يؤكد المراقبون والمحللون السياسيون إن الوسائل الضخمة التي جندتها إسرائيل في عدوانها الحالي على أبناء الشعب الفلسطيني الاعزل سواء في الضفة الغربية أوفي قطاع غزة تشير إلى أن عملياتها العسكرية واسعة النطاق هناك والتي اطلقت عليها إسم "أمطار الصيف " تبيت في الواقع أهدافا أشمل وأوسع من استعادة الجندي المأسور وتحريره . مشيرين إلى أن أول من يقر بهذا الأمر هم المسئولون الإسرائيليون الكبار الذين أعلنوا مرارا ان الهدف على المدى القريب هو الحد قدر الامكان من عمليات اطلاق الصواريخ على مايسمونه جنوب اسرائيل، مع العلم انه من المستحيل وقفها تماما من خلال عمل عسكري. وفي تصريحات له بهذا الصدد مطلع هذا الاسبوع قال وزير العدل الصهيوني حاييم رامون "سنواصل الضغط حتى اطلاق سراح الجندي جلعاد شاليت وذلك بدون الرضوخ للابتزاز، والى ان تتوقف عمليات اطلاق الصواريخ". غير ان الهدف ايضا وكما يؤكد المراقبون هو اعادة اثبات القوة الرادعة للجيش الاسرائيلي وضرب حركة المقاومة الاسلامية (حماس) التي تسلمت السلطة بعد فوزها في الانتخابات التشريعية الفلسطينية التي جرت في 25 يناير الماضي ، وهي انتخابات وافقت الحكومة الاسرائيلية على تنظيمها غير انها لم تتقبل نتائجها. بدورهم يرى الخبراء السياسيون الاسرائيليون ومنهم دانيال بن سيمون إن خطة رئيس الوزراء الاسرائيلي ايهود اولمرت برمتها والقاضية برسم مايسميه "حدود إسرائيل" من طرف واحد بدون الاتفاق مع الفلسطينيين بأنها على المحك في العملية العسكرية الحالية على قطاع غزة. لافتين إلى أن اولمرت يأمل ان يتيح الهجوم على قطاع غزة احراز تقدم في خطته الاحادية الجانب بالضفة الغربية ، وقال هؤلاء "ان الفكرة هي التخلص من حكومة حماس في قطاع غزة" ، وهذا سيساعد اولمرت على تسويق طرحه بالنسبة لعملية اعادة انتشار قريبة واخلاء مستوطنات في الضفة الغربية. وأشار المحللون الاسرائيليون كذلك إلى ان "جزءا كاملا من الجهاز العسكري الاسرائيلي يطالب منذ الانتخابات التشريعية الفلسطينية في 25 يناير الماضي بالقضاء على حركة حماس قبل ان تعزز موقعها نظرا لعزمها على تدمير اسرائيل عاجلا ام آجلا ودعمها لما يسموه الارهاب كما يزعمون ، وأعتبروا ان اعتقال 64 مسؤولا سياسيا من حماس في الضفة الغربية الخميس الماضي يندرج في اطار هذا المنطق ولو ان الهدف الاول المعلن لحملة الاعتقالات هذه هو المقايضة على الجندي الاسير بالرغم من النفي الرسمي الاسرائيلي لذلك. وكان رئيس وزراء الكيان الصهيوني الغاصب أيهود أولمرت قد أصدر تعليماته قبل عدة أيام الى جيش الاحتلال الاسرائيلي باستخدام كافة وسائل القوة العسكرية ضد الفلسطينيين .. مؤكدا ان اسرائيل غير معنية باصابة مدنيين فلسطينيين خلال عملياتها ضدهم 0 وقال /اولمرت/ فى الجلسة الاسبوعية للحكومة الاسرائيلية التي عقدت الاحد الماضي في القدسالمحتلة انه اصدر توجيهاته ايضا الى الدوائر الامنية الاسرائيلية لبذل قصارى جهدها لاعادة الجندي المأسور. وهو ماجعل أطراف عربية واقليمية ودولية عديدة تعرب في المقابل عن اسفها الشديد لاستمرار الاعتداءات الاسرائيلية على الشعب الفلسطينى في ظل صمت دولي واضح وقاس وكأن هناك مؤامرة دولية في التعامل الجاد مع العدوان والسكوت عن جرائم الحرب الاسرائيلية 0 خاصة والجميع يلاحظ ان التباطؤ الذي أصاب التحركات الدولية بسبب المصالح وارتهان القرارات السياسية للولايات المتحدةالامريكية الحاضنة القوية لارهاب الدولة الاسرائيلية أصاب ايضا مجلس الامن وشل عمله ، والكل يعلم ايضا ان الاممالمتحدة لم تعد تمثل مرجعية دولية صالحة لحل القضايا والازمات العالمية بسبب هيمنة دولة القطب الواحد على عملها وأدائها . ولا يختلف إثنان على أن الاعمال الاجرامية الاسرائيلية التي تقوم بها سلطات الاحتلال حاليا ضد الفلسطينيين وممتلكاتهم وعمرانهم في غزة تندرج في اطار الارهاب الدولي ، ومع ذلك تدرك تل ابيب انها ستبقى بمنأى عن أي عقاب بفضل الدعم الامريكي اللامحدود لها بما يسمح بتجاوز حدود المنطق وباطلاق العنان لالتها الحربية التي تعمل قتلا وتنكيلا بالشعب الفلسطيني . وهذا ما أوضحه المراقبون بقولهم إن المشكلة الحقيقية لا تتعلق بالجندي الاسرائيلي الاسير وانما بالمجتمع الدولي العاجز عن تنفيذ قراراته الصادرة باسم مجلس الامن وبالضعف العربي والاسلامي الذي أدى الى هذا العجز الدولي .. مرجحين ان تتمادى إسرائيل أكثر فاكثر مستندة في ذلك الى الدعم الامريكي القوي لها ومباركة عدوانها على الابرياء على طول الخط. على أنه ممن شك هنا ان الذين يراهنون على امكانية التوصل الى سلام عادل مع إسرائيل واهمون تماما إذ أن الرهان الوحيد الملائم هو رهان القوة الذي أسقطه العرب منذ زمن طويل. كذلك لايجهل أحد في هذا العالم الاصم الابكم ان مشهد ارهاب الدولة الذي تمارسه اسرائيل سواء في قطاع غزة او الضفة الغربية يلقى اذانا صماء وعيونا لاترى وقلوبا قاسية من المجتمع الدولي وفي مقدمتهم العرب والمسلمين الذين أثبتوا في كل الاحوال أنه لاحول لهم ولا قوة أمام جبروت إسرائيل وغطرستها. وبحسب أراء المحللين فان الازمة الحالية لم تكن في أسر جندي اسرائيلي قاتل متسائلين عن الاهداف الحقيقية للاجتياح الاسرائيلي لقطاع غزة ، وقد خلص هؤلاء الى القول ان الحقيقة التي باتت واضحة هي ان اسرائيل سائرة الى اسقاط خيار الشعب الفسطيني بحكومته المنتخبة التي تقودها حركة حماس .. مشيرين الى الحملة الاعلامية المرتبطة باللوبي الصهيوني العالمي خاصة في امريكا التي رافقت أسر الجندي الاسرائيلي وذلك لاعطاء الغطاء السياسي لرئيس وزراء اسرائيل للسير بمخططه الاحادي بالانسحاب من الضفة الغربية وتنفيذه بعد ان تكون السلطة الفلسطينية قد أصيبت بالشلل التام نتيجة غياب عدد كبير من الوزراء والنواب الفلسطينيين في الاسر الاسرائيلي كرهائن . بيد أنه لايخفى على أحد ذلك الانحياز الكامل والاعمى للولايات المتحدة لحليفتها وربيبتها المدللة "إسرائيل" وتجنيدها وسائل الاعلام الدولية وتكميم افواه المجتمع الدولي بغرض قلب الحقائق وتحويل الضحايا إلى قتلة يستحقون العقاب علما بأن أمريكا تسبغ حمايتها على القتلة الحقيقيين وتبرئ ساحة الاسرائيليين. وعلى صلة بالعدوان الصهيوني الحالي على غزة يقول الكاتب البريطانى باتريك سيل إن اسرائيل باستخدامها للقوة المفرطة ضد غزة أظهرت مرة أخرى احتقارها للقانون الدولي وعدم مبالاتها بالمعاناة الانسانية. واضاف سيل في مقال له نشر في صحيفة "الغارديان" البريطانية قبل عدة ايام ان اسرائيل ستواجه النتائج الرهيبة لتصرفاتها غير المسوءولة على المدى الطويل رغم الدعم الاميركي الاعمى لها 0 ورأى ان الاوروبيين سيضغطون على اسرائيل لانهاء احتلالها للاراضي الفلسطينية مشيرا الى ان بريطانيا وفرنسا تعملان بهدوء الان على مشروع يحدد مقاييسهما لحل النزاع وهما لن تدعما خطة الضم الاحادية لايهود أولمرت . واكد الكاتب البريطاني ان اسرائيل ستفعل اى شىء لتفادي المفاوضات. من جهته قال الكاتب البريطاني / ويل هوتون/ أن الاعمال العسكرية الاسرائيلية في غزة لا تغتفر. وأضاف الكاتب البريطاني في مقال له نشر في صحيفة /الاوبزرفر/ في عددها الصادر يوم الثاني من يوليو الجاري ان الاعمال الوحشية التى ارتكبتها اسرائيل في الايام الماضية ضد سكان غزة وتدمير البنى التحتية واعتقال أعضاء في الحكومة الفلسطينية والبرلمان يعتبر سلوك انهزامي ويضع اسرائيل في موقع الدولة المارقة وليس سلوك حكومة تريد أن تكون شريكة في السلام. واشار الى أن اسرائيل لا تريد شريكا سياسيا فاعلا في المفاوضات بقدر ماتريد فرض حلها الاحادي واغتصاب الاراضي الفلسطينية. وأكد هوتون أيضا أن العالم كله له مصلحة في ايجاد تسوية عادلة لمشكلة الشرق الاوسط .. واصفا الاكتفاء بالتعبير عن القلق الخاص الذي أطلقته مجموعة الدول الثماني الكبرى بأنه مثير للاستهجان. وقال ان ما حدث في الاسبوع الماضي كان عارا دوليا ويجب قول ذلك إذ كيف تحاسب حماس على أقوالها وأفعالها دون أن يطبق نفس المبدأ على اسرائيل. ومع ماذهب إليه هذا الرأي أو ذاك في تشخيص العلة وتحليل ابعاد العدوان وسر الصمت العربي والاسلامي المهين ازاء مايحدث يتعزز يقين الجميع بأن استهدافقوات الاحتلال لكل مقومات الحياة للشعب الفلسطينى يدل على همجية اسرائيل وعنصريتها ومعاداتها للحقوق الانسانية لهذا الشعب. ويحلو للكل أن يحمل الولاياتالمتحدة مسوءولية الاعمال الخطيرة التى تقوم بها اسرائيل وذلك من خلال تشجيع واشنطن لها واعلانها ان ما تقوم به هو دفاع عن النفس إلا أن كل ذلك وما في مستواه لايكفي ولا يمكن أن يغير من الواقع الاليم شيئا. وقد يقول قائل ان الاعمال التى يقوم بها الجيش الاسرائيلى من اعتداء على المدنيين الفلسطينيين كما حدث فى تصفية عائلة بكاملها على شواطىء غزة وتدميره لمحطات الكهرباء والماء واستباحته للمنشات الرسمية الحكومية لا يمكن أن يساعد على اخراج اسرائيل من مأزقها . ويضيف غيره القول ان العملية التى أقدمت عليها اسرائيل وبهذا الصلف ستؤكد النظرية التي تقول ان التوصل الى سلام قد يبدو أقل احتمالا خصوصا الان بعد أن تعمقت الجروح وزاد سوء الفهم الا ان الكلام يبقى مجرد كلام لاسيما وأن المجتمع الدولي ما زال يخادع ويعامل الطرفين "المعتدي والمعتدى عليه على قدم المساواة ولا يسمي الاشياء بأسمائها ، فيما العرب ومن ورائهم من يدينون بدين الاسلام - حكومات وشعوب - يغطون في سبات عميق ، ويحلمون بأن يأتيهم صلاح الدين جديد في منامهم فيحرر الاقصى من رجس غاصبيه ومدنسيه ويرد كيد بني صهيون عن إخواننا من أبناء الشعب الفلسطيني الذي قدر له أن يدفع فاتورة تخاذلنا كأمة وارتدادنا على الاعقاب ولزوم صمتنا المهين ازاء كل ماحدث ويحدث على مرأى ومسمع منا ومن العالم أجمع. ولعل من المفارقات العجيبة هنا أن تقيم إسرائيل الدنيا ولا تقعدها من أجل تحرير جندي وحيد وقع في الاسر في مواجهة عسكرية ، بينما يلزم الطرف الاخر العرب والمسلمون الصمت تجاه جريمة منظمة تقوم بها إسرائيل حاليا في الاراضي المحتلة تبيد بها شعب شقيق بأكمله وتحرث في أرضه التي باركها الله وبارك ما حولها الحرث والنسل ، وذلك والله هو العار بعينه ياأمة الصمت !.