ابتدأ الصحافيون اليمنيون الذين يكتبون عن الفساد عام 2013 بجدل على مقالاتهم المنشورة. فمنذ يناير الماضي تم إحالة صحافيان إلى المحكمة بسبب قصصهم الصحفية والتي أثارت نقاشات عامة في حينها. حسام عاشور, صحفي رخيم الصوت في محافظة حضرموت والتي تبعد حوالي 1,000 كيلو متر عن العاصمة صنعاء-الذي يعمل مراسلا لموقع نيوز يمن الإخباري المحلي وأسبوعية النداء المستقلة- في يوم 2 إبريل حكم على عاشور بالحبس ثلاثة أشهر مع وقف التنفيذ وأن يدفع 300 ألف ريال (حوالي 1,400 دولار) بسبب مقالة عن الفساد كتبها في 3 مايو 2011. عاشور اتهم في مقالته مدير فرع صندوق إعمار محافظتي حضرموت والمهرة ممارسة فساد مالي وإداري. وكان النائب العام قد وجه بعد نشر المقال الصحفي نيابة الأموال العامة في حضرموت بالتحقيق في القضية مع المسئول الحكومي المتهم في المقال والجهات ذات العلاقة. الأمر الذي يتم بعد. وكان عاشور قد كتب في مقاله: “ومع كل ذلك ولأجل تقويتها وتعزيز مكانتها فقد منحها رئيس المجموعة المتنفذه صلاحيات وامتيازات لم يحظى بها مدراء الفرع أنفسهم، فهناك خط ساخن يربطها مباشرة به ، من خلاله جعل لها الحق في فعل ما تريد دونما أي احترام لرؤسائها.” وردا على ذلك قام المسئول الحكومي برفع دعوى قضائية ضد عاشور متهمة إياه بالقذف. ويوضح لطفي الكثيري, محامي عاشور لصوت اليمن بأن النيابة اتهمت موكله “بإهانة موظف عام في مقال صحفي.” ولم تنجح محاولات صوت اليمن للوصول إلى مسئولي الصندوق للتعليق. وقي حديث عبر التلفون لصوت اليمن أوضح الصحفي أن هذا كان مجرد دعوة كيدية والغرض منها إلجامه عن الكتابة حول الفساد. ويقول عاشور: “هذا جزء من حملة تستهدف الصحفيين من أجل إسكاتهم وتخويفهم لكي لا يتناولوا قضايا الفساد.” ويعتقد عاشور إن عصابات الفساد في البلد تناضل لاستمرار وجودها وإذا لم تتحرك نقابة الصحافيين اليمنيين والمنظمات المسئولة عن دفاع حرية التعبير سيضطر الصحافيون التوقف عن تغطية قضايا الفساد لان حياتهم ستكون في خطر. ويعلق الكثيري, حول الحكم الصادر بحق عاشور بالقول بالرغم أن عاشور حرا بسبب وقف التنفيذ إلا أنه في حال قاضاه طرف آخر على قضية مشابهة- تضاف العقوبة السابقة إلى الجديدة وتصبح نافذة. ويقول: “هذا يشكل تهديد مقلق ضد حرية الصحافة وإذا لم يتم وقف هذا, سيتم إخراس كل الصحافيين بنفس الطريقة.” وقال المحامي بأنه تم استئناف الحكم لان القاضي لم يقرأ حيثيات الحكم أو حتى يخول الدفاع بالحصول على نسخة من الحكم. وفي معرض حديثه مع صوت اليمن يقول عاشور: “مهما حصل لن أتوقف عن الكتابة حول حالات الفساد طالما أنا مؤمن برسالة الصحافة.” منظمة غير حكومية تقاضي صحفيا حول مقال يتناول فسادها يبدو أن العلاقة بين الصحفيين المناهضين للفساد وبعض منظمات المجتمع المدني بدأت تتدهور. في الشهر الماضي, رفعت جمعية الإصلاح الخيرية, منظمة غير حكومية تتبع حزب الإصلاح دعوة قضائية ضد الصحافيان, محمد العبسي ومحمد عايش, رئيس تحرير صحيفة الأولى اليومية المستقلة لقذف وتشويه سمعتها. وقال صلاح النونو, من المكتب الإعلامي لجمعية الإصلاح الخيرية لصوت اليمن بان العبسي نشر مقالا صحفيا تضمن مغالطات ومعلومات غير صحيحة. وأضاف: “القضية الآن في المحكمة وسيتم البت فيها وفقا للقانون.” وقد مثلا مرتين العبسي وعايش أمام المحكمة اليمنية للصحافة والمطبوعات في جلستي 22 و29 أبريل. وطلب فريق الدفاع إسقاط الدعوى القضائية ولكن تم تأجيل المحاكمة إلى 13 مايو. وقال العبسي في حوار طويل مع صوت اليمن بأنه نشر تحقيقا صحفيا مبنيا على الوثائق التي تثبت الفساد الذي مارسه المستشفى الميداني لساحة التغيير, مؤسسة وفاء والجمعية الطبية الخيرية. ووفقا للعبسي كل المنظمات الثلاث مرتبطة بحزب الإصلاح من خلال جمعية الإصلاح الخيرية. وأوضح بأن هذه المجموعات التي تعمل بشكل وحيد على معالجة جرحى المعتصمين قد أساءت إدارة بين 1.4إلى 2 مليون دولار شهريا معونات مالية مقدمة من الهلال الأحمر القطري للخدمات الطبية المجانية لجرحى الثورة. بالنسبة لجمعية الإصلاح الخيرية فإنهم ينفون هذه الإدعاءات. وقال احمد سيف, رئيس جبهة إنقاذ الثورة لصوت اليمن أن جرحى الثورة كانوا قد رفعوا دعوة قضائية ضد الحكومة بعد نشر مقال العبسي لعدم قيامها بمسؤوليتها بتقديم العلاج والرعاية الطبية لهم. وأضاف بان المقال ألهم الجرحى بتنظيم وقفات احتجاجية ضد الحكومة لسماحها للمنظمات بإهدار الأموال المخصصة لعلاجهم. وفي حين أن نتائج المحاكمة لاتزال مجهولة, فإن العبسي لديه فعلا بعض الشكوك حولها حيث يقول: “الذي يبعث على القلق هو أن ذات رئيس جمعية الإصلاح الخيرية (القاضي مرشد العرشاني) هو وزير العدل الأمر الذي يثير الشكوك حول سير محاكمة عادلة.” ويعتقد أن قضيته ربما تسيس لإجباره التوقف عن قضايا الفساد خصوصا وأن مدونته واحدة من القلائل في البلد التي تنشر معلومات باستمرار حول الفساد مدعمة بوثائق حكومية حساسة. فعلى سبيل المثال استطاع العبسي الوصول إلى أكثر من 10,000 وثيقة سرية من وزارة الدفاع تفصح الجولات الست لحرب صعدة, الحرب على القاعدة والفساد المستشري في الجيش اليمني. ويضيف بأن احد أعضاء مجلس نقابة الصحفيين اليمنيين حاول إقناعه بكتابة اعتذار من أجل سحب القضية من المحكمة. لكن العبسي رفض العرض. وقال العبسي: ” أفضل أن احبس ولا أكتب اعتذار قصير, إذا تم حبسي كل ال 10,000 الوثائق السرية حول الجيش اليمني ستنشر بضغطة زر.” صحفيون يتهددون بسبب مقالات الفساد معظم اليمنيون على دارية بالفساد المستشري في البلاد وغالبا ما يرغبون في الحديث عن نظريات التآمر المختلفة. ووفقا لمسح ميداني نشره المركز اليمني لقياس الرأي, فإن 41.97 % من السكان يشعرون بان عملية مكافحة الفساد إلى الأسوأ. ومع ذلك هناك ندرة للتحقيقات الصحفية حيال ذلك- أحيانا بسبب عدم التدريب, الخوف من العواقب وصعوبة الحصول على المعلومة بالرغم من وجود قانون الحصول على المعلومات الذي أقر قبل عام. ولهذا يبدو الفساد الخط الأحمر الذي لا يستطيع الصحفيون تخطيه. لسوء الحظ, فان هاتين القضيتين ضد عاشور والعبسي أو عايش ليستا الوحيدتين. فمدير قناة السعيدة الفضائية-فرع محافظة تعز, محمد مارش تلقى في الأشهر القليلة الماضي تهديدا بالقتل بعد تجميعه وثائق بخصوص قضايا فساد. وتلقى كذلك مراسل صحيفة الصحوة في محافظة الضالع, نصر المصعدي تهديدا بالقتل من مدير بنك التسليف التعاوني الزراعي بعد نشره تقارير صحفيه يتهمه فيها بالفساد. وبشكل عام في الصحفيين في اليمن لا يزالون يعملون في بيئة غير آمنة حيث سجل 135 انتهاكا بحق الصحفيين في 2012 وفقا لتقرير أعدته منظمة صحفيات بلا قيود, منظمة محلية غير حكومية متخصصة في حريات الصحافة والتعبير. وفي 2011 قتل سبعة إعلاميين خلال الثورة ضد حكم صالح. وتقول المنظمة بأنه في 2012 تلقى 34 صحافيا تهديدا بالتصفية الجسدية بسبب عملهم, حالتين من تلك التهديدات كانت بسب مقالات مناهضة للفساد. واحتل اليمن المرتبة 169 من 179 بلدا في تقرير منظمة مراسلون بلا حدود لعام 2013.