إحدى ظواهر الفساد الإداري للدولة إدارات عدة في المؤسسات والوزارات الحكومية المختلفة وجدت كمسميات في إطار الهيكل الإداري وغرف يعاني من هم فيها آلام العزلة، ويفتقدون للعمل اللازم الذي يتواءم ومسمى الإدارات التي ينتمون لها.. فما هي الإدارات التي تعاني التهميش في هذه المؤسسات، وما الأسباب التي تؤدي إلى هذا التهميش؟ ونتائج ذلك؟ هذه الأسئلة ما ستجيب عنها "رأي" من خلال التحقيق التالي، فإلى الحصيلة: باستقراء واقع وحقيقة الإدارات التي تمثل الهيكل الإداري لمؤسسة رسمية أو وزارة نخلص إلى نتيجة مفادها أن الإدارات الفعالة والتي تحظى بحضور فعلي محدودة جداً؛ إذ تحتل الإدارات المالية المرتبة الأولى في قوة الحضور والاهتمام بل والتأثير على قرارات الإدارة العليا للمؤسسة والوزارة وليس العكس، في حين أغلب الإدارات الفعلية حقاً وذات الصلة بالنشاط الرئيسي للمؤسسة أو الوزارة تعاني التهميش من حيث افتقارها لصلاحية ممارسة الأنشطة الطبيعية واللازمة لها، وعدم إعطائها الموازنات المعقولة أو التي تمثل قسطها في إطار الموازنة الاجمالية المحددة للمؤسسة أو الوزارة واستثناء منتسبيها من الحوافز أو النثريات والدورات التي يحظى بها عدد من زملائهم في المؤسسة ذاتها. خريطة التهميش ومن الإدارات التي تعاني التهميش في المؤسسات والوزارات الحكومية: إدارة الإحصاء والمعلومات: ففي كل المؤسسات الحكومية يتخوف المعاملون من ترك معاملاتهم لديها؛ لأنها معرضة للضياع لا محالة ويحتاطون عند اضطرارهم لتركها بالحفاظ على صورة منها، وتفتقر معظم هذه الإدرارات للكادر المختص للعمل فيها. وللإمكانيات اللازمة لعملها لاسيما نظام الأرشفة الإلكترونية، وآليات وبرامج وأجهزة، ونظم التصنيف لكل أنشطة المؤسسة وما قامت به وما يحدث ويستجد في كل قسم وإدارة وغيرها من المعلومات. إدارات التدريب والتأهيل: ليس لها ذاك الوجود والذي يفترض به في معظم المؤسسات والوزارات الرسمية وغالباً ما يتم اعتبارها جزءاً من مهمة واختصاص إدارة شؤون الموظفين، وتعتبر لدى مؤسسات أخرى من مهام الإدارة العليا أو مدير المكتب للوزير أو رئيس مجلس الإدارة والتدريب لا يخضع لمعايير الارتقاء بالانتاجية أو الخدمة ولا تدريب الموظفين ذوي الصلة المباشرة بممارسة نشاط المؤسسة وتحمل أعباءها أو تقديم خدماتها القوية برئيس المؤسسة أو مدير شؤون الموظفين. إدارات العلاقات العامة والإعلان: فهذه الإدارات في معظم المؤسسات والوزارات الحكومية، لا تعدو مهامها عن أرشفة أخبار المؤسسة المنشورة في الصحف، أو الاهتمام بمتطلبات عادية أو شخصية للإدارات العليا وأحياناً استقبال وتوديع الوزير وضيوفه أو الزائرين والقيام بمعاملاته لجوازات السفر أو معاملات شخصية، وهي ممارسات لاتقترب كثيراً من الأنشطة الأساسية والرئيسة للعلاقات العامة المتمثلة في إجراء البحوث والدراسات العلمية ذات الصلة بالمؤسسة وخدماتها أو منتجاتها وجمهورها الداخلي أو الخارجي، وأزماتها، وحلول مشاكلها، كما أن غالبية العاملين في هذه الإدارات غير مختصين وليسوا من خريجي العلاقات العامة، بل رعايا تم توظيفهم وفق قرابات أو وساطات واكتفوا بحصولهم على وظيفة ولم يهمهم ما النشاط الذي يمارسونه، لأن فاقد الشيء لا يعطيه. إدارة الرقابة والتفتيش: فكثير من المعاملات المالية تتم بعيداً عن إدارة الرقابة والتفتيش كذا الإجراءات الإدارية ذات الصلة بالرقابة والتفتيش تمر بعيداً عن هذه الإدارة، وينظر إلى هذه الإدارة على أنها عقبة كؤود ومعيق لأي إجراءات أو معاملات. إدارة المتابعة والتنفيذ: فالمشاريع المختلفة صحية أو تعليمية أو إنشائية تعاني التعثر، وبعضها توضع حجر أساسه لعقود من الزمن من دون أي تنفيذ للمشاريع التي تم إقرارها وتحديد موازناتها؛ وذلك راجع لغياب دور هذه الإدارة ويتم التنفيذ في الغالب وفق رغبة المدير والشؤون المالية وحسب المزاج لديهم، أما موظفو المتابعة والتنفيذ فلا قيمة لهم ولا حول ولا قوة. الإدارة القانونية: معظم هذه الادارات لا تملك صلاحيات إيقاف إجراءات وقرارات وصرفيات قيادة المؤسسة، وإن كانت مخالفة للقانون100% فهذه الإدارات عبارة عن غرف مغلقة ويفتقر كادرها للعمل بحيادية وبأجواء مهنية، بل البحث عن مخارج ومنافذ قانونية تبرر التصرفات الخاطئة لإدارة المؤسسة والمخالفة للقانون. في الوقت ذاته توجد إدارات غير ما أسلفنا ذكرها وفقاً لخصوصية هذه المؤسسة أو تلك توجد بها إدارات مختلفة في مسمياتها عن المؤسسات الأخرى وفق النشاط الذي تزاوله، بل إن هذه الإدارات تعد بمثابة الدينمو المحرك للمؤسسة أو الإدارة، ومسماها يمثل ركيزة عمل هذه المؤسسة، لكنها تعاني التهميش وتغييب دورها وصلاحياتها بل وإمكانياتها في إطار الموازنة المحددة للمؤسسة، كإدارات فاعلة في مؤسسات حكومية وتعاني التهميش وهي ركيزة الأداء للمؤسسة. أسباب الإعاقة والتهميش أما الأسباب التي تقف وراء تهميش الإدارات الفاعلة في المؤسسات الحكومية فعديدة، أبرزها: الخلافات الشخصية بين مدير الإدارة ورئيس المؤسسة أو الوزير تنعكس هذه الخلافات على الصالح العام والإضرار بالبلاد واقتصادها وبموظفي هذه المؤسسة، ومثال ذلك: إدارة الغابات ومكافحة التصحر التابعة لوزارة الزراعة والتي همشت منذ عام2000م حتى اليوم، وهمشت من مشروع مستقل بموازنته وإمكانياته إلى إدارة بلا نشاط أو إمكانيات بعد أن صودرت إمكانياتها وأسطول سياراتها الذي كان مألفاً من40سيارة مختلفة لمزاولة أنشطة الرش والتشجير، تحولت إلى أملاك خاصة لأشخاص ساعد على ذلك فتح مجال الجمركة لهذه السيارات ولم تعد ملكاً للوزارة أو الإدارة التي ملَّ عدد من موظفيها مكوثهم دون عمل، فتركوها باحثين عن فرص أخرى تسمح لهم بالعمل والنشاط، وكل ذلك حسب معنيين بسبب خلاف شخصي بين مدير الإدارة السابق والوزير ونماذج ذلك عدة لا يتسع المقام لسردها. القصور المعلوماتي والمعرفي لدى واضعي الهياكل الإدارية للمؤسسات والوزارات المختلفة عن هذه الإدارة أو تلك وأنشطتها وأهدافها، وأهميتها، والاعتماد على المزاجية والقرابة والوساطة في التعامل مع الإدارات. الوساطة: فالسائد في تعاملات المؤسسات والوزارات الحكومية أن يتم دعم الإدارات وفق الشخص القائم عليها ومكانته الاجتماعية وصلته بهذا الوزير أو ذاك أو بتبادل المصالح وبذا تضيع الإدارات الفعلية وجهودها والأهداف المتوفاه منها في خدمة الوطن، وتتحول المؤسسة بكل إداراتها إلى شبكة تبادل المصالح الشخصية واستهلاك الرواتب والميزانيات أما الصالح العام والتنمية الوطنية فلا مكان لها وتأتي في ذيل التعاملات والاهتمامات الخلط بين المهام: وتشتيتها بين هذه المؤسسة وتلك أو في إطار المؤسسة الواحدة وما يترتب على ذلك من إضاعة موازنات طائلة وتهميش للإدارة الفعلية فمثلاً التشجير في الشوارع والمدن والمشفي والمعسكرات و... كانت من مهام إدارة الغابات التابعة لوزارة الزراعة وفق التخصص ولكن النشاط منذ سنوات عدة تحول فجأة كجزء من مهام أمانة العاصمة، رغم افتقادها للتخصصية، وأن عملت على تغطية ذلك فمن سيتولى التشجير ومكافحة التصحر في باقي محافظات الجمهورية. غياب التخصصية: فالتخصص أمر هام جداً وإذا تنعكس على التعيبنات في المستويات الدنيا وعلى سلوكيات وأداء المؤسسة، فعندما يتولى مهندس زراعي مثلاً وزيراً للكهرباء فإنه سيعين لا محالة عدداً ممن يراهم مقربين أو مفروضين عليه من أمثاله من التخصصات أو غيرها وبذا أضاع المهندس الكهربائي، كما أن تفكير شخص الوزير سيكون ضئيلاً ولا يلامس احتياجات وضرورات هذا المجال، لقلة الخلفية المعرفية والمعلوماتية لديه بهذا المجال. الواقع والحلول وفي سياق الإدارات المهمشة والأداء الإداري وأسباب تهميش الإدارات الفاعلة والهامة في الهيكل الإداري ولنتائج السلبية الناجمة عن ذلك تحدث أ.د وهيبة فارع عميد المعهد الوطني للعلوم الإدارية بالقول: "إن الواقع المؤلم والمتردي اقتصادياً أو اجتماعيا أو فكرياً الذي نعيشه اليوم في اليمن تحديد والوطن العربي بنسب متفاوتة، ليس سوى نتيجة طبيعية للأداء الإداري في المؤسسات المختلفة موضحة بأن لكل مؤسسة هيكل إداري نظري يحدد مكان كل إدارة وقسم في هذا الهيكل ومهامها ومتطلباتها والأهداف المتوخاة منها، وطبيعة موماصفات الكادر العامل في كل إدارة، غير أن ما هو حاصل في الواقع خلاف ذلك وعدم تطبيقه أو التزام هذا الهيكل، وأن وجدت غرف ولوحات تحمل مسميات هذه الإدارات، فإن التهميش الإداري أو الفساد الإداري بالأصح يبدأ أحياناً من الشخص الأول في المؤسسة، وتؤوم مؤهلة مع المؤسسة التي يديرها، وقدراته الإدارية وعدالته وموضوعيته فالشخص الأول في المؤسسة ذو باع كبير في تحقيق الإصلاحات الإدارية والاقتصادية يلي ذلك قدرات الموظفين المنتمون لهذه المؤسسة ومستويات تأهيلهم، وإخلاصهم لعملهم والتزامهم بالعمل وفق النظام والمسؤوليات المحددة لهم لاسيما مدراء الإدارات ورؤساء الأقسام. ويؤطر العمل المؤسسي بتشريعات قانونية دقيقة وهامة يخضع لها الجميع كل في حدود مسؤولياته ومهامه، وأن تعنى بالمساءلة في إطار الخطط والأهداف المحددة والمرسوم لكل إدارة والالتزام بذلك من عدمه، وتراعي محاربة الرشوة والوساطات، وكل الظواهر التي تعيق أداء هذه المؤسسة أو تلك وتتسبب في إهدار الإمكانيات الاقتصادية للبلاد دون جدوى. مشيرة إلى أن تأخر التنمية الوطنية في المجالات المختلفة ليست الإمكانيات المحدودة والمتواضعة. فقط بل سوء الأداء الإداري الذي تسبب في الفساد الاقتصادي المتمثل في ضياع أغلب الإمكانيات الاقتصادية المحددة لهذه المؤسسة أو تلك لتنفيذ مشاريع لتوسيع نشاطها أو الارتقاء بخدماتها لتصرف في غير بنودها ولمصالح ضيقة. مؤكدة على أن نية الإصلاح الإداري تبدأ من الهيئة الإدارية العليا في المؤسسة والتزامها بالنظام وتطبيقه على منتسبيها وتوفر الإرادة الإدارية لخدمة الوطن عندها ستقلص الفساد المالي بل يتلاشى لأن العشوائية والبعد عن النظام في الأداء الإداري هي البيئة المناسبة للفساد المالي والتهميش الإداري وانحسار عجلة التنمية بخلاف التزام الهيئات الإدارية بالنظام والقانون عندها ستزول كل ظواهر الفساد الإداري المتمثلة في الوساطات، وعدم إعمال التخصص والخلط بين المهام، وستكون لكل إدارة مهامها المحددة لها وأهدافها المراد تحقيقها، وبالتالي يتم الحفاظ على المال العام الذي يهدر بسبب الظواهر سالفة الذكر، وتتحرك عجلة التنمية ويعيش الجميع الموظفين برضا للعدالة التي يلمسونها، وبالتالي تتضاعف جهودهم وإخلاصهم لعملهم، وهو ما سينعكس إيجاباً في الانتعاش الاقتصادي وسرعة التنمية وأن تفعيل القوانين وإيجاد تشريعات منفذة لا تستثني أحداً هي الضمان الأفضل والأقوى لتحقيق ذلك.