قبل الحرب المشؤومة عام 94م كانت الأطراف السياسية في بلادنا قد توصلت إلى وثيقة سياسية أسموها (وثيقة العهد والاتفاق) تم التوقيع عليها في المملكة الأردنية الهاشمية. وبعد أن عاد الجميع إلى أرض الوطن فإن بعضهم لم يبد حماساً لتنفيذ بنوك تلك الوثيقة وحصل نوع من عدم الاكتراث بالأمور وتأجيلها أو ترحليها إلى أجل غير مسمى وفضل بعضهم الاعتكاف في منزله والتنقل المكوكي بين بعض الدول المجاورة وحدث نوع من التباطؤ والتكاسل الذي أدى إلى تأزيم الأمور وكانت تنذر باقتراب وشيك للحرب، ويبدو أن كل طرف كان يتربص بالطرف الآخر منتظراً اللحظة الحاسمة للانقضاض عليه إلى أن حدثت الحرب المشؤومة التي راح ضحيتها الآلاف من أبناء الوطن الابرياء وازداد الحال سوءاً وتدهورت الأوضاع الاقتصادية والأمنية وفر البعض إلى دول الجوار .. بعد ذلك مرت البلاد بحالة من الاستقرار النسبي استمرت قرابة عقد ونصف حتى عام 2007م حيث بدأت حالة من التذمر في المحافظات الجنوبية بين أوساط المهمشين والموقوفين عن العمل. وخرجوا مطالبين بمطالب حقوقية متواضعة لكنها ضرورية بالنسبة لهم كالعودة إلى وظائفهم والحصول على حقوقهم المادية وتجاوبت الحكومة مع مطالبهم لكنها لم تحل المشكلة برمتها فرفع المحتجون سقف مطالبهم بعد ذلك وسموا أنفسهم (الحراك الجنوبي)، وكانوا أسبق من ثورات الربيع العربي التي حدثت في كل من تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا والبحرين وازدادت الاحتقانات ورفعوا سقف مطالبهم التي كانت بدايتها كما ذكرنا مطالب حقوقية بسيطة ومتواضعة، هذا بالإضافة إلى أن البلد قد مر بعدة حروب في صعدة مع الحوثيين أكلت الأخضر واليابس واستنزفت قدرات البلد حتى وصلنا إلى احتجاجات واعتصامات الشباب التي بدأت بخروج مظاهرات عادية تضامناً ومناصرة لبوعزيزي التونسي ثم تطورت الأمور وارتفعت المطالب يوماً بعد يوم خاصة بعد انضمام أفراد من الجيش اليمني بقيادة اللواء علي محسن الأحمر قائد الفرقة الأولى مدرع وبعض عناصر قبلية موالية لأولاد الأحمر وبعض عناصر حزبية وإسلامية متشددة وأثروا على سلمية الشباب وحولوها إلى تصعيد ثوري عنيف وهو ما أفقدها عفويتها المسالمة. ودار الحوار بين الأحزاب المعارضة وبين النظام منذ عدة سنوات راوح بين مد وجزر وشد وجذب، وقدمت من قبل النظام عدة مبادرات وتنازلات رفضت من قبل أحزاب (المشترك) وصعدوا الموقف والمطالب وتأزمت الأمور ووصلت إلى ما وصلت إليه حتى ظن الناس أن الأزمة قد اقتربت من كارثة الحرب الأهلية، وهنا ولدت فكرة المبادرة الخليجية التي عدلت أكثر من مرة حتى وصل الأمر إلى المجتمع الدولي الذي اصدر القرار (2014) الذي دعا أطراف الأزمة اليمنية إلى ايجاد تسوية سياسية مبنية على المبادرة الخليجية وآلياتها التنفيذية تخرج البلاد من أزمتها الخانقة حتى وصل الجميع إلى الرياض للتوقيع على المبادرة وآلياتها وأن يبدأ الجميع بتنفيذ المبادرة. بعد ذلك تشكلت حكومة الوفاق الوطني واستبشر الناس بها خيراً، وكذلك اللجنة العسكرية، وحازت الحكومة ومشروع برنامجها العملي العام ثقة البرلمان وموافقته لكن الأمور لم تمض كما هو مقرر لها أن تمضي فبدأت المسيرة الراجلة من تعز إلى صنعاء مطالبة برفض المبادرة وقام بعض موظفي المرافق بإحداث احتجاجات ضد رؤسائهم وعادت حالة التوتر والتمترس وقطع خطوط الكهرباء والمشتقات النفطية وكأننا عدنا إلى الاقتراب من خانة الصفر أو المربع الأول للأزمة وكأن هناك في الأفق بوادر انتكاسة وتراجع وردة من بعض الأطراف التي تم التوافق معها في حكومة وطنية مشتركة وكأن مصير ومآل المبادرة الخليجية كمصير ومآل وثيقة العهد والاتفاق التي تنصلت بعض الأطراف عن الوفاء بتنفيذها فكانت الحرب المشؤومة التي لانتمنى أن تتكرر مرة أخرى فقد سئم الناس وملوا من الحروب والصراعات ويتطلعون إلى الأمن والاستقرار والحياة الهادئة. نتمنى من الله مؤلف القلوب أن يؤلف بين أعضاء حكومتنا الموقرة حكومة الوفاق الوطني وأن يوفق بينهم ويلم شملهم ويبعث فيهم الثقة المتبادلة والألفة حتى لايقودوا البلاد إلى المجهول وإلى الهاوية لا سمح الله.