بالرغم من أن القاضي الهتار ومعه زملائه في لجنة الحوار مع المتطرفين يبلون بلاءً حسناً إلى الآن في سبيل إنجاز مهمتهم الصعبة وأنه منذ نهاية عام 2002م لم تشهد البلاد أحداثاً إرهابية تستهدف الأجانب والمصالح الغربية والأمريكية في اليمن فأننا بحاجة إلى بعض الوقت لاختبار فعالية الحوار مع أولئك الشباب الذين تمت محاورتهم ونتأكد أن الحوار قد نجح في تحقيق أهدافه وخاصة فيما يتعلق بتخليهم عن نهج التطرف والقيام بالعمليات الإرهابية. وأهم اختبار لنجاح هدف الحوار هو أن نتأكد من أن الشباب الذين تمت محاورتهم داخل السجون ثم أطلق سراحهم لم يكونوا من بين الذين شاركوا في الإعداد والتخطيط للعمليات الإرهابية التي كانت تستهدف أجانب أو مصالح أجنبية وتم إحباطها مبكراً من قبل قوى الشرطة والأمن في السنوات الثلاث الأخيرة ولم يكونوا أيضاً من بين الذين قيل عنهم إنهم رحلوا إلى العراق باسم (الجهاد) ضد الصليبيين واليهود وضرب الشيعة!.. ولو حدث ذلك سيكون أمراً محبطاً بالنسبة للقاضي الهتار ولزملائه ولنا جميعاً. لكن علينا أن نشترك معاً في مقاومة خطر من نوع آخر نحن في الحقيقة نتعايش معه في الوقت الذي نحاول أن نظهر بمظهر الرافض له.. وهنا بعض الأمثلة ولنأخذ القاضي الهتار ومهتمين كمثال في مقابل قضاة ودعاة آخرين يقومون بمهمة من نوع آخر مضادة لطبيعة وأهداف مهمته. الهتار يحمل راية الحوار، وبالمقابل هناك آخرون لا يؤمنون بالحوار وعندهم أن قناعاتهم تجاه القضايا الدينية مسلمات وقوانين نهائية لا يجوز أن تكون محل نقاش أو موضوعاً لأي حوار.. هو يستند إلى القرآن والسنة عندما يحاور المتطرفين في السجون وبين يديه القرآن والسنة ومعظمهما حث على الاعتدال والعدل والتوسط والاستقامة والحق والسلام والخضوع للحاكم الذي اختارته الأمة والوفاء بالعهود والمحبة والبر والإخاء.. لكن في المقابل هناك كثر ينجحون في هدم ما يبنيه الهتار وأمثاله لمجرد أنهم يستندون إلى أقل مما ورد في القرآن وأضعف ما سجل في كتب السنة عن ارهبوهم.. وأعدوا لهم.. واقتلوهم.. وخذوهم.. وعدو الله وعدوكم.. وهم ينجحون في ذلك لأنهم لا يأخذون بأسباب النزول، ولا يتقيدون بأسباب الورود، ولا ما أجمع عليه علماء الأمة، ولا يفرقون بين الأمس واليوم، ولا يحترمون العلاقات الدولية. الهتار يحاول بالحوار إعلاء قيم التسامح والأخوة والاعتدال والنظر إلى الآخر نظرة منصفة.. وهو في هذا قد ينجح في غرس هذه القيم في نفوس وعقول من يحاورهم في السجون وهم قلة قليلة وبالمقابل هناك آلاف الدعاة والمعلمين والمحرضين والنشطاء السياسيين يعملون عبر المساجد والمدارس والمحاضرات للتأثير في ملايين الناس بأساليب التهييج والإثارة لدفعهم إلى التمرد على مجتمعاتهم، وإعلاء رايات القتل، والإرهاب، والعنف، ومهمتهم اليومية وسط المجتمع صناعة الإرهاب، والعداء للآخر. والقاضي الهتار يجلس مرة في الشهر مع قلة من المتطرفين يحدثهم أن المسيحيين واليهود ليسوا أعداء للمسلمين إلا عندما يعلنون الحرب عليهم، وأن الجهاد فريضة لصد العدوان، وأن إعلان الجهاد يتم من قبل (ولي الأمر) في الدولة، وأن اليهود والنصارى عندما يدخلون البلاد كسياح أو سفراء أو مستثمرين باتفاق مع الدولة أو بإذن منها يعتبرون مستأمنين لا يجوز الاعتداء عليهم، لكن هناك مئات يعملون على الضد مما يعمل له الهتار ويحاول تحقيق أهدافه ففي الوقت الذي يجهد نفسه لتعديل سلوك متطرف أو تصحيح مفاهيمه الخاطئة يقوم هؤلاء بجهد يسير يستطيعون من خلاله نشر الغش الثقافي ودفع آلاف الناس للتخلي عن فطرتهم وسلوكهم القويم لصالح أهداف التطرف.. إنهم يصنعون الإرهابيين بالجملة ويسمون الإرهابي مجاهداً.. وفي خطبة الجمعة الإسبوعية يطلبون من ملايين المصليين (التأمين) لدعائهم اللهم انصر المجاهدين في العراق والشيشان وفي كل مكان (!).. اللهم أهلك النصارى ومن ناصرهم واليهود ومن هاودهم.. هكذا لمجرد أن قتلة العراقيين مجاهدين، ولمجرد أن اليهود يهود، والنصارى نصارى.