تكاد عملية إتمام التسوية السياسية تتوقف عند مرحلتها الثانية بفعل اتساع فجوة الخلافات بين الأطراف السياسية في ظل اكتفاء المجتمعين الدولي والإقليمي بالتعبير عن قلقهم إزاء التدهور المخيف للأوضاع فيما يدفع نحو جعل البلاد أرضية لصراع خارجي. الفترة الانتقالية المحددة بسنتين يبدو أنها ستنتهي دون أن نتقدم خطوة أخرى نحو مستقبل تكون اليمن قد تجاوزت فيه صراعات الماضي إذ أن كافة الأطراف لم تعمل للتهيئة لهذه المرحلة خاصة أن أزمة الثقة لا تزال تتسيد تفاصيل العلاقات بين المؤتمر الشعبي العام وتكتل اللقاء المشترك. وأصدر مجلس الأمن الدولي بياناً رئاسياً هو الأول من نوعه، أعرب من خلاله عن قلقه من تصاعد خلافات الأطراف اليمنية وتعثر انعقاد مؤتمر موسع للحوار الوطني في البلاد. وعلى ما يبدو فإن التعقيد الذي يقف عائقا أمام انطلاق عملية الحوار يتمثل بشكل أساس في استمرار تخندق الأطراف المعنية عند خلافات الماضي ،فضلا عن سعي البعض لطرح اشتراطات لبدء الحوار فيما أطراف أخرى لا تزال ترفض المشاركة في الحوار من باب رفضها للمبادرة الخليجية من أصلها. لقد انقضى أكثر من شهر على بدء المرحلة الثانية من الفترة الانتقالية وهي المرحلة التي تقضي اتفاقية نقل السلطة أن يدعو الرئيس هادي وحكومة الوفاق في مطلعها إلى عقد مؤتمر حوار وطني جامع لكل القوى السياسية وفئة الشباب والحراك الجنوبي وجماعة الحوثيين غير أن هذا لم يحدث بعد. ومن هذا المنطلق عبَّر مجلس الأمن الدولي عن قلقه إزاء الخلافات القائمة بين الأطراف السياسية الفاعلة وتدهور مستوى التعاون فيما بينها والمخاطر التي تحيط بالعملية الانتقالية للسلطة بالبلاد. ودعا في بيان هذه الأطراف إلى الالتزام بالانتقال السياسي للسلطة وبقرار المجلس رقم 2014 وأن تقوم بدور بناء في هذه العملية وتنبذ العنف. وأكد بيان المجلس على ضرورة البدء في المرحلة الثانية من عملية الانتقال السلمي للسلطة المتمثلة في عقد مؤتمر للحوار الوطني الشامل، وإعادة هيكلة الجيش والأمن، والتصدي لمسألة امتلاك السلاح من غير إذن وخارج نطاق مراقبة الدولة، بالإضافة إلى سن تشريعات بشأن العدالة الانتقالية لدعم المصالحة الوطنية والإصلاح الدستوري والانتخابي وإجراء الانتخابات في عام 2014م. وشدد على أهمية إنجاز هذه العمليات السياسية بصورة جامعة تحقق المشاركة الكاملة لمختلف أطياف المجتمع اليمني،وحث الحكومة اليمنية على الإسراع في تشكيل لجنة تحضيرية من كافة الفئات لمؤتمر الحوار الوطني و"من أجل تنفيذ عملية جامعة بحق"، طالب المجلس، الحكومة اليمنية والأطراف الفاعلة الأخرى "بسرعة إطلاق سراح المتظاهرين الذين تم اعتقالهم عشوائياً أثناء الأزمة". وأكد مجلس الأمن مجدداً على "ضرورة محاسبة جميع المسؤولين عن الانتهاكات والإساءات لحقوق الإنسان بما في ذلك أعمال العنف"، معرباً عن قلقه إزاء مواصلة تجنيد الأطفال واستغلالهم من قبل مجموعات مسلحة وبعض العناصر العسكرية، داعياً إلى بذل الجهود من أجل منع استغلالهم وتجنيدهم.وأكد المجلس أنه سيستمر في "متابعة الوضع باليمن عن كثب ومراقبة عن قرب الخطوات القادمة باتجاه تحقيق انتقال سياسي سلمي للسلطة". ومن المتوقع أن يعود خلال الأيام القادمة مبعوث الأمين العام جمال بن عمر إلى اليمن في مهمة تستهدف كسر الجمود الذي أصاب المرحلة الثانية من اتفاق التسوية وخاصة ما يتعلق بانعقاد مؤتمر الحوار الوطني وعملية إعادة هيكلة الجيش في البلاد . وبحسب المعلومات سيحمل بن عمر معه مقترحا لطرحه على قيادات حزب المؤتمر الشعبي العام وأحزاب المشترك يتضمن الشروع في استكمال ترتيبات انعقاد مؤتمر حوار وطني موسع تشارك فيه القوى السياسية والاجتماعية الفاعلة في البلاد، بحيث ينعقد هذا المؤتمر تحت رعاية الأممالمتحدة والدول الراعية لاتفاق المبادرة الخليجية، على أن يسبق ذلك تحديد جدول زمني لتنفيذ عملية إعادة هيكلة الجيش والأمن والشروع فيها عقب انعقاد مؤتمر الحوار. وعلى الرغم من ضغوط المجتمع الدولي نحو البدء بعملية الحوار الوطني الشامل ، فإن وضع شروط أمام هذا الحوار من شأنه أن يحول الحدث الذي يعول عليه في رسم خارطة البلاد السياسية إلى مناسبة للمساومات وقطع الطريق عن الحلول المكتملة علاوة على فتح الباب أمام سائر الجماعات السياسية لطرح شروط ، الأمر الذي سيفضي إلى إغراق الحوار في مواجهة بين شروط وشروط مضادة قبل أن ينطلق حتى. من الممكن أن تشير الأطراف المعنية بالحوار إلى مبادئ عامة أو إطار ضابط مثل تلك التي طرحت في لقاءات بوتسدام بألمانيا الشهر الماضي، أما التقدم باقتراحات تحمل صفة الشرطية فهو إجراء سيبعث على ردود فعل مشابهة ولن يساعد في التئام شمل الأطراف المطلوب تحاورها. وكانت شرعت الجهات السياسية في عرض مقترحات واشتراطات لما اعتبرته ضرورة لبدء الحوار حيث أعلن اتحاد قبائل اليمن في بيان له سبعة محددات للتعامل مع الوضع السياسي والأمني في البلاد، بعضها ورد بصيغة الطلب. فقد طالب الاتحاد الذي تأسس العام الفائت من قبل المحسوبين على آل الأحمر المنضمين للثورة ب"عدم فتح باب الحوار ما لم يتم دمج الجيش والأمن ضماناً للمشاركة الوطنية الواسعة في هذا المؤتمر العام وبالتالي نجاح مخرجاته". أما اللقاء المشترك فقد طرح 12 شرطاً قال إنها افكار يجب البدء بها من اجل عقد الحوار ومن بينها إبعاد علي عبدالله صالح عن رئاسة المؤتمر الشعبي العام وإزاحة قادة عسكريين من مواقعهم إضافة إلى إعادة تشكيل مكتب رئاسة الجمهورية طبقاً لسياسة التوافق التي يقوم عليها النظام السياسي المنبثق من الانتفاضة. تنطلق اشتراطات التحالف القبلي واللقاء المشترك من خلفية واحدة ومخاوف مشتركة من تأثير الوضع السياسي والأمني المضطرب في الإقبال على الحوار أولاً ثم تعطيل بواعث الوثوق بجدواه خصوصاً لدى الأطراف التي كانت تنتظر تغييراً جذرياً وشاملا لصالحها. ويُخشى أن تضيف المخاوف الحالية التي تبرز في حزمة شروط مزيداً من الصعوبات في سبيل مؤتمر الحوار العام وتنسف ما تبقى من أواصر الثقة فينقضي الموسم المفترض لبدء الحوار دون إحراز أي من مستوياته. تتبين أهمية الحوار الوطني من خلال المهام التي أناطته بها الآلية التنفيذية لاتفاقية نقل السلطة..فطبقاً لنص الآلية، يبحث المؤتمر في ثماني مهام أبرزها "عملية صياغة الدستور، بما في ذلك إنشاء لجنة لصياغة الدستور وتحديد عدد أعضائها" و"الإصلاح الدستوري ومعالجة هيكل الدولة والنظام السياسي واقتراح التعديلات الدستورية إلى الشعب اليمني للاستفتاء عليها". كما يبحث في القضية الجنوبية "بما يفضي إلى حل وطني عادل لها.." إضافة إلى "النظر في القضايا المختلفة ذات البعد الوطني ومن ضمنها أسباب التوتر في صعدة" ، "اتخاذ خطوات للمضي قدماً نحو بناء نظام ديمقراطي كامل" و "اتخاذ خطوات ترمي إلى تحقيق المصالح الوطنية والعدالة الانتقالية، والتدابير اللازمة لضمان عدم حدوث انتهاكات لحقوق الإنسان والقانون الإنساني مستقبلاً". وخلافا لتلك المحددات،تبرز مؤشرات لأن يكون الحوار بين الشمال والجنوب خاصة أن عودة المعارض الجنوبي محمد علي احمد تأتي لاحياء المؤتمر الجنوبي الأول الذي انعقد في القاهرة بحضوره والذي أكد أنه سيقوم بلقاءات مع الجنوبيين لتأسيس هيئات للمجلس الوطني الجنوبي الذي يهدف إلى الحوار بين الجنوبيين في الداخل والخارج وتوحيد رؤيتهم. من جانبه قال القيادي في الحراك الجنوبي د.ناصر الخبجي إن شعب الجنوب هو المرجعية وصاحب الحق في تقرير مصيره ,وأنهم في الحراك يرفضون أي حوار ويرحبون بالتفاوض الندّي بين الشمال والجنوب تحت رعاية إقليمية ودولية ..ساردا عدة شروط لذلك أبرزها الاعتراف الكامل بالقضية الجنوبية والاعتذار الرسمي لشعب الجنوب من حكومة الوفاق وشركاء الحرب, والغاء الفتوى الدينية التكفيرية ضد شعب الجنوب وعن الحوار الذي يريدونه قال: يجب أن يكون للحوار أهداف وأسس ومبادى وتحديد أطرافه, والمكان والزمان وضمانات لتنفيذ نتائجه, والشيء الآخر نحن مع التفاوض وليس الحوار. وتابع: "شروط التفاوض وليس الحوار وهي معروفة تبدأ بالاعتراف الصريح بقضية الجنوب كقضية سياسية بامتياز وبحق شعب الجنوب في تقرير مصيره والإقرار بأن مشروع الوحدة السياسية 90م بين الدولتين (الجمهورية العربية اليمنية وجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية) قد فشل ولم يعد لها وجود بعد إعلان الحرب على الجنوب واحتلاله في 7يوليو 1994م وان الحراك السلمي الجنوبي هو الحامل السياسي للقضية الجنوبية, والتفاوض يكون تحت رعاية إقليمية ودولية وفق قرارات الشرعية الدولية (924) و(931) والصادرة أثنا الحرب, وقبل الدخول في التفاوض يجب تسوية الأرضية وتهيئة المناخ السياسي, وابرز تلك المقدمات, الاعتذار الرسمي لشعب الجنوب من حكومة الوفاق وشركاء الحرب, والغاء الفتوى الدينية التكفيرية ضد شعب الجنوب, وإعادة كل ما تم نهبه تحت هذه الفتوى خاصاً أكان أو عاماً, لأصحاب الحق, وسحب القوات العسكرية من الجنوب واعادتها إلى مواقعها السابقة قبل عام 90م , وإبطال كافة الاجراءات والوثائق التي تم اصدارها بعد 7/7/1994م. وفي مسار آخر لا يزال الحراك الشعبي في البلاد بعيداً عن تحقيق أهدافه في التنمية والديمقراطية والانتقال السلمي للسلطة ومكافحة المحسوبيات والفقر في حين يتحرك الرئيس السابق صالح في كل الجهات مستفيداً من الحصانة الممنوحة له بعدم محاكمته وفقاً للمبادرة الخليجية التي قبل بها بعد طول تسويف ومماطلة. وبموجب الحصانة القانونية لا يجد صالح حرجاً من وصف الذين أجبروه على التنحي، بعد عقود من الحكم الفردي، ب «البلاطجة» وهو وصف يستفز مشاعر ملايين اليمنيين. وما بين العناد، وشهوة الحكم، يقف صالح في مواجهة خصومه. وتمضي اليمن في حالة من عدم الاستقرار في ظل أوضاع إنسانية ما زالت آخذة بالتدهور، حيث تشير الإحصاءات إلى أن نحو 10 ملايين مواطن تأثروا بالأحداث. ووفقاً للتقارير فإن الأولويات الإنسانية الملحة تتلخص في توفير الغذاء للنساء والأطفال وتوفير المياه النظيفة وتأمين الرعاية الطبية الأولية والأمن الغذائي، وتتمثل في مكافحة معدلات فقر هي أكثر عمقاً وأشد حدة من أي بلد آخر في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.. أزمة ثقة: صراع الداخل يسد طريق الحوار المرتقب.. وتدهور الأوضاع يعيد القلق للخارج