إنها حملة شرسة تشنها السلطة المعبرة عن تيار الإسلام السياسى ضد حرية الإعلام والإعلاميين، وهى حملة لا تبغي إصلاح الإعلام أو تطويره كما تدعي، ولكنها تريد أن تركعه وترهبه. تنسجم تلك الحملة الشرسة مع التوجيه الاستراتيجى الذى يمكن رصده فى تقييم مرشد جماعة «الإخوان» الدكتور محمد بديع للإعلام والإعلاميين، حين قال إن «بعض الإعلاميين مثل سحرة فرعون، والشيطان يوسوس لهم». وهو ذات التوجيه الذى يظهر فى مقولة أحد قادة الجماعات السلفية، التى وصف فيها الإعلاميين ب«الفسقة والفجرة»، أو ما يفعله أنصار قيادى إسلامى آخر، حين يحاصرون مدينة الإنتاج الإعلامى، أو ما يفعله الرئيس نفسه، وقيادات حزب الحرية والعدالة حين يكيلون الاتهامات للإعلام والإعلاميين يوماً بعد يوم. إن الإعلام فى مصر يخطئ أخطاء فادحة كما يخطئ الآخرون تماماً، وبين الإعلاميين فاسدون ومأجورون، وهى فئات تجدها بين كافة أصحاب المهن وبين السياسيين أيضاً، لكن الحملة التى تستهدف الإعلام، وتحاصر المقار الإعلامية، أو تهدد باقتحام الصحف، والاعتداء على الصحفيين وذبحهم، و«تعليقهم من أرجلهم فى ميدان التحرير»، لا تريد إصلاح الإعلام وإنما تريد إرهابه وإسكاته. يسيطر «الإسلاميون» على وسائل الإعلام المملوكة للدولة، ويرهبون الإعلاميين، ويعتدون عليهم، بزعم أنهم «سحرة فرعون وفسقة وفجرة»، وهو الأمر الذى يشحن أنصارهم من البسطاء ب«الأحقاد اللازمة» لإسكات الإعلام والإعلاميين باستخدام القوة. الأمر نفسه يحدث فى تونس أيضاً من دون تغيير يذكر. فالسيد راشد الغنوشى زعيم «حركة النهضة» التى تقود الائتلاف الحاكم هناك يرى أن «الإعلام هو الحزب المعارض للحكومة.. وأنه عدو الثورة، وأن العلمانيين يهيمنون عليه». ورغم أن حكومة حمادى الجبالى قامت بتعيين قيادات موالية فى مناصب قيادية فى إعلام الدولة التونسية، فإنها عادت لتعلن رغبتها فى «تطهير الإعلام لكى لا يتحول إلى منابر معادية». فصلت الحكومة التونسية مدير إحدى قنوات الدولة، وعينت تسعة مدراء جدد فى الإذاعات العامة، وأصدرت مذكرة توقيف فى حق مدير تليفزيون خاص قدم برنامجاً سياسياً ساخراً انتقد «النهضة»، وأحالت مذيعة إلى التحقيق لأنها انتقدت بعض سياسات الحكومة فى برنامجها الإذاعى. تشير القراءة المتأنية إلى أن ما يحدث فى مصر وتونس من السلطة الإسلامية وأنصارها إزاء حرية الإعلام يكاد يكون متطابقاً ومتفقاً فى الخطوط العريضة والتفاصيل المحددة بشكل يثير الدهشة والقلق والانزعاج. تبدأ سياسة الإسلاميين فى البلدين تجاه المجال الإعلامى بتوجيه استراتيجي من قيادة روحية عليا، يحمل تقييماً واضحاً للإعلام، ويصفه بأنه «مجال معادٍ»، وينعت الإعلاميين بأنهم «فسقة أو فجرة أو كفرة أو خونة ومأجورون». وفي تلك الأثناء، تبسط السلطة سيطرتها على وسائل الإعلام المملوكة للدولة، فتحولها إلى أبواق لها، وتواجه المعترضين فيها بالإجراءات الإدارية المتعسفة. وبموازاة ذلك، تستغل السلطة بعض أخطاء الإعلاميين، وتروج لرغبة في «تطهير الإعلام»، وتحت هذا العنوان المثير، تحرض أتباعها «البسطاء» على ممارسة فعل «التطهير» باليد، عبر الاعتداء على الإعلاميين وترهيبهم مادياً ومعنوياً. الأداء السياسي المتخبط والمزري للقيادات الإسلامية في مصر وتونس يعري ضعف هذا الفصيل ويفضحه، والإعلام المنفتح يعمل على تسليط الضوء على جوانب القصور والسلبيات؛ ولذلك فإن تلك القيادات تعتقد أن قمع الإعلام وإسكاته أسهل من محاولتها تحسين الأداء. لا يمكن الدفاع بأي شكل من الأشكال عن بعض الممارسات الإعلامية الصارخة والحادة التي ترقى إلى مستوى الجرائم مكتملة الأركان في بعض الأحيان. ولا يمكن تجاهل أن الإعلام في مصر يعمل بلا نظام رشيد، بسبب ثلاثة عقود من التجريف المنظم في عهد مبارك، وهشاشة الأوضاع السياسية والإعلامية إلى الحد الذي سمح بدخول أنماط تمويل مشبوهة إلى تلك الصناعة. لكن ثمة ثلاثة عوامل أساسية يريد أعداء الإعلام القفز عليها؛ أولها أن الإعلام ليس المخطئ الوحيد، ولم يخطئ بأكثر مما أخطؤوا هم أنفسهم، وثانيها أن كافة أخطاء الإعلام مهما عظمت لا تصل إلى فداحة مخاطر قمعه وإسكاته، وثالثها أن هناك خطة متكاملة مقدمة لكافة الأطر المسئولة في الدولة لإصلاح الإعلام، وهي الخطة التىييجري باستمرار تجاهلها والالتفاف عليها. الإسلاميون يشنون حملة شرسة على الإعلام في مصر وتونس، ويتبعون سياسات متطابقة لتركيع المجال الإعلامي، لكنهم لن يتمكنوا من ذلك، وستنتصر حرية الإعلام فى البلدين اللذين شهدا ثورتين مجيدتين.. هكذا تقول دروس التاريخ . كاتب مصري