حين راودتني فكرة الكتابة عن حوادث الانتحار، لم أكن أرمي الى توصيف تلك الحوادث ، أو الحديث عن هذه الظاهرة .. فهناك اختلاف في إطلاق صفة (الظاهرة) عليها، وهي حوادث لا تعرف سناً محددة، او جنساً بعينه .. كل مافي الأمر ان موقفاً مؤلماً اثر في نفسي كثيراً حين سمعت (اما ثكلى) تصرخ بأعلى صوتها (ولدي لماذا قتلني ؟) .. لماذا ياولدي؟ (أ،ن،ر) شاب في عمر الزهور، ودع الحياة برصاصة من يده استقرت في رأسه تاركاً والديه وثلاث اخواته، وورقة صغيرة كتب عليها (سامحوني لم أعد اطيق العيش) .. بالتأكيد أن تفاصيل كثيرة قد دفنت معه .. لكن الرصاصة القاتلة مازالت عالقة في فؤاد أمه التي دخلت حياة من الحزن العميق على ولدها. حالات الانتحار في ازدياد حوادث الإنتحار ليست مقتصرة على الشأن المحلي، بل هي حوادث عالمية لا تعني بلداً بعينه، وقد اظهرت تقارير لمنظمة الصحة العالمية ان عدد المنتحرين سنوياً في مختلف انحاء العالم يصل الى ، مليون ومائة ألف منتحر، أي بمعدل (300) حالة انتحار كل يوم. وهناك دراسات وأبحاث عديدة اجريت في دول عربية وإسلامية اكدت ان ضعف الوازع الديني هو أكثر الأسباب التي ادت الى زيادة عدد حالات الإنتحار في تلك المجتمعات، كما أشارت تلك البحوث الى ان المجتمعات المحافظة تكتنف حالات الانتحار فيها غموضاً وسرية، وبالرغم مما تكشفه الإحصائيات والأرقام وتقارير المنظمات الدولية لحقوق الإنسان والجهات الأمنية المعنية من تصاعد لحالات وحوادث الانتحار حسب تلك البحوث نتيجة حالة التحفظ وعدم تسجيل الكثير من البلاغات الخاصة بحوادث الإنتحار لدى الجهات المعنية وسيطرة مفهوم (العيب الإجتماعي) لدى الكثيرين وما يكتنف معظم هذه الحوادث من ملابسات وغموض. وحول أسباب الإنتحار من وجهة النظر الشرعية، فأول الأسباب هو جهل الشخص بأحكام الشريعة الإسلامية وأن كثيراً من الناس ربما لا يدركون عظم هذه الجريمة، وضعف الإيمان بالله عز وجل واليوم الآخر، والقضاء والقدر. دوافع متعددة يعزو علماء النفس الإقدام على فعل الانتحار الى مرض الإكتئاب النفسي او عدم التكيف مع الواقع ومتغيراته وتقلباته، او الى حالات اضطرابيه سلوكية، تحت عوامل ومفاهيم عامة واقتصادية واجتماعية ونفسية. وإغفال الكثير من الأسباب والدوافع الخفية وراء معظم حالات الانتحار يبقى حسب رأي المتخصصين احد أهم الأسباب الرئيسية التي ساهمت في تفاقم المشكلة. فالانتحار في رأي علم النفس يكون ناتجاً عن افكار قهرية او اكتئاب او فشل يفضي الى شعور او اعتقاد لدى الشخص المنتحر بأن الموت هو اقصر الطرق للتخلص من مشكلات الحياة. ويرى علماء الإجتماع ان الإنتحار عبارة عن لحظات يأس تتحول الى رغبة استسلام وخوف من مواجهة مشكلات الحياة، إضافة الى الظروف الاقتصادية الصعية واليأس والخوف الناتج عن امراض مزمنة كالفشل الكلوي والسرطان اضافة الى اليأس الناتج عن الشعور بالظلم الاجتماعي، اضافة الى الحرمان الاجتماعي وفقدان الجو الاسري والعاطفي وانعدام السكينة الداخلية، وضآلة الوازع الديني، وأسباب اخرى يشير إليها علماء الإجتماع، منها الإدمان على الخمور والمخدرات والتحول غير المدروس الى الثقافة الغربية بإتخاذها منهجاً للحياة وهو مايؤدي بالضرورة الى حالة من التفسخ الإخلاقي والنفسي الذي يمكن ان يكون سبباً لإختصار البعض حياتهم بالإقدام على الانتحار ..