هناك أسباب كثيرة ساهمت في وصول بلادنا إلى هذا المستوى من التخلف المخزي.. لكننا نعتقد أن السبب الجوهري الذي ساهم في صناعة هذا التخلف يكمن في الاستيعاب المشوّه لمفهوم السلطة عند غالبية حكامنا، وعلى ما يبدو أن حكامنا قد استوعبوا السلطة بمفهوم آخر وهو مفهوم التسلط على موارد البلاد ورقاب العباد..كما لو أن مجتمعنا وموارده الاقتصادية تدخل ضمن الأملاك الخاصة لهؤلاء المسئولين الفاسدين!! فهذه العقلية التي اختزلت الوطن بشخوص معينة تجمعهم العصبوية الأسرية والقبلية والطائفية والمناطقية مضافاً إليهم طابور طويل من المنافقين وأنصاف المتعلمين الذين يعملون في جهاز الدولة كما لو أنهم موظفون في شركة خاصة وليس في جهاز حكومي وجد أصلاً لخدمة المجتمع وتطويره.. هذه العقلية العصبوية وبهذا المستوى من الوعي السياسي المشوّه يستحيل أن تصنع لشعبها رخاءً اقتصادياً, ويستحيل أيضاً أن تبني وطناً حراً ومستقلاً, ونحب أن نشير هنا إلى أن هناك قيادات وطنية نزيهة تتصف بكفاءةٍ علميةٍ وهي موجودة في جهاز الدولة لكن هذه القيادات_للأسف_ مازالت بعيدة عن موقع صناعة القرارات التنفيذية التي تخدم مصالح الشعب وتقدمه نحو الأفضل!! وبما أن بلادنا قادمة على إصلاحات جذرية شاملة في بنية النظام السياسي في الفترة القريبة القادمة والتي يحتل فيها الإصلاح الوحدوي الأولوية، ونعتقد أن الفرصة اليوم مواتية لحكامنا لأن يكون لهم دورٌ في تفعيل مسارات الإصلاحات القادمة، ولكن بشرط أن يقوموا أولاً بإصلاح عقليتهم السياسية التي أوصلتنا نحن –الشعب- إلى هذا الوضع المزري الذي لا نُحسد عليه جميعاً.. ونعتقد أن إصلاح عقليتهم السياسية سيمنحهم فرصة كبيرة لإصلاح ما وقعوا فيه من أخطاء تجاه الشعب نتيجة للسياسات الخاطئة التي مارسوها خلال الفترة الماضية، وكما يقال (الوقوع في الخطأ ليس عيباً وإنما العيب الاستمرار في الخطأ) ونتمنى لحكامنا أن يتجاوزوا هذا العيب. فنجاح الإصلاحات القادمة مرهون بإصلاح العقلية السياسية التي ما زالت تفكر بعقلية الدولة (الرعوية)، ويجب أن تشمل هذه الإصلاحات النواحي التالية: أولاً: مغادرة مربعات التفكير السياسي العصبوي القبلي الطائفي المناطقي الذي ينطلق من ثلاثية حاشد وبكيل، وزيدي وشافعي، وشمالي وجنوبي ويتم استبدالها بثلاثية عصرية وهي تفعيل العمل المؤسسي لأجهزة الدولة بدلاً عن الاجتهادات الفردية، وسيادة النظام والقانون على الجميع دون استثناء، وتحقيق المواطنة العادلة التي يشوبها كثير من الظلم. ثانياً: إعادة الشراكة الحقيقية بين الشمال والجنوب التي دمرتها حرب صيف 94م الظالمة. ثالثاً: احترام الحريات والتعامل مع الصحافة كسلطة رابعة ومراعاة حقوق الإنسان. رابعاً: تغيير نظرة الحاكم تجاه الشعب وجعل الحاكم في خدمة الشعب وليس الشعب في خدمة الحاكم. خامساً: قبول حكامنا بمبدأ المساءلة والمحاسبة خاصة منهم لصوص المال العام. هذه الإصلاحات المطلوبة في العقلية السياسية أصبحت اليوم ضرورة موضوعية بل وحتمية خاصة بعد ظهور اختلالات كبيرة وخطيرة في البُنى السياسية والاقتصادية والسياسية والأخطر من هذا الأخطار التي تهدد المشروع الوحدي الذي أصبح اليوم في مربع الفشل والحل هو في أن نفكر جميعاً في البحث عن شكل آخر للوحدة ونعتقد بل ونجزم أن الوحدة الفدرالية بين إقليمين أو ولايتين "الشمال والجنوب" هو المنقذ للمشروع الوحدوي الذي أُصيب بالفشل إذا كنا فعلاً نريد نجاح الإصلاحات الشاملة التي يتطلبها الوطن لإخراجه من هذه الدوامة، أما إذا استمرت الأمور على ما هي عليه حالياً فإن الخطبة ستظل هي الخطبة والجمعة هي الجمعة. ويا مخارج خارجنا..