اتساع الفجوة بين الطلب وما هو متاح يهدد التنمية المستدامة في بلادنا يونس الشميري: مشكلة شحة المياه في بلادنا في تفاقم مضطرد، وهذا ما ينذر بكارثة مائية مستقبلاً ما لم تُتَّخذ السبل الكفيلة لتلافي ذلك... الدراسات العلمية ما فتئت تشير إلى الأسباب المؤدية لتناقص منسوب المياه في الأحواض الموجودة في بلادنا ومنها الهدر في استخدام الماء والحفر العشوائي للآبار وما إلى ذلك، وتضع حلولاً ترى أنها ستعمل على تقليص ذلك الهدر الذي سيحرمنا وأجيالنا من نعمة الماء التي جعل الله منها كلّ شيء حيا. الدكتور محمد فارع الدبعي بروفيسور الموارد المائية بقسم علوم الأرض والبيئة في جامعة صنعاء أوضح أن هناك إمكانية متاحة لترشيد المياه في بلادنا، وذلك من خلال ما أسماها خارطة طريق لحل مشكلة المياه يمكن أن تُوَجَّه وتُنَظَّم وفقاً لعدد من الإجراءات منها، إعداد خطة وطنية تعززها إرادة سياسية وتشريعية وإجماع وطني بخطورة الوضع وأهمية معالجته، كذا رفع كفاءة محطات المعالجة لمياه المجاري في المحافظات بحيث تكون مخرجاتها صالحة للري بشكل آمن للعديد من المحاصيل الزراعية وتسهم في التقليل من استخدام المياه الجوفية، إلى جانب إيقاف كافة مشاريع المياه ذات الطابع الاستثماري في حوض صنعاء، ونقلها إلى أماكن أخرى خارجه، ويحبذ أن تكون في المناطق الساحلية حيث يمكن استخدام تكنولوجيا التحلية لذلك، مشيرا إلى أنه من غير المعقول أن نشكو من أزمة مياه في العاصمة صنعاء، ومشاريع المياه المختلفة فيها تغذي الجمهورية بكاملها من هذا الحوض، بل ودول الجوار أيضاً، هذا بالإضافة إلى العمل على أن تكون عبوة قنينة الماء المعبأة نصف لتر فقط، حفاظاً على كثير من الماء المهدور، فضلاً عن توطين تكنولوجيا تحلية المياه في المناطق الساحلية باعتبارها الحل الذي لا بديل عنه لمجابهة الحاجة المتزايدة لهذا المورد على الدوام، وإيجاد البدائل لمُزارعي القات وتشجيعهم على ذلك من خلال زراعة محاصيل أقل شراهة للمياه ومفيدة للاقتصاد الوطني وغير مضرة بالإنسان والبيئة وفق خطة مدروسة يتم تنفيذها تدريجياً وعلى مراحل من خلال وزارة الزراعة ابتداءً من حوض صنعاء. موضحاً هذه النقطة بقوله : لنأخذ تجربة الأردن الشقيق حيث دفعت الحكومة (120) دولاراً أمريكياً للمزارعين عن الهكتار الواحد للكف عن زراعة الخضار والمحاصيل السنوية في عام 1991م عملاً بأسلوب استيراد «مياه افتراضية» عبر شراء الأغذية والمنتجات من حيث هو الأكفأ. ومن خلال المفاوضات مع منتجي الحبوب يتم الاكتفاء الذاتي الغذائي مقابل تحقيق الأمن المائي. وإذا كان ذلك أسلوب الآخرين في التعامل مع المنتجات الغذائية الحيوية، ألا يجدر بنا وأليس من المعقول، أن نعمل بالمثل مع إنتاج شجرة القات؟ تقنيات حديثة ومن الإجراءات التي ذكرها الدكتور الدبعي، منع ري شجرة القات بالمياه الجوفية فالوضع على حد قوله لا يحتمل واقتصار زراعتها في المناطق التي تروى بمياه الأمطار فقط كما كان ذلك قديماً. وأضاف إلى تلك الإجراءات الحفاظ على المياه وترشيد استخدامها على مستوى الحقل من خلال إدخال التقنيات الحديثة، والعمل على تطبيق قانون المياه على الجميع للحد من عمليات الحفر العشوائي للآبار، وكذا العمل على إيجاد بنية لرصد مناسيب المياه في الأحواض وتحديد الكميات المسموح باستخراجها، إلى جانب بناء منشآت مساعدة لنظم تغذية الخزان الجوفي للأحواض وتنميتها من سدود وحواجز، وتهذيب الوديان وحمايتها والاستفادة من كميات مياه السيول التي تهدر وتفقد معظمها حالياً، وتشجيع الزارعة المطري وتطوير تقنيات تحسين استغلال مياه الأمطار، والتوسع في استخدام أسلوب حصاد مياه الأمطار على أكبر مساحة ممكنة لأنها تشكل رافداً لا يستهان به في تنمية موارد المياه وتخفف من استنزاف المياه الجوفية والسطحية، هذا إلى جانب إدخال طرق الري الحديثة وتحسين الري التقليدي كتقنيات وتكنولوجيا تنمي المورد وترفع كفاءة استخدامه، مشيراً إلى أن التجارب التي قامت بها وزارة الزراعة والري أثبتت أن إدخال طرق الري الحديثة تحقق كفاءة استخدام مابين 30 - 50 %. وقال في ورقته المعنونة (خارطة طريق لحل مشكلة المياه والقات في اليمن) والمقدمة في ندوة مركز الدراسات التاريخية واستراتيجيات المستقبل (منارات) الخميس الماضي: المشكلة في غاية الأهمية والخطورة بالنسبة لنا ولأجيالنا القادمة وعلى الجهات المسئولة إيجاد الحلول والمعالجات بدلاً من عقد المؤتمرات والندوات وورش العمل المغلقة التي تستهلك معونات وهبات المنظمات الدولية ويستفيد منها منظموها فقط وبدون مردود على الصعيد الوطني. إن ما يتم القيام به لحل مشكلة المياه والحد من التوسع في زراعة القات لا يلامس حل المشكلة ولا يعطي الاطمئنان لتنمية مستدامة تبشر بمستقبل واعد. إدارة الموارد المائية مضيفاً: لليمن تاريخ طويل في إدارة الموارد المائية والحفاظ عليها، وما بناء سد مأرب التاريخي قبل ثلاثة آلاف سنة، وصهاريج عدن التاريخية، وكذلك بناء السدود الصغيرة في المنحدرات الجبلية، إلا شاهد على ذلك، لقد اختفى الكثير من هذه السدود الصغيرة وأصبحت في ذمة التاريخ، وما تبقى منها لا يعمل، لقد عملت هذه السدود على حفظ الماء من أجل الري الزراعي والشرب والاستخدامات المنزلية المختلفة، وساعدت في تغذية الخزان الجوفي. مستطرداً مع بداية السبعينات من القرن الماضي بدأ التخطيط التنموي للموارد المائية في اليمن، وذلك عبر دراسات موجهة بصورة رئيسية نحو تنمية موارد المياه السطحية والجوفية في دلتا الوديان الساحلية والمرتفعات والسهول الداخلية المحاذية للصحراء، ومع بدء استنزاف المياه الجوفية في بداية التسعينات وزيادة عدد السكان الغير مسبوق، بدأ العمل بإعداد دراسات التخطيط الاستراتيجي لإدارة الموارد المائية وتنميتها وربطها بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية، لقد كان ذلك طبيعياً وملحاً، فلقد وصل النقص في إمدادات المياه في بعض المناطق والقطاعات الهامة مرحلة الحرج، كما تزايدت الخلافات بين المستخدمين نتيجة تنافسهم على الكميات المتضائلة من المياه، حتى بلغت هذه الخلافات حد انقسام بعض المجتمعات المحلية على نفسها بسبب حقوق المياه، وفي الوقت نفسه تتعرض إمدادات المياه للمناطق الحضرية لقيود جادة ناجمة عن الضخ المفرط من الخزانات الجوفية لأغراض الري، كما أن استمرار التسابق بين المزارعين لضخ آخر قطرة مياه جوفية في أحواض صنعاء، وعمران، وصعدة، وتعز، يجعل تكلفة الماء تتزايد باستمرار ويعرض هذه المدن الرئيسية وتحديداً العاصمة صنعاء لمستقبل بائس، وما لم تتمكن الدولة من السيطرة على مواردها المائية من خلال خطوات جادة وحقيقية وعاجلة فإن إمكانية نموها الاقتصادي والاجتماعي و....الخ، سوف تكون مجهولة العواقب. إن اتساع الفجوة بين الطلب على المياه وبين ما هو متاح منها يشكل تهديداً للتنمية الاقتصادية و الاجتماعية المستدامة في اليمن، فاليمن تواجه تحديات بيئية خطرة، وأصبحت ندرة المياه والتلوث مشكلة خطيرة. تزايد الحاجة للماء وأوضح أن الاستخدامات المائية تنامت سنوياً من 2.2 مليار متر مكعب عام 1990 إلى حوالي 3.4 مليار متر مكعب عام 2000م ، ويتوقع أن يصل إلى 4.6 مليار متر مكعب عام 2025 وهو ما يفاقم العجز المائي. وقال: إن التحديات التي يواجهها قطاع المياه في اليمن كبيرة، وعملية المعالجة لها ليست هينة، وتتطلب توفر الإرادة والكثير من الجهد والتمويل اللازم لإصلاحه، وجميع المعالجات الآنية وغير الاستراتيجية لن تقود إلى نتيجة مرضية، وربما تقود إلى إهدار الوقت والجهد معاً.