلي العراقي (الداخل) لعقود مضت، أو يحاول تأسيس خطاب نقدي متهافت لا يخلو من هاجس الوصاية في زمن يرفضها. خطاب كهذا أظنه لا يتجاوز نواياه المعلنة إلا بما توفره النوايا من مساحة ضيقة لا تتناسب وسعة تجارب الفن التشكيلي في العراق.
رغم أن معظم الفنانين التشكيليين المهاجرين تشكلت رؤيتهم داخل العراق (خاصة الهجرات المتأخرة ) بقي غالبيتهم يحاور منطقة إبداعه ذاتها، إلا أن هذا لا يعني أنهم حافظوا على حيادية وسط حاضنهم الجديد، دون التفاعل وتجارب تشكيلية تتناسل باستمرار، تجارب لا تعفي بعض من غرابتها البحث عن علاقتها بزمنها وبيئتها بحدود تتجاوز المألوف أحياناً لهذه العلاقة . لم يعد الفنان صانع لوحات جميلة في زمن باتت الصناعة تطول كل شيء حتى الحلم شساعة منطقة الابتكار والإدراك لم تبق حكرا على فئة دون أخرى، فكيف ب(إعادة تركيب التشكيل العراقي، الداخل والخارج)، وهل يعني الأمر إلغاء مكتسبات الخارج لصالح الداخل أم العكس، أم الاكتفاء بذائقة محلية، أم استرجاع أو محاورة ارث زمن هو الأصلح لذلك ( الزمن الغابر ) . ما قدمته تجارب مغتربة (روسية ولاتينية ورومانية .. وغيرها وحتى عراقية) في تجربة محمود صبري الأخيرة ( واقعية الكم ) يتعدى المحلية إلى خطاب عالمي النزعة، هل هي وصاية لتحجيم بحث الفنان العراقي المغترب في بلد اغترابه، بما أن الطرح هكذا ( رفع الحدود بين التجريد والتشخيص وإعادة الكرامة للوحة بعد تخمتها من الوسائل الغربية الممسوخة مثلا ً)، ومن ( الاستعارات الغربية العنيفة الغاضبة التي ساهمت في اختناق الروحي والوطني )، كأن التجريد بشكل عام طارئ على التشكيل العراقي، إن لم يكن جزءاً من منجزه منذ الستينات من القرن المنصرم، مثلما استغلت مساحته لخيرة أعمال ( البعد الواحد ) على امتداد رقعة الأوطان العربية، تقنية وتنظيراً لا يخلو من مرجعيات صوفية إسلامية ( ولم تكن تجريدية كاندنسكي الغربية وغيره بعيدة هي الأخرى عن مرجعياتهم الصوفية )، لم تكن ثمة حدود يتوجب رفعها بين التجريد والتشخيص، في الوقت الذي باتت فيه مدارس الفن ( الأساليب ) تتبادل وتتنافذ بشكل مدهش الآن .
البحث الفني التشكيلي مشاع بحدود استيعاب الفنان وضمان حريته الأدائية ، وما ينتجه لا يأتي من فراغ، بل تتضافر فيه مكوناته الشخصية بكل أبعادها، ومحيطه وبيئته . ليس في النيات ( الروحية والوطنية ) المبتسرة تاريخ الفن معظمه تاريخ أشخاص على امتداد زمنه، وما البحث الجماعي إلا في حدود ردم الفجوات .
خلط المفاهيم اعتقده منافيا لجوهر الفعل التشكيلي ( تقاليد علينا بالحرص عليها ذات امتداد في المدى الاجتماعي والبيئي إن كان القصد تقاليد جماعة ( الرواد ) في الخمسينات، ( الخروج إلى الطبيعة بشكل جماعي للطبيعة )، فان الأمر يتناسب ومدارك تلك الفترة التي اعتمدت التسمية ( البدائية ) وكان الفضل لجواد سليم ومحمود صبري في الالتفات إلى المدينة بقضاياها المحيطية والسياسية التي واكبت فترة التحرر الوطني، ومع ذلك بقية التجربة بحدودها الشخصية صحيح أن هناك امتداداً في أعمال بعض التشكيليين العراقيين، لكنها لم تؤسس لتقاليد واضحة ولا تزال في حدود الأرشفة، أما التقاليد الموروثة ( الأثرية، بشقيها القديم والإسلامي الوسيط ) فهي في حدود استعادة مؤثراتها بما يتناسب ومساحة الحرية الممنوحة للفنان الآن، وبما يعزز منجزه المعاصر وليس تثبيتا لمفهوميتها الأثرية التي كرست لزمنها الغابر هي ضمن هذه المساحة مشاعة مثلها مثل بقية ارث العالم .
الإشكال الآخر ( ردم الفجوة بين المتلقي والعمل الفني ) العمل الفني ( التشكيلي ) هنا هو الصورة المعاينة، المجسمة، المجمعة والمركبة، أداء الجسد، الفكرة ولغزها .. الخ أي بمعنى ما : تستوعب تقنيات التشكيل الآن كل المواد الأولية، المصنعة وغير المصنعة، التقليدية وغير التقليدية، الثابتة والزائلة ، تستوعب الفضاء المقنن المحدود والفضاء الخارجي غير المحدود.
كما يستوعب الفن الواقع والخيال والفنتازيا، بعض أعمال الفن كما أراد لها ( ماتيس) في وقت من الأوقات كرسي مريح، بعضها الآخر مشاكس لتواريخه الصعبة . بعضها معقد بتفاصيله، البعض الآخر مختزل للحد الذي لا يبين عن شيء واضح كل منها يحمل بصمة بيئة الفنان ونظام محيطه الحياتي والثقافي، بدون إغفال سطوة مؤسسات معينة على الذائقة التشكيلية العالمية ( الغرب أميركية ) التي لا تعني مطلقا مصادرة النتاج العالمي ككل لصالحها، إلا بالقدر الذي يوفره نفوذها على مفاصل معينة وفرضها ( كاريزما ) تتناسب وسياساتها الإعلامية. الفجوة بين المتلقي والعمل الفني التشكيلي تردم بما يتوفر للمتلقي من ظرف حياتي حضاري يوفر له فسحة من التأمل والاستمتاع في النتاج التشكيلي، وليس بمصادرة العديد من منافذ التشكيل بحجة غموض مكوناتها، اوغرابة مناطقها الأدائية، ولنا عبرة في تجارب سابقة حاولت تقنين الفعل الفني بايديولوجيات محددة .
من حق الفنان التشكيلي العراقي تسويق أعماله، ما دام للفن سوق للتسويق، على المستوى المحلي أو الإقليمي أو العالمي، وليس خافيا ما لوسائل التسويق و الإعلام من سلطة في ذلك، أما الادعاء ب( الركض لأرشفة التاريخ الشخصي ، بقيامهم بطبع الكتالوكات والصرف ببذخ على الناقدين)، فهو ادعاء ينافي الحقيقة، إذا ما علمنا، وهو أمر ليس خافياً، ما تعرض له التشكيلي العراقي في الداخل من محنة التهميش في أصعب فترات المد الدكتاتوري، ومن حرمان طال ضروريات حياته وحجر على حريته في السفر والاطلاع، إلا في حدود ضيقة لا تتعدى بعض مسارب ضيقة لبعض الدول المجاورة، وبمجهود شخصي خارق . والتشكيلي العراقي المهاجر، معروفة ظروف هجرته، ليس بطراً، أو اعتماداً من مؤسسة داعمة إلا بعض أفراد سبق حدسهم ما خبئ للعراق من محن لاحقة .. الأرشفة التشكيلية الشخصية إحدى علل المنجز التشكيلي العراقي، أن لم تكن أهمها ، فهي وبشكل عام لم تستوف شروطها ، ولم ينظر لها بنفس اهتمام الفنان بعمله، مما ضيع معظم التاريخ التشكيلي العراقي، خاصة بعد حرق مركز الفنون ( تاريخ منجز التشكيل العراقي ) . أما إذا كان المقصود بعض كتالوجات قليلة متناثرة، هنا وهناك لتجارب شخصية استطاعت بشكل من الأشكال أن تجد طريقها بجهد فردي، فان الأمر لا يشكل فرية تستوجب الإشارة إليها . هكذا هو حال السوق التشكيلية وعديدنا جزء منه أما بالنسبة للنقد والنقاد، فابخسهم حقاً هم العراقيون إذ أني لم أجد تشريعاً ما يضمن حقوقهم، مثلما لم أجد سعراً لبضاعتهم، كما هو الحال في معظم الدول .
واكبت حداثة التشكيل العراقي حداثة الشعر تزامنا مع بوادر نهضة ثقافية مصاحبة لنهضة التحرر الوطني . الوعي الفائق الذي رافق ملابسات هذه الفترة . قاد خيرة مثقفيها ومنهم التشكيليون ( والتشكيل بمعناه الحديث مستجدا على الساحة العراقية ) إلى البحث عن منافذ جديدة، تتعدى شحة أساليب الفترة السابقة، أو انعدامها ( مخلفات السلطة الثقافية العثمانية وبعض من تجارب بسيطة فردية ) الوعي الثقافي هذا هو الذي قاد بعض مؤسسي حداثة التشكيل العراقي إلى تشكيل رؤاهم و أساليبهم من مناطق حداثة التشكيل العالمي وقتها، دون إغفال تفسيراتهم الشخصية التي تطلعت دوماً لموروث اثري ومحلي قابل للمحاورة وبقي هذا الدرس شاخصاً لفترات لاحقة.. أما الادعاء ب( حصر أسئلة التشكيل العراقي في إشكاليات ثقافية أكثر منها تشكيلية وعلى الفنان العراقي وهو خليق أن يتجاوز هذه الإشكاليات)، ربما هو ادعاء تعسفي يشمل الفترات المتأخرة . أو بالذات ما نظر لمنجز البعد الواحد، لعلاقته بخصوصية مرجعياته الأثرية (الحرف العربي والتصوف الإسلامي ) من اجل خلق خصوصية محلية ما وسط كم التجارب المتناسلة عالمياً .
بعيدا عن ( استنساخ الآخر والثقافات بشكل عام متناسخة . ليس بمعنى ( العمل النسخة )، بل من خلال اكتشاف الآخر ومستجداته الحيوية، التي لا تنحصر في الأعمال التعبيرية ( مسايرة الركب والانفتاح على الأشكال التعبيرية)، وبعيداً عن النبرة الآمرة ( على الفنان العراقي وهو طليعي بما أن هناك العديد من القراءات النقدية الفنية، حالها حال فروع الثقافة المعاصرة، إضافة لأهمية قراءة الفنان لعمله، بما أن بعض الأعمال تحمل لغز مكوناتها ( المفاهيمية مثلاً )، والتي يحاول الناقد هنا الشطب عليها، بما أنها تستعير بعض أدواتها من مناطق ثقافية غريبة عن جوهر التشكيل العراقي) كما يفهمه، ليس بمفهوم تنافذ الثقافات، والتشكيل احدها. أما قلقه من ( ابتعاد الغالبية في العراق ومنذ عقود عن المشاركة في القرار في المشروع الاجتماعي والسياسي) وكما يتوهمه ( تخلف مستويات الوعي، سيادة العشائرية والقبلية ) فأمر غريب، أن لم يكن مطلعا حتى على بعض فترات من التاريخ العراقي، التي اعني بها بعض فترات الانحطاط السياسي ( من التاريخ الإسلامي الوسيط )، والتي لم تمنع حلكتها بروز أنماط راقية من الإبداعات الثقافية.
لم تكن ابتكارات الفن الحديث عبثاً، بل كان للأزمات السياسية الكارثية الأوربية دوراً بثورة أساليبه، ولم يكن التشكيل العراقي منذ نشأته ( وأنا أتكلم عن المنجز الحقيقي وليس هامش التشكيل) ذيلاً لعشيرة أو قبيلة.
أما إذا كان المعني سلطة الدكتاتورية ( وهي مؤسسة مهيمنة )، لكنها وكما كانت التجربة التشكيلية العراقية، في منتهى الجهل عن تفسير مناطق ومرامي غالبية نتاجات التشكيل التي عاصرتها.
الجهل الفاضح هذا لعب عليه غالبية أفضل تشكيليينا، ولم يكن تشكيل الداخل قاصراً إلا في حدود حجب تجارب العالم عنه .
يستهلك عالمنا ( الصورة ) أكثر من أي منتج آخر والتشكيل الآن في صراع دائب وهذه الثقافة الصورية بمناشئها العديدة الطاغية . شساعة مناطق تقنية الصورة باتت تفرض أنماطاً وسلوكا معيناً على النتاج التشكيلي العالمي، ليس بالإمكان تجاهلها، كيف لك أن تتجاوز طغيان هذه الثقافة وأنت تعايشها؟، أما الإصرار على اقتحام عين المشاهد بعنف ولا تصالح أو ( الهوس في استخدام أفكار ورؤى التشكيل الغربي في طرح موضوعاتهم ) كون ( الفنان العراقي في الخارج لا يزال منقاداً إلى ما ينتجه الغرب )، أنا لا اعرف أي إقحام أو اقتحام هذا المفترض . هل بعض من النادر من نتاج الفن التشكيلي العراقي في الخارج هو المقصود بهذا، أم هو تعميم وتجربة الفنانين ( علي عساف ومظهر احمد ونديم الكوفي وعمار سلمان .. وغيرهم ) ماثلة أمامنا . في الحالتين تأثير الوسط البيئي الحاضن على تجارب فناني الخارج لا بد منه وليس في الأمر انتقاص من التجربة وخصوصية بعض مفرداتها ، بقدر اغنائها .
أما ( إبراز الصراع بين مفردات اللوحة ) فاللوحة الآن لم تعد تكفي لمساحة الأداء التشكيلي أصلاً . وان أصبحت بعض من مفردات التشكيل، فهي قادرة أيضاً أن تغني مساحتها بمكتشفات أساليب الأداء التشكيلي المتجددة أما صراع المفردات، فهذا أمر غريب، أية مفردات ( الإشارات، الكتل، الألوان ... ) أم المقصود تدوين مفردات ( الواقع، الخيال، الحلم، الفنتازيا .. )؟! في كلتا الحالتين، للفنان حرية التجوال والتقاط ما يناسب مشروعه الفني، وهو كفرد غير مفصول عن محيطه وميوله المثقفة أو الفطرية . ليس الفنان أداة نقش حسب الطلب، ما مر به بلدنا العراق ليس هينا، وتاريخنا العراقي على امتداده لم يكن كله بريئاً، أشياء عديدة ورثتها جيناتنا . هذا الأمر يفسره الكم غير الطبيعي من شعرائنا وفنانينا ومفكرينا الجوابين أقطار العالم.
ما يلزمنا ليس الوصاية المشوبة بالإدانة، بل التوثيق، دراسات معمقة لنتاج المغتربين العراقيين .
الأشكال الأخرى تتعلق بهوية العمل الفني، والمتلقي.
بما أن عقدة الحداثة مستحكمة ، فهي ( نرجسية وتحمل الكثير من الغبار الصناعي الكئيب الذي حمله الغرب). بينما ( الفن الآسيوي الهندي .. يتناقض مع الأطروحات الغربية و يستلهم رموزه التعبيرية عن الحياة والخلود والعالم الآخر ولم يسع للإبهار)، والأمر موصول بفن ( فترة الكنيسة الذي يقيمه الناس ) . هنا تبرز نبرة التناقض الحادة ( الشرق، شرق والغرب غرب، لا يلتقيان ) ومنابع مصادر الثقافات العالمية ليست خاضعة للفصل كما هو معلوم بنفس هذه الحدة . فالحداثة الغربية أخذت الكثير من الشرق . كما لم يكن الشرق معزولاً عن الغرب بأية حال من الأحوال في زمن الحداثة، ولا يزال .
أما ايراد فترة الفن الكنسي كمثل بارز لفهم العمل التشكيلي من قبل الجمهور(المتلقي ) . فلا اعتقده مناسبا الآن، لاختلاف الهدف الثقافي أولاً، ولفاعلية المنجز البصري التشكيلي السردي ( رسما ونحتا ) وقتها . صحيح انه ليس بالإمكان إغفال عوامل كالجغرافيا أو الإرث التاريخي والوجداني . لكن ليس بإمكاننا إلغاء ثقافة عصرنا المعلوماتية سريعة التنافذ، لصالح كيتوات ثقافية بيئية و تاريخية، بما أن الفن الآن يستوعب كل الثقافات وفي وقتنا تتعايش في الصين أساليب التشكيل التقليدية العريقة وأساليب الحداثة، مثلها مثل بقية دول أسيا الشرقية وتجربة اليابان هي الأبرز، من دون فقدان عناصر وجدانية خاصة بها ، طريقة البحث والعائلة اللونية والمؤثرات المعلوماتية والبيئية وتفاصيل عديدة . التتبع لنتاج التشكيل العراقي، ومنه المغترب، لا يفقد عناصر مشابهة.
الفن التشكيلي كبقية الفنون لا تقاس جودة نتاجه بالكم، هم أفراد يصنعون ذائقته، وعلينا البحث في نتاجهم، وكثيرة هي النتاجات التشكيلية العراقية القابلة للتثمين والإشادة، كشواهد بارزة تؤرخ لفترة ضائعة .
ينتج اللعب واللاوعي العديد من خيرة النتاج التشكيلي، وليس بالوعي وحده يتم له ذلك. (الفنان يجب أن يفهم تجربته بمصطلحات عقلية ليعبر عن فهمه ويعبر في الوقت نفسه بطريق المشاعر التي يسبغها على الأسلوب وأنت تنفذ عملك، ليس هناك فصل عن ذاتك، إلا في حدود تدخل معارفك التقنية التي تسهل عليك إخراجه على مقاصدك التي تلبستك وقت التنفيذ . اختلاط عملية الوعي واللاوعي وتشابكها في النتاج الفني ليس بعيداً غالباً عن تأثيرات محيط الفنان وتاريخه الشخصي والعام، وأخلاقية العمل الفني تكمن في انسجام عناصر مولداته، كي تستقيم مقولة ( الفن يحمل قيماً أخلاقية ).
ارث الدكتاتورية المقيتة في العراق ( المقابر الجماعية ) التي تعدى الفعل الإجرامي فيها حدود التصور، لم تعد وسائل التعبير التشكيلية التقليدية كافية للتعبير عنها بما يوازي فضاعة الفعل نفسه .
ما وفرته المساحة المعاصرة من أساليب مستحدثة هي جزء من ارث الثقافة المعاصرة، بإمكانها أن تدلنا على ما يناسبنا من أساليب التنفيذ التشكيلية التي تعيننا على انجاز عمل يوازي فداحة هذه الفاجعة ( الفيديو، الإنشاء والتركيب، المفاهيمية كأداء و أرشفة وغيرها .. الخ ) وليس كالادعاء بأن ( أهل المذاهب الحديثة المستعارة من الأدب،التفكيكية و التأويلية و الماورائية، الدلالية و المفاهيمية ... الخ المستعارة من الأدب ما هي إلا مسارب عمياء مغلقة لا يهتدي فيها من يهمه تحليل الواقع الاجتماعي العراقي).
أرى أن هناك التباساً واضحاً في تفسير ماهية ووظيفة الفعل الفني، وحصر الأمر بالمفهوم السوسيولوجي الاجتماعي ،مثلما هناك فرز تعسفي بين مناطق الأداء الثقافية ومنها الفنية ( المذاهب ) وكأن الأدب أدب، والفلسفة فلسفة، والفن فن .. جزر عائمة محايدة عصية على الاختراق متناسين تنافذ أساليب الفن ومناطق أدائه المختلفة العريضة على امتداد التاريخ.. فمن يجزم بأن التشكيل لم يحاذ الشعر أو الموسيقى أو الفلسفة أو الدراما أو الرياضيات، بنسب معينة .
ومن يجزم بأن المدارس التاريخية، وكلها مخترعات عصورها لم تضف طابعها على مجمل النتاج الثقافي، لذلك للعصر .. المذاهب التعبيرية المعاصرة المذكورة هي وليدة أيامنا هذه، وما وفرته وسائل الاتصال الآن من سرعة انتشار مذهلة، أباحت للكل التزود من مصادرها .
الأمر منوط لذائقة الفنان ووعيه في العزف على الوتر الذي يمس فكره ووجدانه بما توفره هذه الأساليب من مناطق أدائية شاسعة، إضافة لموروث الحداثة وموروثه الشخصي . شساعة مناطق التعبير اعتقده عاملاً مساعداً لاكتشافات أوسع وأعمق، لا عامل عثرة أو عائقاً أوعامل استلاب للعصر (عصرنا) وعلينا العزف على الوتر الذي يمس شغافنا .
تأويل الموروث، عناصره الديناميكية بالذات، بأدوات عصرية، كمحاولة لتأكيد هوية وطنية،هو جزء من نشاط التشكيلي العراقي على امتداد فترة منجزه. ولم يكن التشكيل العراقي بعيداً عن ذلك في بحوث عدد من فنانيه لم تكن أعمال العزاوي ومجايليه في هذا المجال ببعيدة عن مصادر حداثة التشكيل الأوربي، كما لم تكن تجارب شاكر حسن آل سعيد ومجايليه أيضاً ببعيدة عن بعض مصادر المعاصرة، تنظيراً وتشكيلاً. ولم تكن بحوث فنانين ك( علي طالب ومحمد مهر الدين، وآخرين) ذات المنحى التعبيري ( السياسي والاجتماعي ) الموصول بزمنها بعيدة هي الأخرى عن مصادر الحداثة .
كما لم تكن محاولات أجيال لاحقة، هي الأخرى ببعيدة عن ذلك، في حدود إمكانياتها التي تعرضت لاحباطات ظرفها التاريخي القاهر .. القصور الأدائي التعبيري لأجيال التشكيل العراقي، حصراً، في الداخل أو الخارج ( لا ادري ). كما يذهب الناقد، بسبب من ( رفضه الفارغ لكل ما يتعلق بواقع الثقافة الوطني). للفنان الحرية في اختيار أسلوبه ومنطقته التعبيرية، بالتأكيد هناك عوامل ما تقود مخيلته لذلك.
الأمر منوط بنا لاستجلاء تلك العوامل للوصول إلى حكم نقدي مواز للمنجز ليس بالنيات وحدها، ولكل منا نياته الخاصة أن كان التشكيل وثيقة عصره كما نريد، فاعتقد أن منجز التشكيل العراقي إذا ما دقق بشكل كامل، أفضل وثيقة ثقافية تمثل فترتها المنيرة والمعتمة .
إن كان خلل ما يلف بعض منتج تشكيليينا الشباب، سواء باستنساخ تجاربهم أو غير ذلك فمرجع ذلك شحة المصادر الثقافية أو انعدامها، لظرف العزلة الخانق . ما لا يعني إغفال تجارب جادة أخرى تواصل ما بدأته الأجيال الأقدم ، بحدود المتوفر الذي لا يزال قاصرا، والأمثلة عديدة على ذلك . احترام الإنسان كإنسان فرد واحترام حقوقه كما تشرعها أعراف (حقوق الإنسان ) والانفتاح على مساحة الحرية وتوفير ضمانات العيش الكريم، يوفر لنا بالتأكيد نتاجا ثقافيا رافضا لأي ( تابو ). ويتيح لكل إنسان إشباع رغباته الوجدانية ( الفنية ) في أي فرع من فروع الثقافة ، الصورية والمقروءة والمسموعة .
إشكالية التشكيل والمتلقي ليست جديدة على تاريخ الفن . عانت ( الانطباعية . كمثل) ومؤسسيها من النبذ والتهميش ، لما حملته من تغيير في الذائقة الفنية الثقافية وقتها، قبل أن تكون العصر الذهبي للتشكيل لاحقا . حالها حال العديد من الأساليب المستجدة الأخرى .
مدارس التشكيل الحديثة أثرت الإرث الحديث بمكتشفاتها وطبعت النتاج الثقافي والصناعي بطابعها . المعاصرة هي الأخرى رديف لثورة المعلومات، ما يكون عاصياً على الإدراك الآن يكون مألوفاً غداً . لم تفقد تجارب تشكيلية معاصرة للعديد من دول شرق آسيا خصوصيتها ، كما لم تفقدها تجارب أخرى لشعوب من الجانب الآخر للكرة الأرضية .
لم يكن التشكيل يوماً ما درساً وعظياً بحدود الواعظ فتجارب كهذه حكمت على نفسها بالزوال .
يزخر السوق التشكيلي العالمي بكم هائل من نتاجه المعروض في قاعات العروض التخصصية التي تلبي حاجة المستهلك وهناك مؤسسات رائدة تقدم التجارب الجديدة، ليس كل ما يقدم في هذه المؤسسات على الأهمية نفسها، لكن الأمر يتعدى حدود العبث كثيراً.
إشكالية الفنان الناقد (حسني أبو المعالي) تكمن في إشكالية اختلاط الإرث المحلي وارث الحداثة العالمية إذ يورد في مقالته الموسومة ( هموم التشكيل وأوهام الحداثة: (معظم الفنانين العرب صدقوا كذبة التشكيل الغربي (الحديث) وتحاشوا بابل والفراعنة . حسنا لنعد قراءة الموروث مرة ثانية . سومر وبابل وأشور، لكل منها نظمه المعرفية والثقافية الخاصة، رغم سكنهم المحاذي أو المشترك . لم يكن منجز التشكيل لكل منهم يماثل الآخر، ما كان أكثر شعبية في سومر لم يكن إلا رسميا في بابل وأكثر منه في أشور،ما كان حيويا أو (سحريا) في حضارة ما، كان مؤسساتيا يخضع لمقاييس وورش عمل تحدها قوانين معينة.
باختصار كانت حضارات مكتفية بقوانين وخصوصيات منجزها التشكيلي التي تتماشى وأزمنتها، ما تبقى لنا من هذا الموروث بعد انتفاء حاجته السحرية و الوظيفية التي أنتجته أشكاله العانية التي تفرض سطوتها بما تبثه مكوناته من دلالات جمالية موصولة بحنين للماضي وبمكونات أخرى لها صلة بتكنيك العمل ومكوناته الفنية الأخرى .
النظر إلى العمل الأثري من خلال محمولاتنا الثقافية المعاصرة، أمر كهذا تناوله العديد من فنانينا ابتداء من ( جواد سليم ) .
كما لم يغفل موروث ( الفراعنة ) عدداً كبيراً من تشكيليي مصر . حال هذا الموروث حال موروثنا الإسلامي أيضاً الحروفي والخطي الزخرفي وبعض مفردات العمارة، للحد الذي اغرق السوق العربي باستنساخات مملة مع ذلك يبقى الإرث إرثاً مشاعاً بحدود ما تؤوله الصياغات الجديدة، أما ما يطرح عن ( تأثر الحروفيين العرب بالغرب).
من الممكن أيضاً عكس الآية والقول ب(تأثر الفنانين الغربيين المحدثين بالحرف العربي) والأمثلة عديدة .
الإرث التاريخي مشاع وخاضع للتنقيب الثقافي ، ليس من ضير في تنافذ الثقافات في المنطقة المتوهجة منها صناعة الأثر (اللوحة).


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.