لا أحد يدري كيف ومتى أصبحت المركزية المتسلحة بالبيروقراطية من الثوابت المقدسة حتى لدى الأدباء وبعض المثقفين، والأرجح أن هذه الآلية السلطوية في إدارة البلاد لا تزال تستمد مشروعيتها منذ زمن الاحتلال التركي للمناطق الشمالية من اليمن، مروراً بنظام الحكم الملكي الإمامي قبل ثورة 26 سبتمبر. إن من يتخوفون من إعطاء الناس الحق في إدارة شؤونهم إنما يحاولون الإبقاء على الهيمنة بأيديهم لحماية مصالحهم ونزواتهم في التسلط والتحكم بالشؤون الصغيرة والكبيرة على حد سواء. أحمد السلامي وبعيداً عن تقديم الحجج والبراهين الدالة على خطورة الاستمرار في إدارة البلد بهذه العقلية، فإن القلة القليلة من المستفيدين من نظام الحكم المركزي المهلهل لم يجدوا وسيلة مقنعة للدفاع عن الآلية الراهنة التي تدار بها دولة الوحدة، لكنهم يلجأون إلى التخوين واتهام من يطرحون البدائل الأخرى بالسعي لتمزيق الوحدة، بدلاً من مناقشة خيار الفيدرالية كحل مطروح لضمان استقرار البلد والحفاظ على الوحدة. الأدباء ومفهوم الوحدة الغريب أن الدفاع عن القبضة الحديدية للنظام المركزي لم يعد شأنا سياسياً يخص رجالات الدولة، بل إن ارتباط مفهوم الوحدة بالمركزية لا يزال يتلبس وعي النخبة المثقفة أيضاً. فها هو الكيان الذي يجمع النخبة ممثلاً باتحاد الأدباء والكتاب لا يزال يواجه منذ سنوات إشكاليات إدارية ومالية وتنظيمية تعيق تفعيل دوره الحقيقي، وتلك الإشكاليات ليست سوى نتيجة طبيعية لتشبث قيادات الاتحاد بالذهنية القديمة في إدارة النقابات، ولا يزال الاتحاد (كمؤسسة) يمثل في نظرهم المعادل الثقافي للوحدة، باعتبار أنه نشأ موحداً، وممثلاً لكافة أدباء اليمن منذ تأسيسه قبل الوحدة بعشرين عاماً. معنى ذلك أن قيادات الاتحاد تهتم أكثر باستمرار تمثيل اتحاد الأدباء لهذا المغزى السياسي على حساب تعطيل صلاحيات فروع الاتحاد وتعليق أنشطتها بسبب عجز الأمانة العامة في المركز عن الترتيب لعقد المؤتمرات الفرعية والمؤتمر العام للاتحاد. لقد كان الزميل الكاتب محمد أحمد عثمان سباقاً في طرح رؤية مبكرة لإنقاذ الاتحاد من حالة الجمود التي يعيشها، ويتلخص رأي عثمان في منح فروع الاتحاد القائمة في المحافظات استقلالية تامة، بحيث ينشأ في كل محافظة اتحاد للأدباء لا ينتظر أن تأتيه ميزانيته السنوية بالتقسيط من صنعاء. ومع تأخر انعقاد المؤتمر العام للاتحاد واعتراف رئيسه وأمينه العام بدخوله في أزمة، يصبح تنفيذ مقترح عثمان أكثر إلحاحاً. وللوقوف على آخر مستجدات أزمة اتحاد الأدباء نطالع البلاغ التالي. البار وإبلان يعترفان بالأزمة أعلن اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين وصول الترتيبات لانعقاد مؤتمره العام العاشر إلى ما وصفه بحالة العجز، مطالبا بالإسراع بوضع حلول لإخراج الاتحاد من أزمته. وأوضح بلاغ (صدر الأسبوع الماضي) وجهه رئيس الاتحاد الدكتور عبد الله البار، وأمينه العام هدى ابلان، إلى أعضاء الأمانة العامة والمجلس التنفيذي للاتحاد وفروع الاتحاد، بعض تبعات عدم انعقاد مؤتمره العاشر، المتمثلة في: العجز عن القيام بالواجب الاجتماعي تجاه الأدباء والكتاب اليمنيين، العجز عن الإسهام في النشاط الثقافي والأدبي، العجز عن المشاركة في الفعاليات العربية على مستوى الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب أو سواه من اتحادات قُطرية... و حسب البلاغ فإن تلك التبعات وأخرى سواها "أظهرت الاتحاد بوضعه الحالي على هامش تاريخه المجيد". واستعرض البلاغ ما شهده الاتحاد من ترتيبات وما أحاط بهذه الترتيبات من عراقيل وملابسات منذ أغسطس 2008. وأوضح: "تم الاتفاق في اجتماع المجلس التنفيذي في أغسطس 2008 على التمديد للمجلس وأمانته العامة حتى ديسمبر 2008، وتكليف الأمانة العامة بالبدء في الإعداد لإعلان اللجنة التحضيرية للمؤتمر وتجهيز الموازنة التقديرية له ومتابعتها مع الجهات الحكومية من أجل استخراجها في الوقت المناسب". ولفت إلى ما بذلت من جهود للوصول إلى المؤتمر العام العاشر في تلاحم وتعاضد ومسؤولية، "فبذلت جهودا للإقناع ومحاولة تجاوز ما حدث وبدت الأمور تعود إلى بعض ما كانت عليه، وإن كان في الظاهر المرئي". ولفت إلى إقرار اجتماع الأمانة العامة في عدن مقترح تشكيل "لجنة تحضيرية للمؤتمر العام العاشر لعرضه على المجلس التنفيذي في اجتماع اقترح مارس 2009 موعدا له وفيه تم إعلان اللجنة التحضيرية بعد مناقشات ومداولات اتخذت سبلا شتى وعرضت فيه مقترحات متنوعة لهذه اللجنة عددا وأسماء وما إلى ذلك"، مشيرا إلى محاولات لعرقلة عمل اللجنة من بعض أعضاء الأمانة العامة ممن لم يرقهم خروجهم من عضوية اللجنة التحضيرية حد نص البلاغ. "بدأت أمارات عرقلة لعمل اللجنة التحضيرية في امتناع الأمانة العامة عن قبول مقترح تقدمت به اللجنة التحضيرية باقتراض مبلغ مليون ريال من حساب الأمانة العامة للاتحاد يُردُّ عند استخراج موازنة المؤتمر العام لحساب الأمانة". وأوضح: "كان الرفض متضمنا عدم اعتراف باللجنة التحضيرية من جهة، وإصرار على وضع العراقيل في طريقها ليتسنى من بعد تعديل ما يمكن تعديله من قوامها وأعضائها وما إلى ذلك من جهة أخرى". وبحسب البلاغ فقد اتخذ المجلس التنفيذي في ابريل الماضي قرارين نصا على إضافة ستة من أعضاء الأمانة إلى اللجنة التحضيرية ليصبح قوامها تسعة عشر عضوا بدلا من ثلاثة عشر عضوا، وثاني قراراته منح اللجنة التحضيرية مهلة أربعة أشهر فقط، تبدأ من مايو وتنتهي في أغسطس 2008". وأشار البلاغ إلى أن بعض أعضاء اللجنة طالبوا بإعادة توزيع المهام وانتخاب العناصر لرئاسة هذه المهام وعضويتها من جديد. ليبعث رئيس الاتحاد، الدكتور عبد الله البار، بخطاب إلى كل من الأمين العام ونائب رئيس اللجنة التحضيرية الأستاذ أحمد قاسم دماج، والدكتور سلطان الصريمي أقدم الأعضاء، أعلن فيه تنازله عن رئاسة اللجنة التحضيرية وعضويته في اللجنة التحضيرية. وجاء ذلك -كما يقول البار- "لرغبة عميقة في نفسي في ألاَّ أكون سبباً حقيقياً أو زائفاً في أي تعطيل لعمل الاتحاد عامة وللجنة التحضيرية للمؤتمر العام العاشر". واختتم بلاغ الاتحاد متسائلا: "اليوم، وقد مضى على هذا التنازل ما يزيد على الشهرين، ودنا موعد المهلة المعطاة من المجلس التنفيذي للجنة التحضيرية من الانقضاء، وليس من خبر عن إجراء تنفيذي فاعل في مسألة استخراج موازنة المؤتمر العام العاشر، بل لا يزال التسويف وعدم المتابعة الحثيثة والتضارب في الأقوال حول عملية استخراجها. نرى من اللازم عرض الموضوع عليكم لتصويب الخطأ وتقويم الاعوجاج والإسراع بوضع حلول لإخراج الاتحاد من أزمته التي ترتب عليها جملة من التبعات أظهرت الاتحاد بوضعه الحالي على هامش تاريخه المجيد الذي تعرفون؛ فهل من سبيل للخروج من هذا الحال؟!".