"المُدوّنة العربية الموحّدة لتشريعات الطيران المدني" Arab Civil Aviation Legislation Codex"    المجلس الأعلى للطاقة يقر حلول إسعافية عاجلة لتوفير وقود لكهرباء عدن    ارتفاع حصيلة قتلى صاروخ إيران الأخير إلى 11 إسرائيليا على الأقل    الأهلي المصري يودع مونديال الأندية    موقف غير أخلاقي وإنساني: مشافي شبوة الحكومية ترفض استقبال وعلاج أقدم كادر صحي في المحافظة    "العليمي" يفرض الجزية على حضرموت ويوجه بتحويل 20 مليار ريال شهريا إلى إمارة مأرب    حان وقت الخروج لمحاصرة معاشيق    بوساطة قطرية.. اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران    عدن على حافة الانفجار: انهيار شامل وخيوط مؤامرة دولية تُنسج بأيدٍ يمنية    أوساكا.. انتصار أول على العشب    6 مليارات تكلفة أولمبياد باريس    اليمن تضع إمكانياتها تحت تصرف قطر وتطلب من المغتربين عدم العودة لسوء أوضاع وطنهم    هلال الإمارات يوزع طرود غذائية على الأسر الأشد فقرا بشبوة    كفى لا نريد دموعا نريد حلولا.. يا حكومة اذهبي مع صاروخ    الفريق السامعي: المنطقة على موعد مع حدث خطير    مسئول ايراني كبير: تصريحات ترامب حول اتفاق وقف النار "خدعة"    إب .. تعميم من مكتب التربية بشأن انتقال الطلاب بين المدارس يثير انتقادات واسعة وتساؤلات حول كفاءة من اصدره    حين يتسلل الضوء من أنفاس المقهورين    تحركات مشبوهة للقوات الأجنبية حول مطار المهرة ..    السقلدي: هناك شحن وتعبئة لقوات الامن تجاه المواطن    بطولة عدن الأولى للبلولينج تدخل مرحلة الحسم    عربة خدمات ارضية تخرج طائرة لليمنية عن الخدمة    إيران تفرض حرب استنزاف باهظة على الصهاينة ..!    خامنئي: لم نعتد على أحد ولا نقبل ان يعتدى علينا    الخارجية اليمنية: الهجوم الإيراني على قطر انتهاك صارخ للقانون الدولي    - من هو رئيس تحرير صحيفة يمنية يلمّح بالزواج من إيرانية ؟ أقرأ السبب !    - الأوراق تكشف كيف رحل رجل الأعمال الشيباني وقلبه مثقل بخيانة نجله؟ صراع على التركة وفضيحة مدوّية داخل العائلة!    مليشيا الحوثي تكشف ارتباطها المباشر بإيران.. هل انتهت خدعة "التضامن مع غزة"؟    وزير الخارجية يلتقي مدير مكتب الأمم المتحدة لخدمات المشاريع    هيئة الآثار والمتاحف تسلم 75 مخطوطة لدار المخطوطات بإشراف وزير الثقافة    الخدمة المدنية تناقش استكمال تصحيح الاختلالات في كشف الراتب    دوامة الأزمات التي تخنق العاصمة عدن إلى متى؟    بعد المونديال.. بيلينجهام يغيب عن ريال مدريد 3 أشهر    الرئيس المشاط يعزي في وفاة عبد الله عبد الوهاب قاسم    النفط يرتفع إلى أعلى مستوياته منذ يناير بسبب المخاوف بشأن الإمدادات    اجتماع موسع لمناقشة الاستعدادات الجارية لبدء العام الدراسي الجديد في مدينة البيضاء    الشعر الذي لا ينزف .. قراءة في كتاب (صورة الدم في شعر أمل دنقل) ل"منير فوزي"    الفاسدون في الدولة وسياسات تخريب الطاقة الكهربائية السيادية؟!    ضبط مخزن للأدوية المهربة بمحافظة تعز    الحرارة فوق 40..عدن في ظلام دامس    ريال مدريد يقسو على باتشوكا    فصيلة دم تظهر لأول مرة وامرأة واحدة في العالم تحملها!    الصين.. العثور على مقابر مليئة بكنوز نادرة تحتفظ بأسرار عمرها 1800 عام    الكاراز يعادل رقم نادال على الملاعب العشبية    بين عدن وصنعاء .. شهادة على مدينتين    إيران تنتصر    قطاع الأمن والشرطة بوزارة الداخلية يُحيي ذكرى يوم الولاية    المنتخب الوطني تحت 23 عامًا يجري حصصه التدريبية في مأرب استعدادًا لتصفيات آسيا    مرض الفشل الكلوي (9)    إشهار الإطار المرجعي والمهام الإعلامية للمؤتمر الدولي الثالث للرسول الأعظم    توقيف الفنانة شجون الهاجري بتهمة حيازة مخدرات    كشف أثري جديد بمصر    من قلب نيويورك .. حاشد ومعركة البقاء    الحديدة و سحرة فرعون    خبراء :المشروبات الساخنة تعمل على تبريد الجسم في الحر الشديد    شوجي.. امرأة سحقتها السمعة بأثر رجعي    علاج للسكري يحقق نتائج واعدة لمرضى الصداع النصفي    حين يُسلب المسلم العربي حقه باسم القدر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الاعتذار ل«غاليليو»
نشر في 14 أكتوبر يوم 15 - 01 - 2013

الحمد لله.. كان غاليليو يدافع عن نظرية كوبرنيكوس التي تقول بأن الشمس ثابتة والأرض والكواكب تتحرك حولها، فاستاء قساوسة الفاتيكان آنذاك لأن هذه النظرية تخالف الثقافة السائدة التي على أساسها اعتقدوا أن ثبات الأرض ودوران الشمس حولها مفهوم إنجيلي يحكَم ب(تكفير) من يخالفه ويحاكم بتهمة الهرطقة وقد يكون مصيره الإعدام حرقاً..
[لا يوجد نمط فقرة]وأصدر القسيس باولو أنتونيو فوسكاريني عام 1615 كتاباً أراد أن يثبت به عدم صحة الاستنتاجات الفلكية لكوبرنيكوس وأنها لا تتطابق مع ما جاء في الإنجيل..
وبناءً على ذلك أنشأت السلطات البابوية لجنة لتقصي الحقائق ونتج عنها منع كتاب القسيس فوسكاريني من التداول، كذلك منعت عدة مخطوطات عن الاستنتاجات الفلكية لكوبرنيكوس، إلا أن كتاب كوبرنيكوس الأصلي لم تمنعه الكنيسة وإنما مُنع من التداول، وحُفظ حتى عام 1822 فى مكتبة الفاتيكان..
وكان غاليليو بعيداً عن النزاع، وتركه رجال الكنيسة بسبب صداقته مع الكاردينال مافيو بالرباريني الذى أصبح فيما بعد البابا أوربان الثامن، فتكاتف خصومه واشتكوا غاليليو أمام البابا وضغطوا عليه لمحاكمته، ثم خُلِّصَ من الورطة على اعتبار أنّ إدانة غاليليو قامت على أساس خطاب مزور.
ثم فقد غاليليو من يحميه ويدافع عنه فى روما فحكمت عليه المحكمة عام 1633 بالاشتباه فى الهرطقة وكانت العقوبة هي السجن لإرضاء خصومه الثائرين، وفى اليوم التالي خُفف الحكم إلى الإقامة الجبرية مع منعه من مناقشة تلك النظرية، وأعلنت المحكمة أن كتاباته ممنوعة..
ومنذ ذلك الحين اعتكف غاليليو فى بيته حيث أمضى بقية حياته ملتزماً بعدم نقاش نظرية كوبرنيكوس علناً.. واهتم فى عمله بدراسة حركة أقمار المشتري واتخاذها أداةً لقياس الزمن من أجل حل مشكلة خطوط الطول، ثم حوّل التليسكوب إلى الميكروسكوب، ثم كتب غاليليو كتاباً عن الكينماتيكا (علم حركة الغازات وصلابة المادة) الذى أشاد به أينشتاين كثيراً وأطلق على غاليليو بسببه لقبا وهو: (أبو العلم الحديث)..
ولما أصابه العمى وعانى من فتق مؤلم سُمِح له بالسفر إلى فلورنسا للعلاج.. ثم بقي تحت الإقامة الجبرية فى منزله حتى وافته المنية عام 1642.
ولم تعترف الكنيسة الكاثوليكية بخطئها فى حق غاليليو إلا بعد مرور أكثر من 300 سنة على محاكمته!
فقام البابا بيوس الثاني عشر عام 1939 بوصف غاليليو بأنه أكثر أبطال البحوث شجاعة، لم يخش من العقبات والمخاطر ولا حتى من الموت..
ثم قام البابا يوحنا بولس الثاني عام 1992 بالتعبير عن الندم تجاه الطريقة التى تعاملت بها الكنيسة الكاثوليكية مع أعماله العلمية وأعلن اعترافه بالأخطاء التى ارتكبتها الكنيسة..
وفى مارس 2008 أتمّ الفاتيكان تصحيح أخطائه تجاه غاليليو بوضع تمثال له داخل الفاتيكان. وفي ديسمبر من العام نفسه أشاد البابا بندكت السادس عشر بإسهاماته فى علم الفلك أثناء احتفالات الذكرى ال400 لأول تليسكوب لغاليليو..
ليس الحديث هنا بصدد السرد التاريخي، ولا التدقيق في تفاصيل رواياته..
ولست بصدد (تعيير) الكنيسة الكاثوليكية بماضيها فقد اعتذرت والاعتذار هو اعتراف بالخطأ وهذا يدعو إلى الاحترام.. وإن كان الاحترام سيكون أكبر إذا امتلك الفاتيكان شجاعة الاعتذار لمسلمي الأندلس عن جرائم محاكم التفتيش أيضاً..
كما أن الخاطرة هنا ليس لتقييم تصرفات غاليليو، وهل كان تصرفه حكيماً فى التخلص من الصدام مع الكنيسة ليستمر فى أبحاثه ودراساته التى نتج عنها اختراعات ونظريات أسست لنقلة علمية، أم أنه كان ينبغي له الثورة بشجاعة على استبداد الكنيسة مهما كانت النتائج، عوضاً عن التظاهر بخلاف معتقده كما يلومه عليه بعض مروجي الإلحاد اليوم..
لكن القصد من وراء هذه الخاطرة أن نتفكر.. فنتساءل.. فنتعلم الدرس.. ونعتبر.. لنفهم:
* هل من الصواب أن نتمادى في إقحام النصوص المعصومة في تفاصيل تنافساتنا وخصوماتنا على نحو يخلط بين فهمنا غير المعصوم والنص المعصوم؟ أم أننا سندرك خطر هذا التصرف على ثقة الناس في عصمة النص؟
*هل من الصواب الاستمرار فى رفع المصاحف على رماح معاركنا السياسية والقتالية لمحاولة كسب الوقت أو احتكار الصواب والاستئثار بالمشروعية؟ أم أن هذه الجريمة التراكمية قد تعرض مشروعية تفعيل تعاليم القرآن للاهتزاز فى صدور المؤمنين به؟
*هل من الصواب المضي قدماً في اتهام كل مخالف بالهرطقة (التكفير أو التشكيك فى إيمانه) والعمل على حرمانه (تشويهه وتخوينه والسعي إلى محاكمته)؟ أم أننا سندرك خطأ الاغترار بالتفاف عموم الناس حولنا وثقتهم فى الدين الذي اعتبرونا ممثلين له، وخطورة التمادي فى الاستقواء برجحان كفة التوازنات السياسية العالمية سريعة التغير، وندرك أن كل هذا غير كاف لأن يجعل خطأنا صواباً؟
* والخلاصة هنا:
هل من الصواب أن نبادر بالاعتذار للجيل عن سوء تصرفاتنا معهم وعن المستوى الرديء الذي قدمنا لهم به تعاليم الإسلام العظيمة؟ أم أننا سننتظر ثلاثة قرون حتى نعتذر كما فعل الفاتيكان؟ مع ملاحظة أن اعتذار الفاتيكان جاء بعد أن تمكن الإلحاد من أوروبا وتمت تنحية الدين عن الحياة من خلال نضال مريع.. خُنق فيه الإقطاعي بأمعاء القسيس..
وأصبح الفاتيكان اليوم يحاول تدارك وجوده ولو بوضع الثوابت الدينية والقيمية على طاولة التفاوض للتوصل إلى مصالحة مع النخب الثقافية التى كان بالأمس يرميهم بالهرطقة ويعمل على إعدام رموزهم، فاعتبروا يا أولي الألباب.
وهذه التساؤلات لا تجعل الطرف المقابل اليوم فى مكان غاليليو بل تدعوه إلى التساؤل:
*هل من الصواب الاكتفاء باعتمادنا على كشف أخطاء الطرف المقابل ومحاولة إسقاطه في نفوس الناس؟ أم أن المطلوب أن نحمل مشروعاً حقيقياً بأبعاده المعرفية والأخلاقية والعملية؟
*هل من الصواب أن تطمئن نفوسنا وتطرب لمجرد استدعاء نموذج غاليليو ونتوهم التكرر المكتمل للتجربة؟ أم أن المطلوب أن يكون فينا بالفعل أمثال كوبرنيكوس وأينشتاين ونيوتن في البحث العلمي والإنجاز؟
* وهل من الصواب أن نُسلِّم لنموذج معرفي كان من نتائج تفعيله دون تمييز فى منطقتنا وصول من نشكو منهم اليوم إلى مراكز القرار بل وحصولهم على مساندة العالم المتقدم؟ أم أننا بحاجة إلى العمل على تطوير هذا النموذج وحسن النظر فيما يفيد منه وما يحتاج منه إلى تقويم؟
*هل من الصواب أن نستسلم لفكرة تحميل الإسلام مسئولية ما نحن فيه ونعمل على إقصائه من الحياة؟ أم أننا بحاجة إلى أن نعرف حقيقة الدين ونتخلق بأخلاقه ونتذوق روحانيته ونعمل على تحرير خطابه من أيدي مختطفيه ونطلقه من سجن مضطهديه؟
ولولا خلط رجال الدين بين مفاهيمهم المبنية على الثقافة السائدة فى وقتهم حول ثبات الأرض.. وتسرعهم فى نسبتها إلى كلام الله.. ومعاداتهم لأبحاث العلم التجريبي التي تثبت خطأها.. واضطهادهم للعلماء الباحثين على الرغم من أن لديهم نصوصا تدفع وهم التعارض.. إضافة إلى ممارساتهم الاستبدادية الأخرى معتمدين على سلطتهم المستمدة من إيمان العوام لربما بقي للدين وجود حقيقي في مجتمعاتهم..
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (يحملُ هذا العلمَ من كلِّ خلَفٍ عُدولهُ ينفونَ عنهُ تحريفَ الغالينَ وانتحالَ المبطلينَ وتأويلَ الجاهلينَ).
اللهم اجعل لشباب الأمة نصيباً وافراً من هذه البشارة النبوية يا عظيم النوال ويا واسع الإفضال.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.