* نحن في اليمن نتباهى بأن لدينا منظومة قانونية متكاملة وراقية أدمجت فيها مبادئ الشرعة الدولية لحقوق الإنسان وما يتعلق بالشفافية والمؤسسية والثورة الإدارية، وهذا كلام صحيح إلى حد كبير.. لكن المشكلة أن هذه القوانين نمتلكها ولا نعمل بها ولذلك لا تظهر فعاليتها في الواقع العملي، لكل هيئة عامة في الدولة قوانين ولوائح، ولكن الحكم فيها للأشخاص وليس للقوانين، تدار بالاجتهادات الشخصية وليس بالطريقة المحددة في القوانين.. ومن هنا تأتي الفوضى، ويحدث الفساد ، ويظل المديرون جاثمين على الكراسي وصدور الموظفين لعقود طويلة . لنأخذ مثالاً واحداً ،وهو قانون التدوير الوظيفي الذي صدر قبل سنوات ، والذي يوجب عدم بقاء مدير هيئة عامة في منصبه مدة أربع سنوات تقريباً..فهذا القانون مجمد منذ سنوات ولم يطبق. * ولأن القانون لم يطبق صار البديل له اليوم الفوضى ، بل الفوضى غير المنظمة ، هذا إذا كان للفوضى نظام .. ففي هيئات عامة صار الموظفون ينتفضون ضد رؤسائهم ويغلقون أبواب تلك الهيئات مطالبين بتغيير رؤسائهم .. ولكل جماعة مبررها .. هذه مبرراتها إصلاح الإدارة وإزالة الفساد، وتلك تدعي أن المدير فاشل وعاجز وتطاول عليه العهد .. وأخرى ضد المدير لأنه أوقف مستحقات مالية أو اتخذ إجراء إدارياً غير قانوني.. وفي صفوف هؤلاء ينخرط ذوو الحسابات الشخصية والسياسية ، ومن يقاومون إجراءات سليمة اتخذت بحقهم كالإحالة للتقاعد أو إلى نيابة الأموال العامة، ويلتحق بهم فاسدون وكسالى وفاشلون ومنتقمون .وفي هذا الجو الذي تسيطر فيه الفوضى لا يمكن إحداث تغيير إيجابي مأمون ومضمون ولا إصدار قرارات صحيحة، وفي ذات الوقت لا يتم الحفاظ على العمل المعتاد داخل الهيئة. * إن هذه المظاهر السلبية هي نتاج الفوضى الإدارية وغياب المؤسسية .. وما المؤسسة إلا هيئة تطبق قوانينها ولوائحها وتسير أعمالها وفقاً لهما، وبدونهما هي ليست مؤسسة إلا من باب التحبب.. ليست مؤسسة حقيقية إذا كانت تسير بالاجتهادات والحكم فيها للأشخاص مطلقي الصلاحيات الذين وصلوا إليها وبقوا فيها بفعل سند خارجي غير قانوني كأن يكونوا على صلة بنافذين ومؤثرين في اتخاذ القرارات. * إن عدم تطبيق القوانين بما في ذلك قانون التدوير الوظيفي سبب رئيسي في نشوء هذه الفوضى .. وهذه الفوضى إذا كانت فيها إيجابية فإيجابيتها الوحيدة هي ما تنطوي عليه من رغبة في التغيير وعدم رضا عن الفساد والاحتجاج على عدم إعمال مبدأ تكافؤ الفرص.