كل ينشد التغيير والكل يتخذ منه عنواناً لأي حراك سواء أكان سياسياً أم اجتماعياً أم اقتصادياً أم فكرياً ومع ذلك تأتي مخرجات كل حراك حدث مثبتة للأمر الواقع، ولا تختلف في معطياتها إلا من حروف الشعارات التي كُتبت بها عند هذه الفعالية أو تلك المظاهرة... لذلك لا غرابة إن وجدنا كيانات ومنظمات ونقابات جماهيرية ومدنية تسير بلا وعي ما بين طريق اعتمدته بشعاراتها وطريق لا يقترب مع أهدافها وتوجهاتها وما بين الطريقين تقف مؤشرات وجودها متساوية مع مؤشرات الغياب، ليتفق الجميع على آلية الاختفاء القسري من الساحة مسايرة للاختفاء الغير معلن لمؤسسات البلاد عن المجتمع كعنوان وحيد للتعايش مع دورة الجمود التي طالت سنونها.. ما الذي يدفع النخب السياسية والاجتماعية والفكرية للخضوع والتطويع السلس لمعطيات الجمود؟ الحقيقة تقول إن المجتمعات تجني حصاد حراكها وأنشطتها وفعالياتها على كافة مستويات شرائحها، ونادراً ما نجد مجتمعاً ما قد استسلمت إرادته وتقلصت مطامحه وتطلعاته صوب التغيير والارتقاء بما عليه الحال وما وصلت إليه من عطاءات سياسية واقتصادية واجتماعية وفكرية، لأن ذلك يناقض سنة من سنن الكون وهو التغيير والتحديث والتجديد، ولكن يبقى هذا الاستثناء له وجود في بعض المجتمعات حينما تواجه بعض العوامل الصانعة لجمود حاضرها والتي تقف خلفها فئات النخبة الحاكمة وبعض مراكز القوى، الساعية لإبقاء دورة معطيات اللحظة الحاكمة كلحظة دائمة وأبدية، وقمع كل بادرة شعبية أو نخبوية لتغيير الواقع أو التشكيك في نظرة الحاكم المرتكزة على الخوف من التغيير وما سيلحقه ذلك من ضرورات التغيير في مفردات الواقع بكامله، حتى هذا الاستثناء لا يمثل سوى فترة مرضية تمر بها المجتمعات تسقط مع سقوط العوامل السلطوية وتشطب من تاريخها الحضاري، فالتغيير والتطلع إلى مستقبل أفضل هو الأساس والقاعدة الأولى لتطوير الحياة، فالتاريخ لا يتوقف فلا الماضي يطول ليمنع الحاضر من البزوغ ولا المستقبل موصودة أبوابه أمام الساعي إليه.. وإذا ما نظرنا للحالة الاستثنائية التي تعيشها بلادنا في شتى الأصعدة لوجدنا بأن معظم مؤشرات الغياب والجمود هي الدامغة على مجريات أنشطة الحياة اليومية لليمنيين وصلت حد تغييب آفاق المستقبل داخل معطيات الحاضر المختزنة عقليات متخمة بقاموس الحياة الماضوية والاعتماد عليها كمكابح لكل خطوة تعبر عن رفضها لمعطيات الحاضر الجامدة والسير صوب الدروب التي تقود لآفاق المستقبل، وهو ما أوقف حتى الآن الدولة والمجتمع والمنظمات الجماهيرية الانتقال من الحالة المشوشة والحضور المغيب والاكتفاء بمغازلة التغيير بالشعارات والكلمات والعجز الكامل بالانتقال به إلى حقيقة الإنجاز وجدية الفعل.. إن الانشداد إلى ثقافة الاستسلام للأمر الواقع أصبحت هي المنبع الذي يستمد منها الجميع (دولة مجتمع منظمات أفراد) وهنا لا تعويل على إحداث تراخٍ في حبال هذه الثقافة طالما والوعي الشعبي قد غرق بمفرداتها، ويقود هذا الضياع الوجود الشكلي للمؤسسات الوسيطة والتي تحمل على عاتقها مسئولية التنوير والتحديث والتغيير وتبني النضال ضد المفردات الظالمة والحاجبة لحق الشعب في التغيير والتطور والارتقاء وهي ما تسمى اليوم بمنظمات المجتمع المدني من كيانات حزبية سياسية أو حقوقية أو ثقافية، يقع على عاتقها إرساء ثقافة الرفض والاستسلام والخضوع لمعطيات الجمود التي يعيشها الشعب، لا أن تكون هي الأخرى مفتقرة لذلك وتسير بغير وعي نحو ماضٍ تحلم بأن تعود إليه أو تقاد نحو مسالخ مراكز قوى ونخب حاكمة ومصالح ذاتية يتم تفريغ محتواها وجوهر وجودها وتبقيها هياكل تنعق بداخلها أصوات الغربان..