ما فتئت السياسة اليمنية تسير على ضفتي التهوين والتهويل في مواجهة قضايا البلاد والمشاكل العالقة فيها والتي وجدت المنظومة السياسية مخرجاً لها مقابل عقمها السياسي والشعبي ورفضها حتى طرق أبواب التحدي والمواجهة والخوض في معترك التغيير الحقيقي... تأتي القضية الجنوبية المتصاعدة أحداثها منذ فترة في المحافظات الجنوبية كنموذج للسياسة اليمنية ففي وقت يشهد الواقع تفاعلاً جماهيرياً وسياسياً وشعبياً مع الاحتجاجات والاعتصامات والإضرابات التي تعيشها العديد من المدن والمحافظات الجنوبية وتصاعد فعاليات الحراك الجنوبي الذي يقف خلف معظم فعاليات الاحتجاجات وتجذرها على الواقع منذ أن بدأت كتجمعات تطالب السلطة في استرداد بعض الحقوق إلى أن وصلت مطالبها إلى التغيير وعدم التعامل مع النظام ورفع شعارات الانفصال.. والمتابع لهذه الأحداث سيجد ردود فعل السلطة والمنظومة السياسية الحاكمة تجاه تلك الاحتجاجات التسليم الكامل لسياسة التهوين والتهويل، فلم تعترف السلطة ولا الحزب الحاكم بحجم وخطورة الأبعاد التي تقف خلف هذه الاحتجاجات بقدر ما سعت إلى مواجهتها بالعنف والقمع كونها أتت من باب الخروج على القانون من قبل مجموعة أفراد مشاغبين يقودهم أشخاص خرجوا من بوابة السلطة ويريدون أن يستعيدوا مصالحهم التي فقدوها وعمدت السلطة الحاكمة إلى إلقاء التهم جزافاً وبطريقة غير مدروسة عندما نسبت إليهم تهم تهديد الوحدة الوطنية ووضعتهم في نفق الانفصال ولم تلتفت قط إلى جذور المشكلة والأزمة التي جعلت من هؤلاء المواطنين يخرجوا بشكل يومي في مواجهات مع أجهزة السلطة على الرغم من سقوط العديد منهم ضحايا وجرحى ومعتقلين، والحادث أن مظاهر الاحتجاجات توسعت وأفرطت في سقف مطالبها وتعقدت حلولها وباتت هاوية لإسقاط الجميع في أجندات الكراهية بين أبناء الوطن.. وهي حصيلة لخطوط السياسة التهوينية (أفراد عصابات مصالح) والتهويلية (انفصاليون خارجون عن القانون تهديداً للوحدة الوطنية) فلا وقفت الحكومة أمام حقيقة المطالب ولا أوجدت حلولاً واقعية للاحتجاجات ولا تفاعلت مع الأبعاد الخطيرة لهذه الظاهرة، بل ساهمت في تعميق فجوات الهوة بين المواطنين في المحافظات الجنوبية وعمدت معادلات التمييز والمنتصر والمهزوم.