كلما أقبل عيدٌ علينا أن نتخيل ضحكات الأطفال الصغار وهم يرتدون الجديد من الملابس وتملأ أيديهم الألعاب فرحين مهللين ، ويتناوبون بين الفينة والأخرى للعودة لآبائهم أو أمهاتهم فاتحين أيديهم لاستلام (العيدية) لمشاركة أطفال الأهل والجيران في صرف أكبر عدد ممكن من النقود للتعبير عن حالتهم الميسورة عن سواهم. أما الأم فهي في حالة انشغال شديد بوضع اللمسات النهائية لبيتها لإظهاره بأحسن مظهر في حالة قدوم الأهل والأقارب والجيران للتحية والمباركة بهذا العيد ، ثم تزداد انشغالاً بتجهيز وجبة الغداء - والتي لابد أن تكون مميزة جداً في هذا اليوم السعيد - وقد أعياها التعب منذ البارحة في ذلك .. أما الأب فما أدراك أي حالة هو عليها .. ذلك الموظف البسيط وصاحب الدخل المحدود .. قد امتلأ قلبه بالعديد من الهموم والأحزان في يوم عيد !!! تتراكم المعاناة عليه من كل جانب كلما فكَّر بأثقال الديون التي انتزعها خجلاً من هنا وهناك لتغطية حاجيات بيته وأطفاله لهذه المناسبة .. ثم تأتيك فترة ما بعد العيد .. ها قد نفد ما لدى الأسرة من زاد أو مال أو حتى راحة بال .. وكيف له أن يعاود الإبحار في لُجّ الحياة اليومية وما تحتاجه الأسرة من ضروريات .. وخذ بالمقابل نموذجاً بسيطاً ( لأسرة متنفّذَة ) ومن القائمين على أموال هذا الوطن المتعب ، والذين يغترفون كل ما يحتاجونه وكل ما لا يحتاجونه وزيادة دون رقيب أو حسيب .. في هذا العيد ستحزم أسرتنا السعيدة أمتعتها للسفر إلى أحدى المناطق السياحية أو حتى خارج الوطن لقضاء العيد - بعيداً عن عيون الناس - من هذا المجتمع الحسود.. ولك أن تتخيل الصرفيات المذهلة لذلك !! أما إذا فكَّر ( سيادته) بالبقاء في قصره المنيع للاحتفال بالعيد ، فلا يفرق ذلك شيئاً ، فأن تموينات العيد قد أكتظت بها أرفف وغرف المنزل الواسعة ومن أفخر ما يكون ، كيف لا ولديهِ من أكوام المال - التي شفطها من خزائن الوطن الكريم - ما قد فاض عن حاجته بمئات المرات .. ومن العيب أن لا يخرج ابنه بأفخر أنواع السيارات للتنزه بها مع رفقته وأصدقائه من نفس الطبقة ، وقد امتلأت شنطة السيارة الأمامية والخلفية بكل ما يخطر لك ببال وما لا يخطر .. فإن كنت من أصدقائه وأحبابه وصادفته فيلتفت إليك ويديه ملقية على مقود سيارته الفارهة منتظراً قدومك إليه - فهو من العيب أن تطأ قدمه الأرض - للسلام عليك وهو إبن فلان الفلاني .. تقترب إليه وتحييه وأحياناً تعانقه بمناسبة العيد ، فإن سألته : كيف العيد ؟ أجابك ضاحكاً : - العيد عيد العافية ... !!! انظر المفارقات المذهلة .. بهذه الإجابة الساخرة يريد إقناعك أنه عليك أن تحمد الله ساجداً أنك معافى بالعيد ولستَ معتلاً أو فارقت الحياة من شدة الجوع !! وعليك تقبل الوضع والاقتناع مضطراً بذلك ، واعتبار هذه ( الحكمة الحكومية ) هي قانون لا يتغير وواقعٌ إياك والتفكير في سواه على الإطلاق .. فهو من حقه أن يتمتع بكل شيء وأي شيء دون مساءلة .. وأنت .. أنت عليك أن تتمتع بالعافية وكفاك حسداً وبغضاً لهذا ( المتنفذ ) وأهل بيته الأخيار الذين اصطفاهم الرحمن للتمتع بكل أموال الفقراء - نيابة عنهم طبعاً حتى لا يبطروا - والمكتوب عليهم العبادة والدعاء والخضوع لأمثال هؤلاء ، والشكر لله عز وجلّ على هذه العافية التي نالوها ولهذا الحال الصعب الذي تعانيه كأمثالك من السواد الأعظم من هذا الشعب الطيب .. حينها فقط يعتصرك الأسى والحزن على ما أنت فيه، وتمزِّق أحشاءك الحاجة والعوز ، وتتفجر بعض شرايين مخك وأنت لا تجد إجابة على سؤال واحد لا يكاد يفارق ذهنك : - لماذا العيد عيد العافية وكفى ؟ لماذا لا يكون عيداً للعافية والسعادة والفرح لي ولأسرتي وأطفالي ؟؟ وهل سيظل هذا هو حالنا إلى يوم القيامة وسيموت الأمل فينا حتى في الأيام المقبلة ؟؟؟